السودان الان

“مثلث حلايب” ظلت قضية مثلث (حلايب وشلاتين وأبو رماد)، المتنازع عليها بين الخرطوم والقاهرة، أزمة مكتومة بين السودان ومصر.. وزير الخارجية يكشف الحقائق المجردة

مصدر الخبر / صحيفة اليوم التالي

الخرطوم – بهرام عبد المنعم
ما تزال قضية مثلث )حلايب وشلاتين وأبو رماد(، المتنازع عليها بين الخرطوم والقاهرة، تمثل أزمة بين السودان ومصر، فقد كشف وزير الخارجية، إبراهيم غندور، لنواب البرلمان، عن شكوى تم تقديمها إلى مجلس الأمن الدولي، بشأن إجراء الانتخابات الرئاسية المصرية الشهر الماضي.
وفي مارس الماضي، خصصت الهيئة الوطنية للانتخابات المصرية، لأول مرة، لجنة عامة بمدينة حلايب بعد أن كانت في الانتخابات السابقة تتبع للجنة شلاتين.
** شكاوى دولية
وزير الخارجية أشار خلال رده على سؤال من النائب عيسى مصطفى، أمس الأربعاء، حول المثلث المذكور، ووضعه وموقف الدولة الرسمي بشأنه، إلى تقدم السودان بثلاث شكاوى منفصلة إلى مجلس الأمن الدولي في الآونة الأخيرة، أولها احتجاجا على ترسيم الحدود البحرية بين مصر والمملكة العربية السعودية، عقب ضم جزيرتي تيران وصنافر لحدود المملكة (أبريل 2016).
وعقب توقيع اتفاقية جزيرتي “تيران وصنافير” بالبحر الأحمر، في أبريل 2016، التي بموجبها تنازلت القاهرة عن سيادتها للسعودية، طالب السودان بأحقيته في مثلث حلايب وأبو رماد وشلاتين الحدودي، غير أن القاهرة رفضت بشدة، مشددة على مصرية المثلث الحدودي.
واستعادت القاهرة سيادتها على مدينة طابا من إسرائيل بقرار هيئة المحكمة الدولية في نهاية سبتمبر 1988، ورفع العلم المصري عليها في 19 مارس 1989، بعد سنوات من النزاع مع تل أبيب عقب هزيمة الأخيرة في حرب 1973 مع مصر.
وتقع منطقة حلايب على الطرف الأفريقي للبحر الأحمر وتوجد بها ثلاث بلدات كبرى هي (حلايب وأبو رماد وشلاتين)، وهي محل نزاع حدودي بين مصر والسودان.
**سرد الوقائع
وسردًا للوقائع بتواريخها، أوضح غندور، أن الشكوى الثانية تتعلق بإنشاء مصر ميناءين للصيد في شلاتين وأبو رماد، ضمن مثلث حلايب، في فبراير الماضي، لافتًا إلى أن الشكوى الثالثة جاءت ردًا على إجراء الانتخابات الرئاسية المصرية في مثلث “حلايب وشلاتين وأبو رماد”.
وأضاف، أن “قضية حلايب في قمة أولويات السياسية الخارجية السودانية، وكنا حريصين على ضبط النفس، وعدم التصعيد حفاظًا على أزلية العلاقات بين البلدين”.
وتابع: “طرحنا المسألة (قضية حلايب) على الآليات الرسمية في كافة المستويات بكل صراحة وشفافية، وفي المقابل استمر الجانب المصري بالقيام بإجراءات تصعيدية غير مبررة لا تصب في مصلحة تلك العلاقات، في الفترة من ديسمبر 2017 وحتى مارس 2018”.
ومن الإجراءات المصرية، حسب غندور: “توقيع برتوكولين لإنشاء ميناءين للصيد في شلاتين وأبو رماد، وتكريس وضع الاحتلال (حسب وصفه) القائم بإقامة خطط ومشروعات (لم يذكرها) تهدف لطمس الهوية السودانية، وتغيير أسماء المعالم والمرافق العامة”.
**سياسة الأمر الواقع
وذكر الوزير، أن من الإجراءات التي اتخذتها القاهرة أيضًا: “فرض سياسة الأمر الواقع وإجراء الانتخابات الرئاسية، والشروع في إنشاء محطات تحلية مياه البحر الأحمر بحلايب وأبو رماد، ودعوة شركات أجنبية للاستثمار في الثروات المعدنية والبحرية في المنطقة، وممارسة الصيد الجائر للثروة السمكية”.
وبين الحين والآخر، تشهد العلاقات بين السودان ومصر توترًا، ومشاحنات عبر وسائل الإعلام، على خلفية عدة قضايا خلافية، من أهمها النزاع حول المثلث الحدودي “حلايب وشلاتين وأبو رماد”.
** الحق الكامل
وأشار غندور إلى إقدام الجانب المصري، على قتل أحد التجار السودانيين رميًا بالرصاص قرب شلاتين في أكتوبر 2017، بزعم تورطه في أعمال تهريب عبر الحدود، وكذلك مطاردة المواطنين السودانيين والقبض على عدد منهم داخل مثلث حلايب، وتقديمهم إلى محاكمات بدعوى مخالفتهم قوانين الهجرة، وربط إطلاق سراحهم باستخراج وثائق سفر اضطرارية لهم.
وقال الوزير، إن سلطات بلاده رفضت بشدة استخراج وثائق سفر للمواطنين الذين احتجزهم الجيش المصري داخل حلايب، حتى لا تمنح بذلك ذريعة لمصر للادعاء بإقرار الخرطوم بأن الأرض التي تم فيها إلقاء القبض على هؤلاء المواطنين، مصرية.
ولفت إلى أنه تم إطلاق سراح السودانيين المعتقلين عبر التفاوض مع الجانب المصري، في وقت لاحق، وأكد على تمسك السودان بـ”حقه الكامل غير القابل للتفاوض في السيادة الكاملة على مثلث حلايب”.
ودعا الجانب المصري إلى تبني أحد الخيارين اللذين يطرحهما الجانب السوداني لحل هذه الأزمة وهما التفاوض أو التحكيم الدولي، مشددًا على أن “عدم حل قضية حلايب وإرجاعها إلى حضن السودان سيظل عقبة في طريق انطلاق علاقة الخرطوم بالقاهرة إلى الآفاق التي نرجوها ونتطلع إليها”.
وأوضح غندور أن وزارته تتابع الشكوى التي قدمتها لمجلس الأمن بشأن حلايب، فضلا عن المتابعة اللصيقة لتطورات الأوضاع على الأرض وتقديم تقرير بشأنها للأمم المتحدة والجهات الدولية.
ورغم نزاع الجارتين على هذا المثلث الحدودي منذ استقلال السودان عام 1956، لكنه كان مفتوحًا أمام حركة التجارة والأفراد من البلدين دون قيود حتى عام 1995، حين دخله الجيش المصري وأحكم سيطرته عليه.
**الجذور التاريخية
وتقع منطقة حلايب وشلاتين على الحدود الرسمية بين مصر والسودان، وتبلغ مساحتها 20 ألف كيلومتر مربع على ساحل البحر الأحمر، وحلايب تقطنها قبائل تمتد بجذورها التاريخية بين الجانبين كما تتنقل هذه القبائل بسهولة عبر الحدود، لأن وجودها كان سابقًا على رسم الحدود، وبها نقطة وطريق يربط بينها وبين السويس عبر بئر شلاتين وأبو رماد وتتصل حلايب ببورسودان بطريق بري غير مسفلت وتبلغ المسافة من السويس – حلايب – بورتسودان حوالي 10485 كم تقريبًا.
وتعد مدينة حلايب البوابة الجنوبية لمصر على ساحل البحر الأحمر وتظل الوظيفة الرائدة لها تقديم الخدمات الجمركية للعابرين إلى الحدود السودانية بالإضافة إلى الأنشطة التجارية المصاحبة لذلك.
**الأهمية الاستراتيجية
وتتمتع منطقة حلايب بأهمية استراتيجية لدى الجانبين المصري والسوداني، حيث تعتبرها مصر عمقًا استراتيجيًا مهمًا لها كونها تجعل حدودها الجنوبية على ساحل البحر الأحمر مكشوفة ومعرضة للخطر وهو الأمر الذي يهدد أمنها القومي، كما ينظر السودان إلى المنطقة باعتبارها عاملًا مهمًا في الحفاظ على وحدة السودان واستقراره السياسي لما تشكله المنطقة من امتداد سياسي وجغرافي على ساحل البحر الأحمر، بالإضافة إلى أهميتها التجارية والاقتصادية لكلا البلدين.
وأشارت الدراسات إلى أن خامات المنجنيز تتوافر بمنطقة حلايب باحتياطات هائلة مرتفعة الجودة، وأثبتت صلاحية الخام لإنتاج كيماويات الماغنسيوم غير العضوية مثل كبريتات وكلوريد الماغنسيوم وهي ضرورية جدًا لصناعة المنسوجات، كما تجرى حاليًا دراسات للاستفادة من هذا الخام لإنتاج حراريات الماغنسيوم بديلاً عن الإستيراد، وكذا إنتاج الماغنسيوم الذي يستخدم بشكل كبير في صناعة الأسمدة.
كما يأتي موضوع اكتشاف البترول ومعادن ثمينة أخرى في حلايب كمحرك لتصعيد النزاع بين الدولتين على هذه المنطقة.
**الخط الفاصل
يعد الوجود البريطاني المتزامن في مصر والسودان هو الذي أدى إلى تعيين الخط الحدودي الفاصل بين البلدين، وكان ذلك عملاً من نتاج الفكر الاستعماري البريطاني الذي كان يترقب لحظة تفكيك أملاك الدولة العثمانية، حيث وقعت إتفاقية السودان بين مصر وبريطانيا في 19 يناير 18999، التي وقعها عن مصر بطرس غالي وزير خارجيتها في ذلك الحين، وعن بريطانيا اللورد “كرومر” المعتمد البريطاني لدى مصر.
ونصت المادة الأولى من الاتفاقية على أن الحد الفاصل بين مصر والسودان هو خط عرض 22 درجة شمالًا، وما لبث أن أدخل على هذا الخط بعض التعديلات الإدارية بقرار من ناظر الداخلية المصري بدعوى كان مضمونها منح التسهيلات الإدارية لتحركات أفراد قبائل البشارية السودانية والعبابدة المصرية على جانب الخط، وقد أفرزت التعديلات ما يسمى بمشكلة حلايب وشلاتين.
** المراجع التاريخية
تشير المراجع التاريخية إلى أن المرة الأولى التي أثير فيها النزاع الحدودي بين مصر والسودان حول حلايب كان في يناير عام 1985، عندما أرسلت الحكومة المصرية مذكرة إلى الحكومة السودانية اعترضت فيها على قانون الانتخابات الجديد الذي أصدره السودان في 27 فبراير 1985.
وأشارت المذكرة إلى أن القانون خالف اتفاقية 1899 بشأن الحدود المشتركة إذ أدخل المنطقة الواقعة شمال مدينة وادي حلفا والمنطقة المحيطة بحلايب وشلاتين على سواحل البحر الأحمر ضمن الدوائر الانتخابية السودانية، وطالبت مصر حينها بحقها في هذه المناطق التي يقوم السودان بإدارتها شمال خط عرض 22 درجة، وكانت هذه هي المرة الأولى التي أعلن فيها نزاع على الحدود بين البلدين.

يمكنك ايضا قراءة الخبر في المصدر من جريدة اليوم التالي

عن مصدر الخبر

صحيفة اليوم التالي