السودان الان

غندور يغادر.. مغادرة وزير الخارجية منصبه مقالاً بدت وكأنها المشهد الأخير في سيناريو متعدد الحلقات. لكنه لم يضع إجابة للسؤال المتعلق بـ: لماذا أقالوه؟ وما هو مصير مرتبات الدبلوماسيين ومستقبل العمل الخارجي؟

مصدر الخبر / صحيفة اليوم التالي

الخرطوم: الزين عثمان:
في الوقت الذي لم يكن فيه السودانيون قد انتهوا من مسلسل سخريتهم حول كيفية توفير ميزانية تسيير سفارات البلاد بالخارج والبحث عن آلية يتم من خلالها توفير الدعم المالي لسفراء لم يتلقوا رواتبهم منذ حوالي سبعة أشهر وذلك تعليقاً على تصريحات وزير الخارجية في البرلمان وجد الجميع أنفسهم أمام حلقة جديدة بدأ السيناريو الخاص بها بكلمة (عاجل) والتي اكتملت تفاصيلها بخبر إقالة رئيس الجمهورية لوزير الخارجية، إبراهيم غندور خارج كابينة الوزارة كان هو الحدث الأبرز في مساء الخميس وهو الحدث الذي جعل السؤال حاضراً (غندور نحروه أم انتحر؟) وبالطبع السؤال الآخر ما الذي جعل استنجاد وزير الخارجية برئيس الجمهورية لمعالجة مرتبات الدبلوماسيين الغائبة سبعة أشهر ودفع إيجار السفارات ينتهي بتوقيع قرار إعفائه من منصبه؟
1
وكالذي يستدعي الريح كي تهز الكرسي من تحت أقدامه انطلق غندور في توجيه انتقاداته لما يحدث في وزارته والشكوى من الواقع الذي يعمل فيه منسوبوه من سفراء وممثلين فعدم وصول المرتبات لسبعة أشهر دفع ببعضهم للتلويح بمغادرة أماكنهم والعودة للخرطوم الحديث عن عدم التزام الحكومة بدفع مرتبات السفراء وانتقادها في الهواء الطلق جعل البعض يقول إن كبير الدبلوماسيين جافته الدبلوماسية في تلك الساعة وبدا وكأنه ينشر غسيلها على الملأ وهو ما يعتبر تهديداً للأمن القومي السوداني فيما مضى البعض للقول بأن من يعلن إفلاس حكومته مالياً ومؤسسياً لا ينبغي له الاستمرار فيها وعليه المغادرة وهو ما بدا مبرراً منطقياً للقرار الجمهوري الذي أطاح الوزير من منصبه.
2
مغادرة غندور منصبه بقرار جمهوري بدت وكأنها المشهد الأخير في سيناريو متعدد الاتجاهات فقبل فترة كان الوزير قد تقدم باستقالته من المنصب بمبررات عدم وضوح الرؤية في إدارة الوزارة والتداخلات من آخرين في اختصاصاته الأمر ارتبط ساعتها بإيلاء عدد من الملفات لشخوص آخرين للقيام بها وهو ما اعتبره وزير الخارجية تقليلاً من قيمته بالطبع هنا يشير الكثيرون إلى ما عرف بالدبلوماسية الرئاسية وهو الأمر الذي أشار إلى أن ثمة شرخا بدا ماثلاً في العلاقة بين الخارجية ورئاسة الجمهورية من جانب وهو الأمر الذي أدى للوصول إلى هذه النتيجة الماثلة الآن والتي ربما خلقت حالة من التباين في المواقف مما فعل غندور الذي كان بإمكانه أن يصبح بطلاً لو أن شكواه أتبعها باستقالة بحسب ما يقول المتعاطفون معه.
3
يفسر المحلل السياسي خالد التجاني تلك التداخلات في وقت أعقب تسريب استقالة وزير الخارجية في وقت سابق حين يقول: فترة غندور لا سيما أوائل عهده بالوزارة اختطاف شبه كامل لدور وزارة الخارجية أيام سيطرة مدير مكتب الرئيس السابق طه عثمان فيما بات يُعرف بـ(الدبلوماسية الرئاسية)، وكان الظن أن تلك حالة خاصة ارتبطت بـ(عهد طه) المثير للجدل، ولكن يبدو أن إبعاده لم يكن كافياً لإعادة الأمور إلى تقاليدها المرعية، صحيح أن الدستور يمنح الرئيس حق “توجبه السياسة الخارجية والإشراف عليها، وتمثيل الدولة في علاقاتها الخارجية، وتعيين سفراء الدولة”، ولكن ذلك لا يعني بالضرورة إلغاء دور وزارة الخارجية، بل يظل دورها المؤسسي محورياً باعتبارها الجهة المهنية المختصة بـ”وضع سياسات وخطط العمل الخارجي بما يحقق التوافق بين سياسات الدولة الخارجية والداخلية” حسب المرسوم الجمهوري الذي يحدّد اختصاصاتها، ويجعلها الذراع التنفيذية المساعدة لرئيس الجمهورية في إدارة السياسة والعلاقات الخارجية للبلاد، مع استثناءات تقدر بظرفها، دون أن يعني ذلك أن يجري تقنينها بما يُلغي دور وزارة الخارجية فعلاً ويبقيها رسماً وهو الأمر الذي جعل الكثيرين يحاولون الربط بين توقيت القرار وبين صورة ظهرت في وسائط الإعلام للفريق طه المستشار بالقصر الملكي السعودي مع رئيس الجمهورية قبل يومين.
4
بالطبع القرار الذي أصدره رئيس الجمهورية كان مقتضباً وتجاوز ذكر الأسباب التي أدت لاتخاذه قرار إقالة وزير خارجيته في هذا التوقيت وهو الأمر الذي فتح الباب واسعاً أمام التكهنات في سبيل البحث عن إجابة تبدو مقنعة، البعض لم يذهب بعيداً وسعى للربط بين الاستقالة وبين ما يجري من معارك بين مكونات الحزب الحاكم مستدعياً فرضية وجود تيارات متصارعة داخل كابينة القيادة للحزب الحاكم دون أن يعني إبعاد ما يحدث في الإقليم حيث انخرطت وسائل إعلام مصرية في الربط بين استقالة وزير الخارجية السوداني وتصريحاته الحاسمة في ما يتعلق بملف الصراع بين الجانبين حول منطقة حلايب وإعلانه تمسك بلاده بحقها الكامل في الأرض المحتلة. بالطبع كان الجدل محتدماً حول: هل الموقف من حلايب أم انتقاد السياسات الحكومية هو الذي عجل بذهاب الرجل ومغادرته منصبه الوزاري بعد حوالي ثلاث سنوات من جلوسه في المقعد.
5
يستدعي البعض ملف العلاقات السودانية الأمريكية ويشيرون بالطبع إلى دور وزير الخارجية في السعي لتقريب شقة الخلاف بين واشنطن والخرطوم خصوصاً عقب إعلانه تبني المنهج (البراغماتي) لتحقيق تلك الغاية والذي انتهى بالتوقيع على قرار رفع الحظر الاقتصادي المفروض على السودان منذ ما يزيد عن العشرين عاماً وهو ما كان يمكن أن ينتج قرارا آخر يفضي برفع اسم السودان من القائمة الخاصة بالدول الراعية للإرهاب وهو ما تطلب بدوره تقديم الخرطوم تنازلات لم يتم الاتفاق حولها بين كل مكونات الوطني. المفارقة تبدو في أن غندور هو ثالث ثلاثة من الذين خاضوا غمار التفاوض مع اليانكي حيث سبقه في المغادرة المدير السابق لجهاز الأمن والمخابرات الوطني الفريق محمد عطا ولحق به رئيس هيئة الأركان الفريق عماد عدوي وهو ما يؤكد على عمق تأثيرات مشهد العلاقات مع واشنطن على واقع الخرطوم الداخلي، وعلى سعيها في إعادة ترتيب بيتها السلطوي بما يخلق حالة من التوافق العام حول من يدير دفة السودان في مقبل المواعيد.
6
بعض ما رشح من أنباء يتجه نحو أن محافظ بنك السودان هو الذي أقال وزير الخارجية فتأخر وصول المرتبات هو الذي دفع بالوزير لتقديم شكواه إحساساً بمسؤوليته تجاه منسوبي وزارته وفي ظل معاناة بنك السودان من شح في السيولة ومع تآكل احتياطات النقد الأجنبي فإن الاستجابة لمطلوبات الخارجية لم تتحقق وهو ما جعل الرجل يعود لخلفيته النقابية حين كان يشغل منصب الأمين العام لنقابات عمال السودان ويطالب باستحقاقاتهم على الدولة وهو ما جعله يتوشح بذات اللباس أمام رئيس البرلمان ليغادر في نهاية المطاف الوزارة مقالاً دون أن يحسب درجات الفرق بين كونك دبلوماسياً أو قائداً مطلبياً.
على كل، سيعود صاحب الستة والستين عاماً إلى بيته لمواصلة المسيرة، وهي عودة تجد الفرحة من أبنائه حيث كتب ابنه أحمد إبراهيم غندور تغريدة في صفحته الشخصية في الفيسبوك (شكرا جمل الشيل) في إشارة لوالده وأردفها بشكر لرئيس الجمهورية الذي أعاد إليهم والدهم في البيت في استراحة محارب ربما.. لكن المؤكد أن ثمة جدلا آخر سيتعلق هذه المرة بمن يخلف غندور في مقعد الخارجية.. جدل ربما يفوق الاهتمام به الاهتمام بمدى حصول الدبلوماسيين على مرتباتهم.

يمكنك ايضا قراءة الخبر في المصدر من جريدة اليوم التالي

عن مصدر الخبر

صحيفة اليوم التالي