السودان الان

“التصعيد مستمر” توقعات باستمرار التوتر بين الخرطوم والقاهرة.. لكونها أزمة سياسية معقدة تمتد من حلايب شرقا مرورا بالحدود الشمالية إلى سد النهضة في إثيوبيا.. مما يثير الهواجس برغبة مصرية لمحاصرة السودان في مختلف الجبهات

مصدر الخبر / صحيفة اليوم التالي

الخرطوم – أميرة الجعلي
لاحظ المراقبون النبرة التصعيدية المضادة في السودان لما صار معلنا بأنه تهديد (مصري وإرتري)، بل إن محللون عدّوا تصريحات رئيس الجمهورية في خطابات الجماهيرية الأخيرة تجيء في هذا الصدد، وإن رسائل البشير المتضمنة خطاباته عن جاهزية القوات المسلحة لمواجهة أي عدوان البلاد، تأتي في سياق الرد على محاولات عدوان على البلاد من الجبهة الشرقية، بينما تناقلت وسائل إعلان عن وساطة سعودية لحل الأزمة بين الخرطوم والقاهرة.
وفي خطابه الموجه للشعب السوداني الخاص باحتفالات أعياد الاستقلال، خصص الرئيس البشير جزءا كبيرا من خطابه للنهضة التي يشهدها الجيش السوداني من حيث القدرات العسكرية أو الاستعداد والجاهزية للصد أي عدوان خارجي، كما أعلن حينها امتلاك السودان لقوة ردع عسكرية كافية لإيقاف أي تهديد عسكري ضد السودان قبل أن ينطلق من مكانه.
وأعرب المتابعون لخطابات الرئيس وقتها، عن دهشتهم من أن يتضمن خطاب الرئيس في هذه المناسبة تحديدا استعدادات القوات المسلحة لردع أي هجوم خارجي، وتوقع البعض أن يكون لدى الرئيس رسالة محددة يرغب في إرسالها دون أن تكون لديهم معلومة حول ماذا يقصد تحديدا، لكن سرعان ما كشفت الأحداث المتصاعدة للمحللين أن الرئيس كان يدرك ما يجري، وأن قيادة الدولة لديها معلومات عن قيام تحالف مصري إرتري مع أطراف خليجية، تستهدف خلق توترات وتصعيد على حدود السودان الشرقية، كما كشف ذلك إبراهيم محمود نائب رئيس المؤتمر الوطني الحاكم عقب اجتماع المكتب القيادي الذي اطلع على الترتيبات الأمنية في بعض الولايات خاصة ولاية كسلا، معلنا صراحة وجود تهديدات مصرية إرترية على حدود البلاد الشرقية، ومؤكدا أن الحكومة تتحسب لها.
راية الجهاد:
أعاد الرئيس البشير تأكيداته على الاستهداف الأمني للسودان، خلال خطابه الجماهيري في ذكرى عيد الشهيد بمدينة سنجة، مؤكدا الجاهزية الكاملة لقواته المسلحة لكل من يحاول الاعتداء على السودان، بقوله: “جاهزين جاهزين لحماية الدين”، متعهدا بأن تبقى (راية الجهاد) مرفوعة رغم الكيد الذي تتعرض له بلاده، ورغم كيد ما وصفهم بالخائنين والمتربصين والمتمردين.
ومعلوم أن الأزمة التي كانت تبدو مكتومة بين الخرطوم والقاهرة، قد تصاعدت بشكل أكثر سلبية، بعد أن استغل الإعلام المصري زيارة أردوغان الرئيس التركي إلى السودان. وعدَّ رغبته في إنشاء مشروعات سياحية في جزيرة سواكن، يمثل تهديدا عسكريا لمصر ودول الخليج، كما كشف الإعلام المصري عن تخوف مصر من أن تكون زيارة الرئيس التركي في إطار تحالف بناء تحالف قطري سوداني تركي، تحت عباءة الإسلام السياسي، خاصة بعد اجتماع رؤساء أركان الدول الثلاث في الخرطوم، الذي أكد رئيس الأركان القطري في تصريح لـ (الْيَوْم التالي) أنه كان محض صدفة وقدر، ولَم يكن مرتبا مسبقا.
وساطة خليجية:

ومع استمرار التصعيد بين السودان ومصر، كشفت صحف خليجية أن المملكة العربية السعودية تعتزم التدخل بوساطة لنزع فتيل الأزمة بين القاهرة والخرطوم، في ظل تباعد حاجز الثقة بين العاصمتين، وذلك في أعقاب طلب مصر استبعاد السودان من مفاوضات سد النهضة الإثيوبي، وفي ظل تطاول وإساءة الإعلام المصري لقيادة وشعب السودان التي يعتقد في الخرطوم أنها جرت بتوجيهات مباشرة من جهاز المخابرات المصري، كما أكدت ذلك صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية وبثته قناة الجزيرة، عندما تحدثت عن سيطرة جهاز المخابرات المصري على الخطة الإعلامية للصحف والقنوات والإملاء المباشر لما تريده الدولة المصرية تجاه خصومها في الخارج.
تدابير داخلية وخارجية:
من الواضح أن السودان اتخذ بعض التدابير على المستوى الداخلي والخارجي، فعلى المستوى الداخلي، فقد وضع خطة أمنية بتحريك عدد من قوات الجيش وقوات الدعم السريع على الحدود الشرقية التي تتمركز على الشريط الحدودي مع إرتيريا، وهو الأمر الذي أكدته حكومة ولاية كسلا. وأوضحت أن نشر القوات يهدف للحد من عمليات تهريب البشر والسلع الاستهلاكية إلى إرتريا.
وأشارت إلى وجود مجموعات من قوات الدعم السريع في الولاية من أجل جمع السلاح.
تحركات الجنرال:
على مستوى التدابير الخارجية، فقد كشف القوات المسلحة السودانية عن خطة تنسيق مخابراتي مع عشر دول أفريقية، وتزامن هذا الإعلان مع زيارة رئيس هيئة الأركان المشتركة الفريق أول ركن مهندس عماد عدوي إلى إثيوبيا، حاملا رسالة من الرئيس البشير إلى رئيس الوزراء الإثيوبي هايلي مريام ديسالين بعد التصعيد المصري الإرتري الأخير. وناقش خلال الزيارة مع الحكومة الإثيوبية والجيش الإثيوبي التدابير التي اتخذتها الحكومة في هذا الصدد، وإغلاق الحدود مع إرتريا، كما أطلق رئيس الأركان المشتركة الفريق عدوي تصريحات من إثيوبيا عدها البعض في إطار الرد على التهديد المصري والإرتري. وقال عدوي إن السودان وإثيوبيا يواجهان تحديات مشتركة، وسيعمل البلدان على حلها بتوسيع نطاق التعاون، مؤكدا أن ما يضر السودان يضر إثيوبيا، وفِي المقابل جاءت تصريحات الجانب الإثيوبي بأن العلاقات بين البلدين تشهد عصرها الذهبي. وأكدت أن سد النهضة قرّب المسافات بين الشعبين.
وفي وقت سابق، كشف رئيس الأركان الإثيوبي سامورا يونس، في حوار مع (اليوم التالي) أن إثيوبيا تتحسب للمؤامرات المصرية وتهديد بناء السد. وقال إن مصر ليس في مقدورها مهاجمة السد لأنه تجاوز مرحلة البناء الهيكلي، مؤكدا قدرة إثيوبيا العسكرية للرد على أي عدوان أو هجوم في هذا الصدد.
ويعتقد خبراء استراتيجيون أن مصر لجأت للتحالف مع إرتريا وجنوب السودان ويوغندا لمحاولة تطويق كل من السودان وإثيوبيا من الخلف، بهدف تعطيل بناء سد النهضة بتدريبها عسكريا لقوات المعارضة الإثيوبية الموجودة في إرتريا، كما كشف المعلومات.
كما أجرى الفريق عدوي بعض اللقاءات التي شملت رئيس مفوضية السلم والأمن الأفريقي الذي بحث معه مجمل الأوضاع في القارة والإقليم، مقدما له تنويرا حول خطوات إحلال السلام والأمن والاستقرار في السودان.
وكشفت متابعات (اليوم التالي) أن تحركات رئيس الأركان المشتركة لن تقف عند إثيوبيا فقط، بل ستشمل تحركات أخرى في الإقليم لشرح تطورات الأوضاع المتصلة بالتهديد المصري ضد السودان. ويتوقع أن يزور خلال الأيام القادمة بعض دول الخليج، على رأسها المملكة العربية السعودية، وربما تركيا.
زيارة وزير الخارجية الإثيوبي:
وفِي إطار التحركات السودانية الإثيوبية، وفِي إطار تنسيق البلدين في كثير من القضايا الثنائية والإقليمية والدولية، يصل صباح اليوم (الأحد) وزير الخارجية الإثيوبي ورقيني قبيو الخرطوم، يرافقه مدير إدارة دول الجوار والإيقاد السفير محمود درير، ويرافقه الناطق الرسمي باسم الخارجية الإثيوبية، وتشمل الزيارة جلسة مباحثات بين وزيري الخارجية بالبلدين. كما يحمل الوزير رسالة خاصة إلى رئيس الجمهورية المشير عمر البشير.
وعلمت (اليوم التالي) أن وزير الخارجية الإثيوبي ونظيره إبراهيم غندور سيواصلان الحوار حول مناقشة تطورات الأوضاع في المنطقة والإقليم، بما في ذلك الوجود العسكري المصري في إرتريا، وما تمثله من تهديد لدول الجوار والتوترات على الحدود والموقف المصري من سد النهضة، بعد طلب الجانب المصري استبعاد السودان من مفاوضات سد النهضة وإدخال البنك الدولي طرفا ثالثا.
في غضون ذلك، علمت (اليوم التالي) أن رئيس الوزراء الإثيوبي قد تأجلت زيارته المقررة للقاهرة التي كان مقررا لها في خلال اليومين المقبلين. وبحسب المصادر المطلعة، فإن ديسالين ربط زيارته بتحسن الوضع مع السودان، وموقف مصر من سد النهضة.
نقل التوترات للقمة:
كشفت مصادر مطلعة لـ (اليوم التالي) إن قمة الاتحاد الأفريقي نهاية الشهر في أديس أبابا، ربما تتعرض لهذه القضية على مستوى اللقاءات الهامشية للرؤساء، لكونها تهدد الأمن والاستقرار في منطقة القرن الأفريقي.
في ذات الوقت، أفاد مراقبون بأن هذه الأزمة هي الأعمق بين دول المنطقة، وأن التدخل المصري السالب في منطقة القرن الأفريقي ومحاولة تفجير الأوضاع في الإقليم ومحاولتها تعطيل سد النهضه، تعد سياسية قصيرة النظر. وأفادت جهات إعلامية أمريكية بأن مصر ترتكب خطأ تاريخيا بفقدانها دعم السودان في أزمة مياه النيل، لأن كل مكتسبات مصر التاريخية تمت باتفاق وشراكة مباشرة مع السودان، كما أكد سياسيون من قبل أن عهد الاستتباع المصري للسودان قد ولى دون رجعة، وأن مصالح السودان القومية هي المؤشر لتحالفاته الخارجية، وأن السودان لن يتساهل في اقتطاع نصيبه من مياه النيل أو فرض شروط عليه لا تخدم مصالحه العليا.
أوراق ضغط أخرى :
يتوقع كثير من المراقبين أن تستمر أزمة التوتر بين الخرطوم والقاهرة طوال العام الحالي، للطبيعة المركبة والمعقدة للقضية التي تمتد من حلايب في الحدود الشمالية إلى سد النهضة، فضلا على محاولة مصر المستمرة لإضعاف السودان في جميع المجالات.
وقال المراقبون إن السودان حتى الآن لم يستخدم أوراق الضغط الحقيقية التي يملكها تجاه مصر، خاصة وأنه يراقب استضافتها للمعارضين السودانيين وفتح المنابر الإعلامية لهم. وأضاف المراقبون أن القشة التي ستقصم ظهر البعير هو قيام مصر بتوحيد المعارضة السودانية، كما فعلت في منتصف التسعينيات، وكما فعلت مع معارضة جنوب السودان مؤخرا، وقالوا حينها ستضطر الخرطوم لاستخدام كروت ضغطها الحقيقية تجاه القاهرة.

يمكنك ايضا قراءة الخبر في المصدر من جريدة اليوم التالي

عن مصدر الخبر

صحيفة اليوم التالي