السودان الان

(الخطوط الحمراء) بينما الساسة منشغلون بالمماحكات السياسية والقضايا الصغيرة، ينظر خبراء ومختصون في جامعة الزعيم الأزهري إلى سيناريوهات التنافس الدولي والإقليمي على مياه البحر الأحمر، ويدق هؤلاء جرس الإنذار.. من ينتبه؟!

مصدر الخبر / صحيفة اليوم التالي

تقرير- أماني شريف
تثار في الآونة الاخيرة مسألة في غاية الأهمية، تتمثل في كيفية حماية الحدود المائية للسودان في البحر الأحمر، على خلفية السيناريوهات المرسومة لصراع إقليمي ودولي محتمل في هذه المنطقة، خصوصا وأن المطامع الاستعمارية ما تزال تفكر في التهام الموارد الكبيرة المتوفرة في المنطقة، إضافة لأن منطقة البحر الأحمر ظلت منذ سنوات طويلة في صدارة الاهتمامات الأمنية كونها حاضنة لمحددات يمكن استغلالها إقليميا ودوليا لتفجير المنطقة بالحروب والنزاعات.
الانتباه للمخاطر:
عدد كبير من النخب المتخصصة لا يغفلون عن هذه المسأـلة، وفي هذا الصدد تجمع خبراء ومختصون في المجالات السياسية والعسكرية والاستراتيجية للنظر في أهمية بناء علاقات متينة بين السودان ودول الجوار العربي والأفريقي تهدف إلى خلق تعاون استراتيجي مهم للحفاظ على أمن البحر الأحمر وخلق بنية مؤسسية تكرس لجعل البحر الأحمر منطقة سلام ومصدر تنمية ورفاهية للشعوب وذلك بالتنسيق التام والتعاون البحري المعلوماتي العسكري المشترك وتنمية العلاقات الاقتصادية بعيدا عن سياسات الهيمنة والانفراد بالموارد والثروات التي تنتهجها الدول الكبرى والالتفات إلى الاستراتيجية الإسرائيلية الهادفة للسيطرة الكاملة والنظر ايضا إلى مطامع القوى العالمية الكبرى ما يجعل السودان والدول العربية الصديقة تنعم بالأمن الداخلي والتعاون الإقليمي والدولي.
وناقش هؤلاء المسألة في ندوة بعنوان: (التنافس في البحر الأحمر وأثره على الأمن القومي السودان) استضافها معهد الدراسات السودانية والدولية بجامعة الزعيم الأزهري، وتناولت الندوة الوضع السياسي الحالي في المنطقة والرؤية الاستراتيجية للصراع في البحر الأحمر وانعكاساته على الأمن الوطني خاصة بعد أن اصبح البحر الأحمر بكل مميزاته الجيوسياسية ونقاط التحكم الاستراتجي فيه محورا مهما للصراع الدولي ومعبر النفط وشريانا للتدفق العسكري للقوى الدولية.
أطماع الكبار:
يشير الدكتور حاتم الصديق محمد أحمد الأستاذ بقسم التاريخ بكلية التربية بجامعة الزعيم الأزهري إلى أهمية البحر الأحمر لحركة الملاحة والتجارة البحرية العالمية والإقليمية إلى جانب الجزر المهمة حيث توجد بالسودان 36 جزيرة أهمها سواكن وللسعودية 144 جزيرة أهمها فرسان وتيران وصنافير ولأرتريا 126 جزيرة أهمها فاطمة وحالب ودهلك ولليمن 41 جزيرة أهمها بريم وقمران وذقر ولمصر 26 جزيرة أهمها شدوان ولجيبوتي 6 جزر أهمها سيبا وموليه، وقطع بأن الصراع في البحر الأحمر لن يتوقف طالما أن هناك قوة عالمية تتشكل وأخرى تختفي حيث ظهر الصراع العثماني البرتغالي في القرن السادس عشر الميلادي ثم النفوذ البريطاني في العام 1839 وظهرت فرنسا في الأحداث بقوة بعد سيطرة نابليون على مصر عام 1797 وقال إن البحر الأحمر عبارة عن بحيرة عربية كبيرة لم تستفد منها الدول العربية بسبب صراعاتها الداخلية وبسبب أطماع القوى العظمى مثل أمريكا وفرنسا وبريطانيا إلى جانب إسرائيل ومحاولاتها إضعاف النفوذ العربي. وأوصى بضرورة تطوير الدول المطلة على البحر الأحمر لموانئها وجزرها الساحلية مع تطوير قدراتها البحرية بغرض الدفاع عن ممتلكاتها البحرية في عالم لا يحترم إلا القوي داعيا إلى تعاون الدول العربية للاستفادة من خيرات البحر الأحمر بغرض خدمة ورفاهية سكان المنطقة .
التأثيرات الأمنية:
وأكد اللواء بحري الدكتور عادل عبد الله عبد الرحمن الأستاذ بجامعة كرري والخبير في مجال أعمال القرصنة بالبحر الأحمر على أهمية أمن البحر الأحمر للسودان الذي يمتد طول ساحله إلى 425 م. ب ويضم سواحل خصبة في جزيرة سنجنيب وأم القروش وشعب رومي وغيرها ويعد المنفذ البحري الوحيد للسودان وحوالي أربع دول قارية مجاورة وحبيسة، مبينا أن الساحل السوداني يقع في أعرض منطقة ويضم موارد وثروات حية وغير حية وبه كنوز في المياه الاقتصادية مع السعودية راصدا جهودا كثيرة قام بها السودان مع الدول المشاطئة عدا إسرائيل لتأمين الممر المائي ولاستغلال موارده، مبينا أن البيئة الإقليمية للسودان أثرت على أمنه الوطني والبحري حيث تأثر بتداعيات حرب الخليج التي أدت إلى تزايد الوجود الأجنبي بالبحر الأحمر إلى جانب احتضان إسرائيل لإثيوبيا وأرتريا وتمركزها في أرخبيل جزر دهلك والصراع اليمني والتغلغل الإيراني الشيعي والتمزق والوهن العربي بعد ما عرف بثورات الربيع العربي وانهيار الدولة الصومالية وانتشار القرصنة وما تبعها من تهافت أجنبي والصراعات في القرن الأفريقي ودول حوض النيل.
ورأى اللواء بحري الدكتور عادل عبد الله عبد الرحمن أن من أبرز التهديدات البحرية المؤثرة على الأمن الوطني السوداني الوجود الأجنبي الذي ينفذ مخططات تضر بالسودان إلى جانب التهديد الإسرائيلي حيث تشرف إسرائيل على قاعدتي (رواجيات ومكهلاوي) الأرتيريتين على الحدود، لافتا إلى تعرض السودان لأربعة خروقات في المنطقة الساحلية والعمق، ومشيرا إلى أحداث لا توجد لها تفاسير واضحة مثل حادثة عربة السوناتا والبرادو والقافلة شمال بورتسودان ومصنعي الشفاء واليرموك، هذا إلى جانب تهديدات عسكرية مرتبطة بطبيعة العلاقات السياسية مع دول الجوار كالمشكلات الحدودية أو وجود صراع قائم أو محتمل خاصة في مثلث حلايب الذي تُسيطر عليه مصر مع وجود نوع آخر من التهديدات الأمنية الحدودية المرتبطة بمشاكل المياه الإقليمية التي يتم التعامل معها في إطار العمل الروتيني اليومي كتهريب الأسلحة والمخدرات والبشر والموارد والجرائم العابرة إلى جانب العمليات الإرهابية الفردية والدولية التي تستخدم العنف.
محنة أم منحة؟:
ودعا البروفيسور صلاح الدين عبد الرحمن الدومة أستاذ العلوم السياسية والدولية بالجامعات السودانية والضابط الأسبق بالبحرية إلى استغلال تنافس القوى العظمى في المنطقة من أجل مصلحة المنطقة مشيرا إلى إمكانية تحويل الأهمية الاستراتيجية للمنطقة من محنة إلى منحة بالتنسيق والتعاون المشترك مشيرا إلى أن المنطقة المتصلة بالبحر الأبيض المتوسط عبر قناة السويس من باب المندب لا تقل أهمية اقتصاديا عن مضيق هرمز الذي يعد شريان العبور بين بحر العرب ودول الخليج العربية وإيران والعراق ودول القرن الأفريقي المطلة على البحر الأحمر ابتداء من الصومال وصولا إلى مصر ومرورا بجيبوتي والسودان، ونادى بضرورة النهوض بالدول اقتصاديا، مشيرا إلى أن فقرها وضعف قدراتها العسكرية جعل شواطئها مقصدا للمهربين ومياهها مرتعا للقراصنة وجعلتها الدول الكبرى مناطق لإثبات الوجود وبسط النفوذ بدعوى الحفاظ على أمنها ورعاية مصالحها مشيرا إلى أن إسرائيل اتخذتها مجالا حيويا مميزا وتغلغلت داخلها على الصعيد السياسي والاقتصادي والأمني، وقال إن تركيا صارت تمثل الآن محورا قويا وصار لها وجود كبير في أفريقيا لكنها في تقاطعات مع دول الخليج ودول عربية أخرى بسبب موقفها من الربيع العربي رغم أن تركيا ليست لها نوايا سلبية في تدخلات في الخليج العربي مع وجود علاقة متوترة بينها وبين مصر ومعاداتها للنظام المصري الحالي الذي يرى أنها تقوم بدعم سد النهضة الإثيوبي وقد قامت أنقرة بافتتاح أكبر قاعدة عسكرية لها خارج الحدود في مقديشو الصومالية .
وقد أوصت الندوة التي جاءت بحضور مدير جامعة الأزهري البروفيسور سهام محمد أحمد بضرورة المحافظة على سلامة المجتمع المحلي للساحل السوداني وتحصينه من أشكال التخريب والجريمة، والتلاحم المجتمعي والانصهار الوطني وجذب الاستثمارات ورفع القدرات البشرية وتفعيل الشراكات الاقتصادية مع دول الجوار البحري السعودية ومصر وأرتيريا وفتح الموانئ للدول الحبيسة.

يمكنك ايضا قراءة الخبر في المصدر من جريدة اليوم التالي

عن مصدر الخبر

صحيفة اليوم التالي