السودان الان

“استطلاع حلايب” القاهرة تستنكر بشدة استطلاعاً للرأي أجرته قناة “RT” الروسية على موقعها الإلكتروني حول تبعية المثلث السوداني.. الخرطوم تراقب في صمت حتى اللحظة

مصدر الخبر / صحيفة اليوم التالي

الخرطوم – بهرام عبد المنعم
استنكرت القاهرة بشدة؛ استطلاعًا للرأي أجرته قناة “RT” الروسية على موقعها الإلكتروني “الجمعة” الماضية، حول تبعية مثلث حلايب، بينما ظلت الخرطوم تراقب في صمت، دون أن تعلق أو تقول شيئاً حتى اللحظة عن الاستطلاع حول الملف الذي ظل عقبة كأداء بين البلدين طيلة السنوات الماضية.
وفي مارس الماضي، خصصت الهيئة الوطنية للانتخابات المصرية، لأول مرة، لجنة عامة بمدينة حلايب بعد أن كانت بالانتخابات السابقة تتبع للجنة شلاتين.
لكن وزير الخارجية، إبراهيم غندور، كشف لنواب البرلمان، في أبريل الماضي، عن شكوى تم تقديمها إلى مجلس الأمن الدولي، بشأن إجراء الانتخابات الرئاسية المصرية الأخيرة.
وقالت الهيئة الرسمية المعنية بشؤون الإعلام الأجنبي بمصر، إنها تعرب عن أسفها وإدانتها الشديدين لقيام موقع “روسيا اليوم” بنشر استطلاع للرأي لمتصفحيه حول تبعية مثلث حلايب، لمصر أو للسودان.
**تفسير عاجل
حسنًا، المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية المصرية، أحمد أبو زيد، ذكر أن الوزارة تواصلت مع الجانب الروسي للإعراب عن استنكارها الشديد للاستطلاع الذي قامت به قناة “RT” بشأن مثلث حلايب المتنازع عليه بين القاهرة والخرطوم.
وقال أبو زيد، إن مصر طلبت تفسيرًا عاجلًا لما وصفه بـ”الإجراء المرفوض”، ونوَّه إلى أن وزير الخارجية سامح شكري قرر إلغاء حوار كان مقررًا أن يجريه مع قناة RT”” صباح أمس “السبت” وذلك على خلفية الاستطلاع المشار إليه.
ووصفت الهيئة المصرية الاستطلاع بأنه “مسيء ومستفز للحقائق الثابتة والعلاقات الثنائية بين الدول الصديقة”.
وتابعت الاستعلامات المصرية أن هيئة الاستعلامات قررت استدعاء المسؤولين المعتمدين لديها عن مكتب روسيا اليوم في مصر.
**ملابسات النشر
وأوضحت أنه سيتم إبلاغ مسؤولي “روسيا اليوم” بـرفض مصر التام وإدانتها الكاملة لطرح ما يخص سيادتها ووحدة أراضيها بتلك الطريقة، والتعرف منهم على ملابسات نشره تمهيدًا لاتخاذ الخطوات والإجراءات المشار إليها سابقًا.
وأوضحت قناة “RT” أنها تأسف لما سببه الاستطلاع من استياء لدى الجانب المصري، فإنها توضح أن الغرض منه لم يكن الإساءة لمصر، ولا التشكيك في وحدة أراضيها، بقدر ما هو شكل إعلامي معمول به في تناول قضايا وملفات الساعة.
وأضافت، “مع التزامنا بقواعد الموضوعية والحياد التي تميز تعاطينا الإعلامي مع جميع المواضيع الإخبارية”، وجددت القناة التأكيد على أن نتائج التصويت المذكور لا تعبر عن رأيها بل عن رأي المشاركين فيه لحظة التصويت.
** شكاوى رسمية
إبراهيم غندور وزير الخارجية المعفى عن منصبه أشار خلال رده على سؤال من النائب عيسى مصطفى، في أبريل الماضي، حول المثلث المذكور، ووضعه وموقف الدولة الرسمي بشأنه، إلى تقدم السودان بثلاث شكاوى منفصلة إلى مجلس الأمن الدولي في الآونة الأخيرة، أولها احتجاجًا على ترسيم الحدود البحرية بين مصر والمملكة العربية السعودية، عقب ضم جزيرتي تيران وصنافر لحدود المملكة (أبريل 2016)”.
وعقب توقيع اتفاقية جزيرتي “تيران وصنافير” بالبحر الأحمر، في أبريل 2016، التي بموجبها تنازلت القاهرة عن سيادتها للسعودية، وطالب السودان بأحقيته في مثلث حلايب وأبو رماد وشلاتين الحدودي، غير أن القاهرة رفضت بشدة، مشددة على مصرية المثلث الحدودي.
واستعادت القاهرة سيادتها على مدينة طابا من إسرائيل بقرار هيئة المحكمة الدولية في نهاية سبتمبر 1988، ورفع العلم المصري عليها في 19 مارس 1989، بعد سنوات من النزاع مع تل أبيب عقب هزيمة الأخيرة في حرب 1973 مع مصر.
وتقع منطقة حلايب على الطرف الأفريقي للبحر الأحمر وتوجد بها ثلاث بلدات كبرى هي (حلايب وأبو رماد وشلاتين)، وهي محل نزاع حدودي بين مصر والسودان.
**سرد الوقائع
وسردًا للوقائع بتواريخها، أوضح غندور، أن الشكوى الثانية تتعلق بإنشاء مصر ميناءين للصيد في شلاتين وأبو رماد، ضمن مثلث حلايب، في فبراير الماضي، لافتًا إلى أن الشكوى الثالثة جاءت ردًا على إجراء الانتخابات الرئاسية المصرية في مثلث “حلايب وشلاتين وأبو رماد”.
وأضاف، أن “قضية حلايب في قمة أولويات السياسية الخارجية السودانية، وكنا حريصين على ضبط النفس، وعدم التصعيد حفاظًا على أزلية العلاقات بين البلدين”.
وتابع، “طرحنا المسألة (قضية حلايب) على الآليات الرسمية في كافة المستويات بكل صراحة وشفافية، وفي المقابل استمر الجانب المصري في القيام بإجراءات تصعيدية غير مبررة لا تصب في مصلحة تلك العلاقات، في الفترة من ديسمبر 2017 وحتى مارس 2018”.
ومن الإجراءات المصرية، حسب غندور، “توقيع برتوكولين لإنشاء ميناءين للصيد في شلاتين وأبو رماد، وتكريس وضع الاحتلال (حسب وصفه) القائم بإقامة خطط ومشروعات (لم يذكرها) تهدف لطمس الهوية السودانية، وتغيير أسماء المعالم والمرافق العامة”.
**سياسة الأمر الواقع
وذكر الوزير، أن من الإجراءات التي اتخذتها القاهرة أيضًا، “فرض سياسة الأمر الواقع وإجراء الانتخابات الرئاسية، والشروع في إنشاء محطات تحلية مياه البحر الأحمر بحلايب وأبو رماد، ودعوة شركات أجنبية للاستثمار في الثروات المعدنية والبحرية في المنطقة، وممارسة الصيد الجائر للثروة السمكية”.
وبين الحين والآخر، تشهد العلاقات بين السودان ومصر توترًا، ومشاحنات عبر وسائل الإعلام، على خلفية عدة قضايا خلافية، من أهمها النزاع حول المثلث الحدودي “حلايب وشلاتين وأبو رماد”.
** الحق الكامل
وأشار غندور إلى إقدام الجانب المصري، على قتل أحد التجار السودانيين رميًا بالرصاص قرب شلاتين في أكتوبر 2017، بزعم تورطه في أعمال تهريب عبر الحدود، وكذلك مطاردة المواطنين السودانيين والقبض على عدد منهم داخل مثلث حلايب، وتقديمهم إلى محاكمات بدعوى مخالفتهم قوانين الهجرة، وربط إطلاق سراحهم باستخراج وثائق سفر اضطرارية لهم.
وقال الوزير، إن سلطات بلاده رفضت بشدة استخراج وثائق سفر للمواطنين الذين احتجزهم الجيش المصري داخل حلايب، حتى لا تمنح بذلك ذريعة لمصر للادعاء بإقرار الخرطوم بأن الأرض التي تم فيها إلقاء القبض على هؤلاء المواطنين، مصرية.
ولفت إلى أنه تم إطلاق سراح السودانيين المعتقلين عبر التفاوض مع الجانب المصري، في وقت لاحق، وأكد على تمسك السودان بـ”حقه الكامل غير القابل للتفاوض في السيادة الكاملة على مثلث حلايب”.
ودعا الجانب المصري إلى تبني أحد الخيارين اللذين يطرحهما الجانب السوداني لحل هذه الأزمة وهما التفاوض أو التحكيم الدولي، مشددًا على أن “عدم حل قضية حلايب وإرجاعها إلى حضن السودان سيظل عقبة في طريق انطلاق علاقة الخرطوم بالقاهرة إلى الآفاق التي نرجوها ونتطلع إليها”.
وأوضح غندور أن وزارته تتابع الشكوى التي قدمتها لمجلس الأمن بشأن حلايب، فضلا عن المتابعة اللصيقة لتطورات الأوضاع على الأرض وتقديم تقرير بشأنها للأمم المتحدة والجهات الدولية.
ورغم نزاع الجارتين على هذا المثلث الحدودي منذ استقلال السودان عام 1956، لكنه كان مفتوحًا أمام حركة التجارة والأفراد من البلدين دون قيود حتى عام 1995، حين دخله الجيش المصري وأحكم سيطرته عليه.
**الجذور التأريخية
وتقع منطقة حلايب وشلاتين على الحدود الرسمية بين مصر والسودان، وتبلغ مساحتها 20 ألف كيلو متر مربع على ساحل البحر الأحمر، وحلايب تقطنها قبائل تمتد بجذورها التاريخية بين الجانبين كما تتنقل هذه القبائل بسهولة عبر الحدود، لأن وجودها كان سابقًا على رسم الحدود، وبها نقطة وطريق يربط بينها وبين السويس عبر بئر شلاتين وأبو رماد وتتصل حلايب ببورسودان بطريق بري غير مسفلت وتبلغ المسافة من السويس – حلايب – بورتسودان حوالى 10485 كم تقريبًا.
وتعد مدينة حلايب البوابة الجنوبية لمصر على ساحل البحر الأحمر وتظل الوظيفة الرائدة لها تقديم الخدمات الجمركية للعابرين إلى الحدود السودانية، بالإضافة إلى الأنشطة التجارية المصاحبة لذلك.
**الأهمية الاستراتيجية
وتتمتع منطقة حلايب بأهمية استراتيجية لدى الجانبين المصري والسوداني، حيث تعتبرها مصر عمقًا استراتيجيًا هامًا لها كونها تجعل حدودها الجنوبية على ساحل البحر الأحمر مكشوفة ومعرضة للخطر، وهو الأمر الذي يهدد أمنها القومي، كما ينظر السودان إلى المنطقة باعتبارها عاملًا هامًا في الحفاظ على وحدة السودان واستقراره السياسي لما تشكله المنطقة من امتداد سياسي وجغرافي على ساحل البحر الأحمر، بالإضافة إلى أهميتها التجارية والاقتصادية لكلا البلدين.
وأشارت الدراسات إلى أن خامات المنجنيز تتوافر بمنطقة حلايب باحتياطات هائلة مرتفعة الجودة، وأثبتت صلاحية الخام لإنتاج كيماويات الماغنسيوم غير العضوية مثل كبريتات وكلوريد الماغنسيوم وهي ضرورية جدًا لصناعة المنسوجات، كما تجري حاليًا دراسات للاستفادة من هذا الخام لإنتاج حراريات الماغنسيوم بديلاً عن الاستيراد، وكذا إنتاج الماغنسيوم الذي يستخدم بشكل كبير في صناعة الأسمدة.
كما يأتي موضوع اكتشاف البترول ومعادن ثمينة أخرى في حلايب كمحرك لتصعيد النزاع بين الدولتين على هذه المنطقة.
**الخط الفاصل
يعد الوجود البريطاني المتزامن في مصر والسودان هو الذي أدى إلى تعيين الخط الحدودي الفاصل بين البلدين، وكان ذلك عملاً من نتاج الفكر الاستعماري البريطاني الذي كان يترقب لحظة تفكيك أملاك الدولة العثمانية، حيث وقعت اتفاقية السودان بين مصر وبريطانيا في 19 يناير 18999، التي وقعها عن مصر بطرس غالي وزير خارجيتها في ذلك الحين، وعن بريطانيا اللورد “كرومر” المعتمد البريطاني لدى مصر.
ونصت المادة الأولى من الاتفاقية على أن الحد الفاصل بين مصر والسودان هو خط عرض 22 درجة شمالًا، وما لبث أن أدخل على هذا الخط بعض التعديلات الإدارية بقرار من ناظر الداخلية المصري بدعوى كان مضمونها منح التسهيلات الإدارية لتحركات أفراد قبائل البشارية السودانية والعبابدة المصرية على جانب الخط، وقد أفرزت التعديلات ما يسمى بمشكلة حلايب وشلاتين.
** المراجع التاريخية
تشير المراجع التاريخية إلى أن المرة الأولى التي أثير فيها النزاع الحدودي بين مصر والسودان حول حلايب كان في يناير عام 1985، عندما أرسلت الحكومة المصرية مذكرة إلى الحكومة السودانية اعترضت فيها على قانون الانتخابات الجديد الذي أصدره السودان في 27 فبراير 1985.
وأشارت المذكرة إلى أن القانون خالف اتفاقية 1899 بشأن الحدود المشتركة، إذ أدخل المنطقة الواقعة شمال مدينة وادي حلفا والمنطقة المحيطة بحلايب وشلاتين على سواحل البحر الأحمر ضمن الدوائر الانتخابية السودانية، وطالبت حينها مصر بحقها في هذه المناطق التي يقوم السودان بإدارتها شمال خط عرض 22 درجة، وكانت هذه هي المرة الأولى التي أعلن فيها نزاع على الحدود بين البلدين.

يمكنك ايضا قراءة الخبر في المصدر من جريدة اليوم التالي

عن مصدر الخبر

صحيفة اليوم التالي