في خطوة وصفت بالمفاجئة، أعلن الرئيس السوداني، صباح الأحد، إقالة رئيس جهاز الأمن والمخابرات، الفريق محمد عطا، وتعيين الفريق صلاح عبد الله قوش الذي أقيل من ذات المنصب في عام 2009.

وأوردت وكالة الأنباء السودانية الرسمية خبراً مقتضباً من غير أي تفاصيل عن إقالة المدير الحالي وتعيين المدير السابق.

فمن هو صلاح قوش الذي يوصف برجل المخابرات الغامض والقوي؟ وما هي الظروف التي استدعت عودته للمنصب؟

إخواني.. طالباً

تخرج صلاح قوش من جامعة #الخرطوم التي تتسابق الحركات السياسية لاستقطاب طلابها لتقديمهم للوظائف العليا للدولة، وانضم إلى تنظيم "الجبهة الإسلامية القومية"، النسخة السودانية لتنظيم الإخوان المسلمين، التي أسسها الشيخ حسن الترابي، وخرج بها من سلطة التنظيم المركزية.

تولى صلاح قوش إدارة شبكة المعلومات بالحزب، وعند الانقلاب الذي قاده العميد آنذاك عمر البشير بدعم من الترابي انضم صلاح قوش إلى جهاز الأمن والمخابرات.

محاولة اغتيال مبارك

في عام 1996 أقيل من جهاز الأمن والمخابرات بعد محاولة اغتيال #حسني_مبارك باديس أبابا، واتهام السلطات المصرية السودان بتدبير المحاولة.

في عام 1999 عاد صلاح قوش لإدارة جهاز الأمن والمخابرات بصلاحيات مطلقة لتتصادف عودته مع ما عرف آنذاك بالمفاصلة بين الترابي وعشرة من أتباعه الذين انتقدوا طريقته المطلقة في إدارة الدولة.

رئيس جهاز الأمن والمخابرات السوداني المقال محمد عطا

أفلح "التلاميذ" في إزاحة الترابي من رئاسة البرلمان الذي كان يتخذه كمنصة تشريعية لصياغة مشروعه الخاص للدولة.

السودان يكسر العزلة

بإزاحة الترابي عاد #السودان تدريجياً إلى المحيط الإقليمي والدولي بعد عزلة قاسية امتدت عقداً من الزمان، ولم يكن رجل المخابرات بعيداً عن كسر العزلة، ونسج خيوط التعاون مع دوائر صناعة القرار العالمية.

يقول قيادي إسلامي بارز لـ"العربية.نت" فضل حجب اسمه، إن عودة صلاح قوش في ذلك التوقيت كانت "لحاجة ملحة لشخص من داخل التنظيم يعرف أسرار صناعة النفوذ والتحالفات". وكان قوش هو المناسب لهندسة العهد الجديد وتصفية إرث الترابي في داخل الحكومة والحزب، وتوطيد سلطة الرئيس البشير ونائبه علي عثمان، أبرز تلاميذ الترابي وأحد أبرز الخارجين عن سلطته المطلقة.

ويضيف أن صلاح قوش تعامل مع "إخوان الأمس بحكمة ونعومة" لم تمنعه من الزج بزعيمه السابق في السجن من غير محاكمة.

هجمات 11 سبتمبر

لكن البروز الحقيقي لرجل المعلومات وصاحب المهام الطارئة حدث بعد هجمات 11 سبتمبر على برجي التجارة في نيويورك.

واتهمت #الولايات_المتحدة الأميركية تنظيم القاعدة بتدبير الهجمات، وبدأت تتبع الخيوط التي تقود إلى أسرار التنظيم تمهيداً لشن حرب لا هوادة فيها.

وأعلن الرئيس جورج بوش استراتيجية الولايات المتحدة الخاصة في الحرب على الإرهاب بشعاره الشهير "الذي ليس معنا فهو ضدنا."

واشنطن تتبع

تتبعت الولايات المتحدة الأميركية تاريخ زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن، وقادت بعض الخيوط للتقصي عن حياته وبعض الجماعات المتطرفة التي كانت تقيم في السودان.

جاء أسامة بن لادن للسودان في عام 1991، وأسس شركات تجارية كبيرة، وبدأ في إنشاء مشاريع استراتيجية مثل بناء الطرق والتنمية الزراعية، لكن الولايات المتحدة اتهمته باستغلال وجوده في السودان لبناء تنظيمه المناهض للولايات المتحدة.

لكن الحكومة السودانية نفت تهمة التعاون مع أسامة بن لادن، وقالت مراراً إن بن لادن جاء إلى السودان مستثمراً، وتالياً رضخت للتعاون مع وكالة الاستخبارات الأميركية لمحاربة الإرهاب.

مهندس التعاون الأميركي السوداني

برز الفريق صلاح قوش كمهندس لهذا التعاون الذي بررته الحكومة السودانية لاحقاً بالحفاظ على الدولة وتفادي مصير طالبان في أفغانستان وصدام حسين في العراق.

بدأت الولايات المتحدة حقبة جديدة في التعامل مع الحكومة السودانية عبر وكالة الاستخبارات الأميركية وجهاز الأمن والمخابرات السوداني لتأسيس شبكة معلومات أثمرت عن تتبع الخيوط التي تقود إلى معرفة أسرار التنظيم وتنظيمات أخرى في المنطقة.

وأشادت الولايات المتحدة مراراً بتعاون السودان في مجال #مكافحة_الإرهاب. وقبل مغادرته البيت الأبيض بنحو أسبوع واحد سمح الرئيس أوباما برفع جزئي لعقوبات اقتصادية استمرت لعشرين عاماً.

الإقالة الأولى

في عام 2009، أقيل صلاح قوش من منصبه بشكل مفاجئ وعين مديراً عاماً لمستشارية الأمن القومي في منصب بدا أقرب لاحتواء رجل يمتلك مفاتيح خزانة الأسرار، والعراب لشبكات المعلومات في الحزب والدولة.

لكن الصعود المثير للرجل انتهى إلى خاتمة غير متوقعة

ففي عام 20012 تم القبض على صلاح قوش بتهمة "التحريض على محاولة تخريبية" مع 12 شخصاً ليفسر المراقبون تهمة التحريض على التخريب بقيامه بمحاولة انقلابية.

صمت بعد السجن

بعد خروجه من السجن التزم الصمت وانصرف لنشاط تجاري خاص قبل أن يعود إلى الواجهة السياسية مواصلاً نشاطه البرلماني.

ما الذي حدث إذن ليعود الرجل مرة أخرى إلى سدة أخطر جهاز يرعى نشاط الدولة بطريقة مباشرة أو غير مباشرة؟

يقول الإسلامي البارز الذي فضل حجب اسمه، إن الظروف التي استدعت عودة الرجل تشبه تلك التي كانت سائدة عقب الانقلاب الأبيض الذي قاده تلاميذ الترابي، فهل تمهد عودة رجل المعلومات لتوطيد دعائم حكم الرئيس البشير الذي تعارض انتخابه لدورة رئاسية جديدة رموز إسلامية بارزة داخل مجلس الشورى، أم أن الرجل سوف يفتح احتمالات المستقبل للاعب جديد عام 2020، حيث تجري انتخابات جديدة لا يسمح فيها الدستور الانتقالي بإعادة انتخاب البشير؟