السودان الان

(غموض الموقف) حالة من الالتباس تصيب المراقب لعلاقات الخرطوم والقاهرة، ففي الوقت الذي تشهد فيه تحسنا سياسيا في بعض الملفات، تبقى قضايا مثل احتلال حلايب خميرة عكننة لأي تقدم وتطبيع شامل، بينما يشتط البعض ويرى أن مصر تحاول إعادة دورها في رسم سياسات جارتها الجنوبية

مصدر الخبر / صحيفة اليوم التالي

الخرطوم – خالدة ود المدني
يشهد الوضع الإقليمي والعالمي مؤخرا تقلبات كبيرة في الأجواء السياسية، ربما باتت تؤثر بشكل كبير على تقلبات سياسة الدول داخلياً، لكي تتوافق مع أجندة الدول الحليفة، ما يخيم بدوره على وضوح الرؤية لقراءة المستقبل، كما يحدث في شأن العلاقات السودانية المصرية التي وصفها خبراء بأنها في حالة شد وجذب مستمرين نتيجة استمرار بعض الملفات المهمة على طاولة المفاوضات مثل قضية حلايب وغيرها، دون حل نهائي.
(1)
في هذا الصدد تمدد الصراع الذي تعدى إطاره الرسمي، ما أدى إلى تبادل الاتهامات بين البلدين في أوقات كثيرة، عقب إعلان حكومة السودان قرار وقف استيراد الخضر والفواكة والأسماك مؤقتا من مصر، حسب التشريعات الدولية التي تجيز اتخاذ الإجراءات الكفيلة بحماية صحة وسلامة الإنسان والحيوان والنبات والتي كفلتها تشريعات المنظمات والتكتلات الإقليمية والدولية، حينئذ استنكرت القاهرة قرار الخرطوم بالرغم من أن كثيرا من الدول سبقت الخرطوم بذات القرار، لكن يبدو أن شمال الوادي يرفض تماما خروج جنوبه عن طوع سياساته منذ الحقب الماضية وفقا لمعتقدات بعضهم بأن السودان يتبع لمصر جغرافيا بالتالي سياسيا، وقتها تصاعدت وتيرة الاختلاف بإثارة عدة ملفات كان أبرزها قضية حلايب بيد أنها مهدت لصراعات عديدة أهمها التقارب بين الخرطوم وأنقرة، بمبدأ الاستفادة من الثروات الباطنية والزراعية للسودان، فيما تحتاج الخرطوم الإمكانيات المالية التركية لاستغلال هذه الثروات حسب تصريحات الأخيرة، بيد أن تركيا ترى في السودان أرضاً خاماً تحتاج إلى من يطوّرها، ومساحة زراعية ستمكّن من خفض مستوى المعيشة في تركيا، في المقابل ترغب الخرطوم بالتحرّر من شروط بعض الدول المحيطة عبر علاقة مع فاعل سياسي قوي بحجم تركيا، لكن القاهرة لا تنظر بعين الود لهذه الطموحات السودانية، كونها ترغب في أن يتحوّل السودان إلى قوة اقتصادية كبيرة تنافسها بالمنطقة، ومن جهة أخرى ربما تساهم جزيرة سواكن التي ترغب أنقرة في تطويرها، في تقارب اقتصادي بين تركيا والسعودية، وهذا ما ترفضه مصر التي حاولت بناء حلف قوي مع الرياض، ظهر مؤخراً في الأزمة الخليجية، بجانب تخوّفات مصر في الجانب العسكري، إذ ترى إمكانية قبول السودان لقواعد عسكرية مستقبلاً.
(2)
في ذات المنحى تمتلك القاهرة الكثير من عناصر القوة في المنطقة وفق قولها، زيادة على أن أفريقيا تبقى ملعباً للكثير من القوى العالمية، والراصد للواقع السياسي السوداني مؤخرا يُقر بتحسن ملحوظ في إطار العلاقات الخارجية خاصة مع دول الجوار بما فيها مصر التي تشير سياساتها دوما لتحجيم علاقات الخرطوم الخارجية، ويأتي ذلك أحيانا من خلال تدخل دول حليفة للطرفين، الأمر الذي يجعل الأخيرة في وضع حرج أحيانا كثيرة وفق الواقع، وهذا سلاح تستخدمه معظم دول العالم في تغيير سياسة دول أخرى حسب وصف بعض المحللين السياسيين، بالإضافة إلى الحرب الاقتصادية.
وفي منحى آخر تصاعدت وتيرة الخلاف بين الخرطوم والقاهرة عقب مفاوضات سد النهضة المنعقدة في الخرطوم، حال عدم اتفاق دولتي المصب مع إثيوبيا، وقتئذ وصفت القاهرة موقف الخرطوم بالسلبي، بيد أنها كانت تلعب دور الوسيط في تقريب وجهات النظر رغم أنها أحد أضلاع مثلث النزاع، وفي الأثناء قالت مصادر إن مصر طرحت ملفات أخرى مشتركة تسير إلى صالح القاهرة من أجل إتمام المفاوضات فيما رفض وفد الحكومة السودانية التفاوض خارج إطار الموضوع المطروح، وتجلى ذلك في تراخي الحكومة السودانية تجاه المفاوضات التي انتهت بالفشل. (3)
في سياق متصل قالت قناة (العرب اليوم) إن مصدرا عسكريا صرح بأن الجيش المصري سينفذ قناة جونقلي التي توقف العمل فيها منذ 1983، عندما هاجمتها قوات الجيش الشعبي، وكشفت القناة أن المشروع سيوفر لدولة جنوب السودان ومصر 30 مليار متر مكعب، وأكد ذات المصدر أن مصر ستغطي الآثار السالبة الناتجة عن السد الأمر الذي كان يرفضه دكتور قرنق حينها لما تخلفه القناة من أضرار بيئية، كجفاف المستنقعات ما يهدد الحياة البرية بأكملها، وجاء تصريح المصريين هذا بعد أن صرح مسؤول إثيوبي مؤكدا متابعة العمل في السد حال عدم اتفاق الدول المنوطة مستندا على أنه لا يوجد قانون يوقف العمل فيه، لكنهم يفضلون التوصل إلى اتفاق في الشأن عبر المفاوضات، وفي ذات الوقت تجرى اتفاقيات مد السودان بتيار كهربائي مصري كخطوة بديلة لكهرباء سد النهضة التي وعدت بها إثيوبيا الخرطوم حسب حكومتها، بجانب استئناف النشاط التجاري بين البلدين قبل بداية شهر رمضان. وصرح رئيس الجانب المصري بمجلس الأعمال المصري السوداني، بأن مسؤولين حكوميين سودانيين وعدوا برفع الحظر المفروض على السلع الزراعية المصرية، وأضاف رياض أرمانيوس أن المسؤولين وعدوا برفع الحظر عن نحو 19 سلعة مصرية، صدر قرار بحظر تصديرها للسودان، وتوقع حل الأزمة قبل شهر رمضان المقبل، بالتزامن مع اجتماع اللجنة التجارية المصرية السودانية، وفقاً لصحيفة (البورصة).
بالكاد يرى مراقبون أن حدة الأزمة بين البلدين ستقل مجرد تنفيذ القرار كونه نواة الخلاف بين البلدين.
(4)
في ذات الإطار ينظر مراقبون إلى ان إقالة بروفيسور غندور وزير الخارجية السابق من منصبه نتيجة تصريحات تخص شؤون وزراته في منضدة البرلمان، ربما تكون محمده لدى الحكومة المصريه حيث يعتقد البعض أن غندور يقف ضد بعض المصالح المصرية كما يشاع، بيد أن غندور خطى خطوات واضحة تجاه ملف حلايب الذي استدعاه البرلمان بخصوصه، وقتئذ أكد غندور على موقف حكومة السودان حيال ملف حلايب نافيا فكرة الإدراة المشتركة، وغيرها من حلول لا تقر بسودانية حلايب، بجانب تشجيعه في وقت سابق لاكتمال سد النهضة مادام السودان يستفيد من إنشائه حسب رأيه. وقطعا تبدو سياسات غندور تجاه مصر مزعجة لحكومتها، بالتالي تحسب إقالته ضمن حسناتها وفق الواقع خاصة وأن الأخيرة بدأت في تقديم مبادرات إغرائية لحكومة السودان كمدها بتيار بالكهرباء والغاز، على أن تتراجع الخرطوم عن قرارات سابقة أهمها حظر المنتجات الزراعية.
ومن جهة أخرى تباينت التنبؤات حول منصب غندور الشاغر منذ إقالته الاسبوع المنصرم، وحسب مصادر يرجح تنصيب وزير الدفاع السابق عدوي المشهود له بعلاقات دولية ممتازة مع دول الخليج وغيرها، علاوة على صلته القوية بمصر، إذاً من هذا المنطلق ربما تختلف لغة الحوار مع القاهرة حيال الملفات الشائكة، ما يستخلصه القارئ لما يحدث في سياسة البلدين مؤخراً بلا شك يتساءل إن كانت القاهرة قد عادت لتكون فاعلة في رسم سياسات السودان السياسية والاقتصادية من جديد.؟!

يمكنك ايضا قراءة الخبر في المصدر من جريدة اليوم التالي

عن مصدر الخبر

صحيفة اليوم التالي