السودان الان

“كذبة أبريل” في مطلع هذا الشهر يتبادل العالم كذباته في زمن يسوده النفاق السياسي العام، بينما يظل السؤال؛ هل ما يجري عندنا على المستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي حقائق أم ألاعيب؟

مصدر الخبر / صحيفة اليوم التالي

الخرطوم – الزين عثمان
في أول أيام أبريل تخرج الصحف الخرطومية بخبر مفاده إعلان وزارة الصحة الاتحادية مجانية العلاج في ما يتعلق بأمراض القلب، وتنسب الصحافة خبرها ساعتها لوزير الصحة الاتحادي بحر إدريس أبو قردة الذي كان يتحدث في مؤتمر صحفي بخصوص تخفيف الأعباء عن كاهل المرضى من الفقراء.
بالنسبة للكثيرين ممن يترددون على المشافي طلباً للعلاج، فإن الحديث عن مجانية وعن دعم حكومي لا يعدو سوى كونه (كذبة أبريل). يقول أحد المغردين على صفحته في الفيسبوك عند مطلع أبريل (الحقيقة الوحيدة هنا هي أننا كاذبون).
1
بالنسبة للكثير من أهل العالم الذي صار مجرد غرفة واحدة تحولت لتكون محض تلفون ذكي، فإن الأول من أبريل هو الميقات المعلوم لتبادل الكذبات والتي تحتل موقعها البارز في الصفحات الأولى للصحف أو يرددها بمنتهى الصدق مذيعو قنوات التلفاز قبل أن يعودوا في الثاني من أبريل للاعتذار عنها، وبالطبع فإن تكرارها في نفس التاريخ جعل من أخبار مطلع أبريل تحتاج لإعادة النظر فيها. المفارقة أن كذبة أبريل التي وصلت حتى مصر لم تعبر في اتجاه الجنوب ولا يتم التعاطي بها إلا في حدود ضيئلة في وسائط التواصل الاجتماعي، التي ينشط فيها سودانيون، ودائماً ما تأتي في سياق الإعلان عن تغيير الحالة الاجتماعية (خطوبة وزواج) أو تأتي في سياق حالة السخرية من الحكومة بإعلان تقديم أحد أفرادها لاستقالته أو إعلان عن تخفيض سعر سلعة ما في الأسواق، دع عنك أبريل بكذباته، ورد على سؤال كيف تبدو الحقائق في سودان اليوم؟
2
ذات الصحف التي كانت تبشر المواطنين بمجانية العلاج، كانت تقف في نقطة أخرى وهي تكشف الصورة عما يجري في حقل التعليم، أبريل الذي انتهت امتحانات الشهادة السودانية قبل أن يصل هو بحسب الجدول المعلن مسبقاً، لكن ما انتهى في مارس يبدأ من أبريل والصحف تحمل خبراً مفاده تحديد السابع عشر منه موعداً لإعادة امتحان الكيمياء، الذي اعترفت الوزارة بأن أيادي آثمة قامت بتسريبه، وأن الجالسين في غرف الامتحانات كانوا قد حصلوا مسبقاً على أوراق الامتحان في غرف الدردشة والوسائط الإلكترونية، وهو ما اضطر الوزارة في نهاية المطاف لكتابة بيان تعلن من خلاله إعادة امتحان الكيمياء بتكلفة حددها البعض بما يعادل (100) مليون جنيه سوداني، فيما أعلنت الحكومة عن تكوين لجنة للتحقيق لتحديد المسؤول عن تسريب الامتحان وخرق الأمن القومي السوداني. فيما قالت وزيرة التربية في أول تعليق لها على ما حدث في امتحانات الشهادة أنها تنفي حديثها لأي وسيلة إعلامية مبدية استياءها من استغلال ما حدث لتشويه صورة الوزارة وخلق فتنة على أسس جهوية.
3
كانت الحقيقة الثانية في مطلع أبريل السوداني هي امتداد حجم الأزمة المتعلقة بالمواد البترولية، فقد امتدت الصفوف أمام طلمبات الوقود وأصحاب السيارات يبذلون قصارى جهدهم من أجل الحصول على حصة من الوقود، وربما في المرات النادرة أن تشمل أزمة الوقود (البنزين والجازولين) في وقت أعلنت فيه السلطات عن وصول شحنات من الوقود إلى ميناء بورتسودان، وحاولت وزارة النفط التقليل من المخاوف بتصريحات تتعلق بتوفر الاحتياطي في البلاد، ولم تنسَ التلويح بسيف العقوبات ضد من أسمتهم المتلاعبين بالسلعة من الوكلاء، وبالطبع ولدت حالة الندرة في السلعة بروز ظاهرة الأسواق السوداء متزامنة مع ظاهرة الصفوف، وهو ما اعتبره البعض مقدمة لما يمكن أن يأتي ولا شيء يمكن انتظاره غير زيادة في أسعار المحروقات أسوة بما حدث في مدينة ود مدني قبل فترة، وهي الزيادة التي لم تسهم في معالجة الأزمة التي لم تراوح مكانها في الجزيرة وفي مدن أخرى بالبلاد، واعتبرها الكثيرون مهددا حقيقيا قد يقود لفشل المشاريع الزراعية في العروة الصيفية.
4
بدأت الحقيقة الرابعة تظهر على السطح من خلال نقل الصحف لما أسمته باحتجاج الخرطوم الذي قدمته لمجلس الأمن الدولي بخصوص إقامة الحكومة المصرية انتخابات في منطقة حلايب، والتي انتهت بعودة الرئيس السيسي لقصر الاتحادية. وبحسب مصادر فإن السلطات السودانية أعلنت احتجاجها العنيف على الخطوة التي تأتي في سياق المحاولات المصرية المتكررة لفرض سياسة الأمر الواقع بالعمل بجد من أجل إكمال مشروع تمصير المنطقة الواقعة داخل الحدود السودانية، وهو ما دفع الحكومة لإعلان استراتيجيات جديدة في المنطقة تقوم على أساس إنجاز مشاريع تنموية في المنطقة المتاخمة للمثلث، لضمان وجود المواطنين هناك والوقوف أمام الاستراتيجيات المصرية. الاحتجاجات الأخيرة بدت وكأنها إكمال لمشروع شكاوى يجددها السوداني سنوياً ضد التغول المصري على أراضيه.
الملف الذي تجاوزت قمة الرئيسين البشير والسيسي مناقشته في الشهر الفائت، تبدو حقيقته الماثلة أن مصر تحاول شراء الوقت فقط من أجل إكمال مشروع سيطرتها على المنطقة، بحسب إفادة سكان المنطقة السودانيين، وهم يرددون الحقيقة أن حلايب تمضي حثيثاً من أجل مغادرة الخارطة السودانية ما لم تتبنَ الحكومة السودانية نهجاً آخر.
5
بالطبع في يوم الكذبات الكبرى يبدو السؤال ما هي حقيقة الأوضاع السائدة في سودان اليوم، ومعه سؤال آخر إلى أين تمضي سفينة السودانيين في المستقبل؟ لا يبدو أن ثمة تغيير قد طال الخارطة السياسية بمعادلات المواجهة بين السلطة والمعارضة، بالطبع فإن قراراً قريباً صدر بإطلاق سراح بعض الموقوفين من قوى المعارضة وعلى رأسهم رئيس حزب المؤتمر السوداني عمر الدقير، ورئيس حزب الوسط الإسلامي يوسف الكودة، قرار ينظر إليه البعض بأنه يمكن أن يبنى عليه في سبيل العبور إلى حيث محطة التوافق الوطني بين السودانيين، وهو أمر تستبعده المعارضة تحت مبررات وجود عدد من المعتقلين لدى السلطات، ولا تدرك المعارضة الأمر دون أن تعلن حقيقة مفادها عدم التزام السلطة باتفاقياتها مع الآخرين، وأنها اعتادت على نقض المواثيق والعهود.
6
بالنسبة للكثيرين، فإن الحقيقة واضحة للعيان في سودان اليوم تبدو في أن المخاطر تحيط بالبلاد من جوانبها كافة، وأن الأزمات تتناسل وتتزايد بمتواليات هندسية، ففي غياب الاستقرار السياسي وعدم حسم النزاعات المسلحة يضاف لذلك الأزمات الاقتصادية وارتفاع أسعار السلع الرئيسة في الأسواق مع المشكلات المتعلقة بكيفية إدارة قضايا البلاد، مثل ما حدث في الشهادة السودانية وعمليات الاحتيال المتعلقة ببعض الأنشطة الاستثمارية من بعض الشركات، فإن حجم المخاطر يزداد وتزداد معه بالضرورة الرغبة في خلق حلول مختلفة لقضايا البلاد، وهو ما يربطه البعض بالحراك الرسمي في اتجاه السعي من أجل مكافحة الفساد عبر آليات جديدة وصعود مصطلحات مثل مصطلح محاربة القطط السمان، ومواجهة من يقومون باستغلال نفوذهم وسلطاتهم لتحقيق مرامٍ ومصالح شخصية على حساب المصلحة العامة للبلاد.
كل ذلك مقروناً بعودة أزمة الندرة في السلع والصفوف، والمفارقة هي أن الصفوف هي إحدى الأزمات التي جاءت الإنقاذ لمحاربتها في خطابها يوم الثلاثين من يونيو في العام 1989م.

يمكنك ايضا قراءة الخبر في المصدر من جريدة اليوم التالي

عن مصدر الخبر

صحيفة اليوم التالي