الخرطوم – الزين عثمان
عشرة جنيهات هي قيمة الحصول على كرسي إن وجد أو الوقوف على الأقدام لمدة تسعين دقيقة، صاحب الحظ هو ذلك الذي يجد له متكأً في (البساط) الموضوع في قبالة الشاشة في أحد أندية المشاهدة التي تكتظ بها مدينة الخرطوم وبالتحديد هوامشها.. التاسعة إلا ربعاً من يوم أمس الأول كانت الشوارع على موعد مع انقسام جديد (الريالاب) يقفون خلف فريقهم وهم ينتظرون الوصول إلى البطولة الثالثة عشرة، بينما يردد أنصار ليفربول من أقصى أمبدة (لن نتركك تسير وحدك).
انتهت المباراة النهايئة لدوري أبطال أوروبا للموسم 2018 في مدينة كييف الأوكرانية بفوز ريال مدريد وحصوله على البطولة بعد أن حسم المباراة بفوزه بثلاثة أهداف مقابل هدف، عاد كريستيانو رونالدو ورفاقه إلى مدريد برفقة كأس البطولة، بينما لا يزال الجدل هنا محتدماً، جدل يبدأ بالسؤال الخاص بمدى الاهتمام الذي يبديه السودانيون للبطولات الأوروبية في مقابل حالة إهمالهم لمتابعة الكرة المحلية، وبالطبع تراجع الهلال والمريخ لصالح شيلسي ومانشيستر وأرسنال في إنجلترا ولا شيء يفوق ثنائية برشلونة وريال مدريد، يرد أحدهم وهو منشغل بالمتابعة (ياخ العندنا دي سميها أي حاجة غير كورة)، ما يحدث من اهتمام هو حالة من الهروب من الأحزان اليومية والاستمتاع بكرة القدم الحقيقية.
كان الحدث الأبرز في المباراة الختامية هو إصابة النجم المصري محمد صلاح بخلع في الكتف بواسطة قائد ريال مدريد المدافع سيرجيو راموس ومغادرته المباراة من شوطها الأول، وهو السبب الذي اعتبره البعض المسؤول الأول عن خسارة ليفربول للمباراة في نهاية المطاف، لا تبدو الحكاية في فوز مدريد أو خسارة الليفر للقب الأبطال بل في تفاصيل وحكايات ما بعد المباراة في المواجهات السودانية السودانية في الملاسنات التي تجعل من مواطني أمبدة وكأنهم سكان الشارع الفاتح على نادي الريال في مدريد، وتجعل من سكان (عد حسين) جيرانَ لملعب الأنفيلد في ليفربول، يفسر الكثيرون انشغال السودانيين بالكرة العالمية بأنه يأتي في سياق السطوة العامة للجلد المدور على اهتمام العالم وأن أهل النيلين ليسوا استثناء مما يجري حولهم.
كان حدث إصابة محمد صلاح وإمكانية عدم حضوره مع منتخب بلاده في نهائيات كأس العالم بروسيا يثير حالة من الغضب في الأوساط المصرية التي لم تجد ما تعبر به عن خيبة أملها سوى الانخراط في موجة هجمات إسفيرية متتالية على سيرجيو راموس، وفي كل وسائط التواصل الاجتماعي حملة الغضب المصرية على راموس سرعان ما أثارت حالة من حفيظة السودانيين الذين دعا بعضهم لحملات تضامن مع الإسباني في مواجهة الهجوم المصري، بينما قام البعض بتوظيف ما حدث سياسياً وهو يستدعي المعركة السودانية المصرية حين جلب صورة راموس وهو يعتذر لمحمد صلاح مستخدماً عبارة (حلايب سودانية).
مباراة السودانيين الخاصة عقب نهاية الشامبيون لا تنتهي وسرعان ما يقف كل في مقابل بطولته الخاصة مستدعياً نزاعات الهوية وتنازعاتها معتبراً من التضامن مع محمد صلاح وتشجيعه لا يعدو سوى كونه حالة تماهٍ مع العروبة وخروج عن السياق الخاص بالسودانيين باعتبارهم أفارقة الأفارقة في تشجيعهم سرعان ما يقومون بتحميل صورة النجم السنغالي لليفربول سادو ماني وصاحب هدف النهائي ويطالبون السودانيين بالتضامن مع أفريقيتهم التي أجاد تمثيلها في النهائي بإحرازه الهدف وعدم الانشغال بعروبة تبدو بعيدة عنهم.
انتهت النسخة القديمة من الشامبيون واحتفل مشجعو مدريد في البلاد بترديد عبارة (هلا مدريد)، بالطبع نهاية الموسم تعني أن موسم أندية المشاهدة قد انتهى في البلاد في ظل عدم حضور الأندية السودانية في البطولات القارية الأفريقية هذا الموسم، باستثناء وجود لا يبدو مبشرا للهلال بحسب نتائج ظهوره الأولى، لكن في المقابل فإن العيد هذه المرة سيتزامن مع افتتاح مونديال روسيا الذي سيكون نقطة جديدة لانقسام السودانيين بين أفريقانيتهم وعروبتهم وسينتهي وهم ما زالوا يتساءلون حول من أحق المنتخبات بدعمهم وتشجيعهم، وهو أمر كافٍ لاستعادة ذات أكليشيهات الصراع القديم حين يربطون هويتهم بمسارات الكرة ومنتخباتها.
بالنسبة للكثيرين فإن تسعين دقيقة من كرة القدم الحقيقية كافية لجعلهم يغادرون واقع بلادهم الذي لا يسر كافية لتجاوز أزمة الغاز والانتظار في صفوف البنزين، كافية للصعود فوق أزمات ومتاهات السوق الذي كل يوم هو في شأن، الأسوأ من ذلك أنها كافية حتى للمضي دون توقف عند خبري رفض لاجئين سودانيين العودة للبلاد واتجاه لتوطينهم في دولة تشاد، ومعه خبر أن تضطر الشرطة للتدخل لفض ازدحام مواطنين في الفاشر من أجل الحصول على إغاثة في شكل سلع رمضانية.
يمكنك ايضا قراءة الخبر في المصدر من جريدة اليوم التالي