الخرطوم – الزين عثمان
في بداية أبريل، كان الرئيس عمر البشير يزور إثيوبيا ويعلن حقيقة البدء في مشروع التكامل السوداني الإثيوبي.. كان البشير ساعتها يشارك الحكومة الإثيوبية الاحتفال بمرور ستة أعوام من البدء في مشروع سد النهضة، وكشف في الوقت ذاته عن اتفاق بين الحكومة السودانية ونظيرتها الإثيوبية على تزويد إثيوبيا للسودان بالكهرباء دون أن يكشف عن تفاصيل الاتفاق بين الجانبين، وهذا يعني أن الخرطوم ستضيء بشعلة قادمة من أرض المرتفعات في الشرق. البلدان اتفقا على مد خط للسكة حديد من إثيوبيا إلى ميناء بورتسودان لنقل الصادرات والواردات السودانية، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد وإنما تمت إضافة المواجهة المشتركة للتهديدات الخارجية على أي من الدولتين، وهو ما يعطي التكامل المعلن صفة الشمولية على المستوى الاقتصادي السياسي والأمني.
ترتفع أصوات الترحيب بخطوات التقارب السوداني الإثيوبي.. كثيرون اعتبروه خطوة في الطريق الصحيح وهو الاتجاه شرقاً، لكنها في المقابل، خطوة يتم ربطها بحالة المواجهة غير المعلنة بين الخرطوم والقاهرة أو ما يطلق عليها البعض الأزمة المكتومة بين شمال وجنوب الوادي، مما دفع البعض لأن يفسر الظروف المناخية التي عطلت زيارة سامح شكري وزير الخارجية المصري، بأنها رياح السياسات المختلفة بين الخرطوم والقاهرة مقروء ذلك مع فرض الخرطوم سياسة التعامل بالمثل في ما يتعلق بالتأشيرات الممنوحة للمصريين، وهو ما يجعل التقارب السوداني الإثيوبي يقرأ بين علامتي (المكايدة والمصلحة).
بالنسبة لعدد غير قليل من المصريين، فإن التقارب السوداني الإثيوبي من شأنه إلحاق الضرر بالمصالح المصرية، ويثير حفيظة المصريين، ويدفعهم للتساؤل: إذا كانت السودان لها هذه العلاقات المترابطة مع إثيوبيا، فلماذا لم تنجح وساطتها في حل أزمات مفاوضات النهضة بين أديس أبابا والقاهرة؟ وهل سيظل التعاون بين البلدين على هذا المنوال دون إلحاق ضرر بدول الجوار، أم أن الهدف كان بالأساس التحكم في قطرات مياه النيل التي يحيا بها المصريون تحت رغبة سودانية في تقليل التنسيق مع مصر ومزاعم الخرطوم بمشكلات حدودية مع (المحروسة)؟
بالنسبة للسودان، فإن اتجاهه نحو إثيوبيا ينطلق في الأساس من أجل حماية مصالحه، وإن سياسته الخارجية تنطلق في الأساس لأجل تحقيق مصالح شعبه في الحياة الكريمة.. وفي قراءة أولى فإن معظم المصالح السودانية باتت فوق سطح الهضبة على المستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي.
يفاجأ الكثيرون بأن زيادات غير معلنة قد تمت إضافتها على الكهرباء في السودان، وهي الزيادة التي لن تساهم في إيجاد حل لأزمة الندرة في السلعة والتي من الممكن أن تؤدي لبروز مشكلات واحتجاجات، والحل أمام الخرطوم هو المضي في اتجاه الشرق من أجل معالجة مشكلة الكهرباء، يضاف أيضاً أن السودان من شأنه أن يخلق حالة من الحراك الاقتصادي في حال اكتمال الخط الحديدي الرابط بين إثيوبيا والسودان، خصوصاً عقب انتهاء إثيوبيا من ربط الخط بينها وجيبوتي أقصى الشرق الأفريقي، ومؤكد أن السودان سيستفيد من العائدات بعد منحه الإثيوبيين ميناء لتصدير واستيراد الموارد الإثيوبية.
بالنسبة للمحلل السياسي ورئيس قسم العلوم السياسية بجامعة النيلين الدكتور عوض أحمد سليمان، فإن التكامل مع إثيوبيا من شأنه أن يحقق مصالح متراكمة للسودان، فمثلاً حالة التبادل الاقتصادي من شأنها أن تقود إلى حالة استقرار أمني.. عوض يقول إن التقارب مع إثيوبيا ساهم بشكل كبير في تقليل حدة المواجهات العسكرية بين السلطة والحركات المسلحة، حيث لا يستقيم الصراع وتحقيق المصلحة.. وفي الوقت ذاته يمضي عوض أكثر من ذلك حين يصف الاتجاه نحو التكامل بأنه خطوة في الطريق الصحيح بالنسبة للسودان، فإثيوبيا دولة ذات ثقل سياسي في المنطقة، ويدلل على ذلك بأنها تستضيف مقر الاتحاد الأفريقي، كما أنها تحاول جاهدة أن تلعب أدواراً إيجابية في سبيل تعزيز السلام السوداني من خلال استضافتها لجولات التفاوض بين الفرقاء السودانيين، مثل هذه العوامل تجعل من الاتجاه شرقاً يوازي الاتجاه نحو الاستقرار الداخلي، بينما يرى البعض في التكامل السوداني الإثيوبي أنه خطوة في سبيل تعزيز التعاون بين كل المكونات الأفريقية لأجل تحقيق المصلحة الكلية لها.
في الوقت الذي يرى فيه المصريون الغاضبون الخطوات الإثيوبية المتسارعة لإنجاز مشروع القرن لتحقيق النهضة، أنها تهدف بشكل رئيس لتهديد المصالح المصرية، وباتجاه آخر لغرق مصر في المعاناة. ويرى فريق آخر أن السودان الذي ظل في حالة تنسيق مع مصر في ما يتعلق بملف المياه قبل أن يتخذ موقفاً أقرب للتوفيق بموقفه الجديد، فإن الخرطوم قد باعت القاهرة وترد الخرطوم بعبارة واحدة: “الخرطوم اشترت مستقبلها المفضي للاستقرار”.
يمكنك ايضا قراءة الخبر في المصدر من جريدة اليوم التالي