السودان الان

“قوش وكامل” تعبر زيارة رئيس المخابرات المصرية للخرطوم عن تحول في المشهد السوداني المصري.. هل تنجح “المخابرات” في معالجة الاختلالات السابقة وتضع شعب وادي النيل على بوابة المستقبل؟

مصدر الخبر / صحيفة اليوم التالي

الخرطوم – الزين عثمان
عندما يتعكر صفو العلاقة بين الخرطوم والقاهرة، فإن الإشارة تمضي في اتجاه تحميل المخابرات المصرية وزر المشكلات، إذ يعتقد كثيرون في تحليلهم لوقائع ما يجري بين السودان ومصر أن المشكلات بين البلدين تصنع في مكاتب الاستخبارات وليس في إطار مؤسسات صناعة السياسة الخارجية، باعتبارها المسؤولة عن إدارة الشأن الخارجي والعلاقات الثنائية بين الدول، بل إن كثيرا من السياسيين السودانيين مقتنعون بأن أزمة العلاقة مع مصر تكمن في سيطرة المخابرات المصرية على ملف العلاقات مع السودان، وذلك لارتباط بينها وبين الأمن القومي المصري خصوصا قضية مياه النيل التي تعد الأكثر تأثيراً في علاقة الخرطوم والقاهرة.
1
وكانت الدولتان في واقعهما الراهن تنطلقان من فرضية داوها بالتي كانت هي الداء، حيث خرجت وسائل الإعلام السودانية بتوصيف ما جرى نهار وليلة السبت حيث تنقل تفاصيل زيارة مدير المخابرات العامة المصرية ومدير مكتب الرئيس عبد الفتاح السيسي للخرطوم. اللواء عباس كامل كان برفقة عدد من منسوبي المخابرات المصرية، وذلك في إطار البحث عن دفع الجهود المبذولة لدفع علاقاتهم في ما يحقق مصلحة شعبي البلدين الزائر ابتدر لقاءاته برئيس الجمهورية المشير عمر البشير، وبالطبع فإن الزيارة تأتي تلبية لدعوة تقدم بها مدير جهاز الأمن والمخابرات السوداني الفريق صلاح عبد الله ووزير الدفاع الفريق أول ركن عبدالرحمن ابن عوف ووزير الخارجية إبراهيم غندور، فيما نقلت وسائل الإعلام تصريحات لمدير المخابرات المصري بضرورة اعتماد الشفافية والوضوح في مناقشة كل الموضوعات التي تتعلق بمناقشة التحديات التي تواجه الاستقرار السياسي في المنطقة وأهمية التنسيق وتبادل المعلومات، ولم يغادر مكانه دون المطالبة بضرورة استلهام تجربة القوات المشتركة بين السودان وتشاد كنموذج لنجاح في مجالات متعددة.
2
في وقت سابق، كان الجميع ينظر إلى القمم الرئاسية بأنها الخيار الذي سيضع الأمور في نصابها، وأنه في لحظة حدوثها فإن قضايا الاختلافات حول حلايب والرؤى المتعارضة في ما يتعلق بسد النهضة والقرارات الخاصة بحظر بعض السلع المصرية من الدخول إلى السودان، وذلك لعدم مطابقتها للمواصفات للاستخدام البشري متزامناً ذلك مع مواجهات على المستوى الإعلامي بين السودان ومصر، المفارقة أنه في قمة الأزمة الإعلامية كانت أصابع الاتهام تشير إل أن الإعلام المصري يتحرك وفقاً لما يطلبه جهاز الاستخبارات ويدللون على صدق الرؤية، فإنه بمجرد إصدار قرار رسمي بإيقاف المناوشات كانت الاستجابة الإعلامية لها مع القمم الرئاسية، فإن حالة من البشر استقبل بها الكثيرون مخرجات القمة الرئاسية بين البشير والسيسي أواخر يناير على هامش القمة الإفريقية بأديس والتي انتهت بإضافة مديري المخابرات إلى اللجنة الرباعية بين مصر والسودان باعتبار وجودهم من شأنه أن يساهم بشكل كبير في عمليات تهدئة الأوضاع وتنفيذ المتفق عليه انطلاقاً من السلطات المتوفرة لهما, وهي اللجنة التي ضمت في المقابل وزيري خارجية البلدين.
3
بالطبع يبدو سؤال الراهن إلى أي مدى يمكن أن تلعب المخابرات دوراً إيجابياً في عملية إنهاء الاحتقانات السودانية المصرية ولأي درجة بإمكان الفريق قوش واللواء كامل في معالجة الاختلالات السابقة في ملف التواصل؟ البعض يشير إلى نقاط إيجابية يمكن أن يفرزها هذا التحرك، فهو من شأنه أن يضع نهاية للاتهامات المتبادلة بينهما في ما يتعلق بدعم المعارضة بالتناوب، القاهرة تتهم الخرطوم باستضافة منسوبي حركة الإخوان المسلمين المصرية، وهو الأمر الذي تنفيه الأخيرة وأنه لا يوجد معارضون للنظام المصري بالخرطوم، ولأن الشيء بالشيء يذكر، تنقل صحيفة (اليوم التالي) خبراً بلسان السفير السوداني بالقاهرة عبد المحمود عبد المحمود، مفاده أن الخرطوم قامت بتسليم القاهرة قائمة بالعناصر المناوئة للسودان المقيمة في مصر، وقدم معلومات كاملة بما تقوم به هذه العناصر، وهو ما يقرأه البعض في اتجاهات ثانية حين يربطون بين التواصل السوداني المصري الأخير وقرارات اتخذها قمر النايل سات بإيقاف بث إذاعة دبنقا المعارضة على تردداته في وقت سابق، وهو ما يؤكد على أن التواصل في الجانب الاستخباراتي من شأنه أن يقدم معالجات في الأزمات الخاصة بالنشاط المعارض باعتباره احدى الوسائل التي تتم من خلالها معالجة الاختلاف في وجهات النظر بين البلدين، وفي البال أن القاهرة ظلت وعلى الدوام أحد مراكز المعارضة السودانية طوال الحقب السابقة، وهو ما يشير إلى سؤال جديد هل سيمضي هذا الأمر إلى نهاياته أم أنه سيتوقف في تسليم القائمة مع انتظار الرد عليها؟
4
قبل أيام قلائل كان السفير السوداني بالقاهرة ينهي فترة مغادرته لمكاتبه في القاهرة بعد أن تسلم طلب استدعاء من الحكومة بالخرطوم، وهو أمر يشير وفقاً للأعراف الدبلوماسية إلى أن ثمة حالة من عدم الرضاء تعتري العلاقات بين البلدين، لكن عقب عودته إلى هناك بدأت تحركات في سياق آخر حين طالب بعض المحامين بإصدار قرار قضائي يفضي الى طرد السفير السوداني من مصر، وهو الأمر الذي يقرأ في إطار المناوشات بين البلدين، ويرده الكثيرون الى رغبة مصرية في الرد على قرار الحكومة السودانية باستدعاء سفيرها في وقت سابق، وهو ايضاً ما يشير إلى أن العلاقات بين البلدين ستمضي في إطار الشد والجذب لوقت طويل، وهي حالة تعود بشكل كبير لحالة تباين في المصالح، باعتبار أن الهدف الرئيسي لأي علاقات في الإطار الدولي يستهدف تحقيق المصلحة والحفاظ على الأمن القومي للدولة، وهو ما تسعى إليه الدبلوماسية ومؤكد المخابرات السودانية، وربما يناقضه الإرث التاريخي وفقاً لتفكير المصريين الذين يرون أن السودان يجب أن يكون تابعاً فيما يجري بالمنطقة، وأنه من غير المقبول في العرف المصري اتخاذ السودان لخطوة تختلف عما تمضي فيه وإليه مصر، وهو ما يعتبره السودانيون أن هذا زمان قد مضى وعفا عليه الدهر، وأن الحاجة تتزايد لواقع جديد ومختلف.
5
أن يهبط مدير المخابرات العامة المصرية في الخرطوم وينخرط في لقاءات على أعلى المستوى بدأت برئيس الجمهورية، فإن ثمة واقعا جديدا بدا يتشكل وبالطبع ستتشكل وفقاً له خارطة جديدة لمسارات التواصل، وذلك في تاريخ يصفه البعض بالمفصلي في المنطقة وهو ما يؤكد على أن ثمة رغبة مشتركة في معالجة المشكلات بين دولتي وادي النيل، بالطبع عملية الكشف عن هذه المعالجات تبدو من الصعوبة بمكان الحصول عليها لارتباطه بأجهزة وظيفتها الرئيسة وهي الحصول على المعلومات من أجل الاحتفاظ بها وتوظيفها لاحقاً لتحقيق الأهداف والغايات. بالطبع فإن تحول مثل هذا النوع من اللقاءات بعيد عن السرية وإلى الهواء الطلق يعبر عن تغيير في مسارات الرياح بين البلدين، ومؤكد في مسارات الرياح على المنطقة برمتها ويفتح الباب أمام الأسئلة المتعلقة بالمستقبل المنتظر؟
بالنسبة للكثيرين يبدو الظهور العلني لمسؤولي المخابرات ومتابعتهم عبر وسائل الإعلام أمراً باعثاً على الأسئلة حين يتعلق بمن نشاطهم السرية، لكنه في المقابل يعبر عن ثمة رسائل في بريد آخرين، مفادها أن ثمة أشياء تتبدل يشير البعض إلى أنه من الممكن أن تقوم عملية يتم من خلالها التقليل بدرجة كبير من النشاط الداعم للمعارضة بين البلدين، وربما إنشاء قوات مشتركة على الحدود على طريقة ما يجري مع تشاد، لكن هذا الأمر يبرز سؤالا آخر حول كيفية إنشاء قوات في حدود مختلف حولها، وبالطبع تظل عملية الاحتلال المصري لأرض سودانية في حلايب على رأس هذه القضايا، وهو ما يجعل كثيرين يفكرون بأن الحراك المخابراتي من شأنه أن يقلل من المشكلات بين البلدين، لكنه بالطبع لا أحد يمكنه الجزم بأنه سيضع حلولاً نهايئة لكل ما يؤرق المضاجع الشعبية، وهو ما يشير بالضرورة لإيجاد صيغة متفق عليها تضع معالجات جذرية وفقاً لمنطق الحق والواجب، فقضايا مثل قضية تبادل دعم المعارضة هي أحد تفرعات الأزمة وليس الأزمة كلها.

يمكنك ايضا قراءة الخبر في المصدر من جريدة اليوم التالي

عن مصدر الخبر

صحيفة اليوم التالي