السودان الان

“غلاء العيش” وصل سعر أردب الذرة في الجزيرة لـ”2000″ جنيه وهو ما يعادل ثلاثة أضعاف سعره في العام الماضي، للأمر وجهان، بشرى للمنتجين الترابلة وفجوة غذائية لمحدودي الدخل

مصدر الخبر / صحيفة اليوم التالي

الخرطوم – محمد عبد الباقي
تأخر الإعلان عن تقرير مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية بالسودان (أوتشا)، الذي أشار إلى الارتفاع المُطِّرد في أسعار المواد الغذائية الأساسية من (20 إلى 30 %) بين شهري يناير وفبراير في معظم الأسواق بالسودان، وبدأت القفزة المباغتة في الأسعار في شهر سبتمبر من العام الماضي مع إرهاصات الإعلان عن ميزانية العام 2018م التي تمت فيها مضاعفة الضرائب والجمارك والجبايات الأخرى بصورة غير مسبوقة، مما دفع المصانع المحلية والموردون والتجار نحو تخزين المواد والسلع المختلفة، تحسباً للزيادة التي طرأت على الضرائب بمسمياتها.
تقرير مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية المعروف اختصاراً بـ(أوتشا)، أكد على أن الزيادة الكبيرة في الأسعار جاءت عكس المتوقع، لأن موسم الحصاد للعام 2017م كان فوق المتوسط، لكن رفع الدعم عن القمح في ميزانية 2018م وانخفاض قيمة الجنيه مقابل العملات الأخرى بما فيها الدولار، جعل أسعار الذرة الرفيعة والدخن على وجه الخصوص تقفز بنسبة تراوحت بين (20-30 %)، وقال التقرير إن الزيادة المشار لها جعلت أسعار الذرة والدخن والقمح ترتفع عن مستوى أسعارها للعام الماضي بمقدار ثلاث مرات، وتزيد عن المتوسط للأربعة أعوام الأخيرة.
ووفقاً لـ(عبدالله مصطفى)، مزارع بمدينة تندلتي بولاية النيل الأبيض، إن سعر أردب الذرة خلال العام 2017، ظل يتراوح بين (450-550) جنيهاً، ولكن بحلول شهر سبتمبر من العام نفسه ارتفعت الأسعار على غير العادة، وبلغ سعر الأردب بين (700-750) جنيهاً، رغم أن الدلائل كانت تشير إلى تراجعه لأدنى مستوى، لأن الفترة بين (سبتمبر – فبراير) هي فترة حصاد الذرة في المشاريع المطرية.
المثير أن أسعار الذرة بكل أنواعها، لم تستقر بتاتاً هذا العام، إذ ظلت في اضطراد مستمر كل يوم حتى في مناطق اشتهرت في السابق بأنها مناطق إنتاج كالجزيرة وسنار والنيل الأبيض وشمال كردفان، ففي الجزيرة وصل سعر الأردب لـ(2000) جنيه خلال الأسبوع المنصرم بسوق ود راوة، وفقاً لجمال مصطفى أحد مواطني ود راوة، أما في سنار فقد تخطى الأردب (1300) جنيه، وفي النيل الأبيض وصل سعر الأردب يوم السبت الماضي بسوق تندلتي لمبلغ (1500) جنيه، و(1600) جنيه للأردب بسوق أم روابة لذات اليوم، ومثلت الأسعار غير المسبوقة لأردب الذرة صدمة عنيفة لمواطني الولايات المذكورة، حيث أشار بعضهم لـ(اليوم التالي) إلى أن مثل هذا الغلاء لم يسبق حدوثه خلال (25) سنة ماضية على الأقل، وتوقعوا حدوث فجوة غذائية خاصة وسط أصحاب الدخل المحدود والموظفين والفقراء (وهم بنسبة أكثر من نصف السكان)، إذا لم تتدخل الدولة وتضع معالجات وحلولا يتم بموجبها تراجع أسعار الذرة لتصير في متناول أيدي الجميع، واعتبر عدد من الذين تحدثوا لـ(اليوم التالي) أن الأشهر القليلة المقبلة حافلة بمصاعب معيشية قاسية، نظراً إلى أن الدخل الشهري للمواطنين سواء كانوا يعملون في وظائف ثابتة أو يمتهنون أعمالاً حرة لا يتعدى (1500) جنيه في الشهر (3). لم تختلف توقعات المواطنين الذين تحدثوا لـ(اليوم التالي) كثيراً عن توقعات مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، فالحصيلة هي أن الأيام القليلة المقبلة يُرجح أن تواجه فيها الأسر الفقيرة في أجزاء واسعة من السودان بما يطلق عليه عدم استتباب الأمن الغذائي، وألمح التقرير إلى أن تستمر حالة عدم استقرار الأمن الغذائي بمناطق متفرقة بالسودان حتى سبتمبر المقبل. توقعات المواطنين بحدوث مزيد من الغلاء يقابلها تجار الذرة بآراء مختلفة، بعضهم يشير إلى أن الأسعار ممكن أن تتراجع لو تدخلت الدولة وسمحت ببيع جزء من المخزون الاستراتيجي والذرة التي يضع ديوان الزكاة يده عليها، وتقدر بآلاف الجوالات بكل من القضارف وسنار، أما آخرون فاعتبروا أن الحل هو في وقف تهريب الذرة لدول الجوار وتصديره لعدد من الدول العربية، وهنالك فئة ثالثة من تجار الذرة يرون أن الموضوع برمته من صنع التجار أنفسهم، لأن كثيرين منهم يعملون على شراء الكمية المعروضة في الأسواق وتخزينها لأجل خلق نُدرة يقومون على إثرها بمضاعفة الأسعار، وهو نوع من المضاربة ظهر مؤخراً في أسواق الذرة التي كانت بمنأى عن مثل هذه الأساليب طيلت السنوات الماضية.
أخيراً: ما بين هذا وذاك تبقى حقيقة، هي أن الذرة التي ظلت في متناول أيدي الجميع لسنوات طويلة كغذاء رئيسي للفقراء، لم تعُد كما كانت، وأنها دخلت في زمرة السلع التي يمثل الحصول عليها قلقاً ليس محتملاً لمحدودي الدخل في السودان.

يمكنك ايضا قراءة الخبر في المصدر من جريدة اليوم التالي

عن مصدر الخبر

صحيفة اليوم التالي