الخرطوم – (اليوم التالي)
قمة جديدة تشهدها العلاقات المصرية السودانية، هي الثالثة من نوعها خلال العام الجاري، حين استقبل رئيس الجمهورية المشير عمر البشير، أمس، نظيره المصري عبد الفتاح السيسي في الخرطوم.
زيارة السيسي التي حظيت باهتمام وترحيب واسع بالسودان، وأكد خبراء أنها تؤسس لفصل جديد من التعاون وتعزيز الثقة بين البلدين الشقيقين، وستكون فاتحة لوحدة أكبر بين مصر والسودان.
وينتظر أن يبحث السيسي مع البشير المهددات الإقليمية والأمن المائي وأمن البحر الأحمر، وملف سد النهضة الإثيوبي، بجانب قضايا السلام في جنوب السودان وسوريا والقضية الفلسطينية، وقضايا الجاليتين وعدد من الموضوعات ذات الاهتمام المشترك.
وقال متخصصون إن التحولات التي شهدها الإقليم، لا سيما التقارب الإثيوبي الإريتري، عجلت بقمة السيسي والبشير في الخرطوم، بغرض إعادة ترتيب الأوراق على ضوء هذه المتغيرات السريعة والمهمة.
وأبدى نائب رئيس لجنة العلاقات الخارجية ببرلمان السودان، متوكل محمود التجاني، ترحيب المؤسسة التشريعية الواسع بزيارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى البلاد، مؤكداً أنها “تأتي في توقيت بالغ الأهمية بالنسبة للبلدين الشقيقين”.
وقال التجاني لـ”العين الإخبارية” “نثمن هذه الزيارة التي نرجو منها الكثير، في ظل العلاقات المتطورة بين السودان ومصر، والعوامل المشتركة التي تربط البلدين من تاريخ وثقافة وعلم ومياه ومصالح”.
وأضاف “إن الزيارة سيكون لها دور في دفع المصالح الاقتصادية وتطوير العلاقات الثنائية بين البلدين”، وتابع “نحن ننظر للزيارة بسعادة وتفاؤل كبير”، مشدداً على أن البرلمان السوداني يتمتع بعلاقات ممتازة مع مجلس الشعب المصري والبرلمان العربي.
من جانبه، اعتبر أسامة عبد الماجد، رئيس تحرير جريدة “آخر لحظة”، أن الزيارات المتكافئة بين الرئيسين السيسي والبشير ولقاءاتهما التي بلغت أكثر من 20 لقاءً، تعكس مدى تطور علاقات البلدين وسيرها نحو الأفضل.
وقال عبد الماجد لـ”العين الإخبارية” إن الزيارة المفاجئة للرئيس السيسي إلى السودان، ربما استدعتها التحولات التي حدثت بالمنطقة وبالتحديد التقارب الإثيوبي الإريتري، وفي تقديري فإن القاهرة والخرطوم ترغبان في إعادة ترتيب أوراقهما على ضوء ما حدث من متغيرات.
ورأى أن “كلمة السر” في تقدم العلاقات بين السودان ومصر تكمن في مؤسستي الرئاسة والأمن بالبلدين، التي قادت خطوات خلال الفترة الماضية مكنتهما من السيطرة على الملفات التي دائماً ما تعكر صفو العلاقات الثنائية، من بينها ملف مثلث حلايب وشلاتين واتفاقية الحريات الأربع وحظر المنتجات المصرية من جانب الخرطوم.
وقال إن القاهرة تبنت الكثير من الخطوات الإيجابية؛ من بينهما منع زعيم حزب الأمة المعارض الصادق المهدي من دخول أراضيها، ومنع وسائل الإعلام من توجيه النقد الحاد للسودان وقيادته، مما كان له وقع طيب لدى الخرطوم وأدى لدفع العلاقة إلى الأمام.
بدوره، يرى آدم محمد أحمد، أستاذ العلوم السياسية في جامعة الزعيم الأزهري السودانية، أن زيارة الرئيس المصري للسودان في هذا التوقيت الذي يشهد تحولات إقليمية، تعلن مرحلة جديدة في مسار العلاقات الثنائية وتعزز الثقة بشكل كبير بين الطرفين.
وقال آدم خلال تعليق لـ”العين الإخبارية”، إن التحديدات والمهددات التي تواجه الإقليم تدعو لمزيد من التقارب السوداني المصري وتوطيد العلاقات بالصورة المرجوة، والتعامل مع الذرائع كافة التي من شأنها تعكير صفو العلاقة تحقيقاً لمصلحة الشعبين.
وشدد على أن زيارة السيسي لم تكن مهمة لتعزيز العلاقات مع السودان فحسب، وإنما ستكون لها انعكاسات إيجابية على محادثات سلام دولة جنوب السودان التي تستضيفها الخرطوم، من خلال دور توفيقي ينتظر أن يقوم به الرئيس المصري مع فرقاء الدولة الوليدة.
السفير المصري لدى السودان، أسامة شلتوت، أكد أن القمة ستبحث قضايا أمن البحر الأحمر والأمن المائي والتهديدات الإقليمية، فيما اعتبر خبراء تحدثوا لـ”العين الإخبارية”، أن اللقاء فرصة لتثبيت التحسن الذي شهدته العلاقات بين البلدين مؤخرا.
وقال شلتوت، في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء السودانية الرسمية، إن مباحثات الرئيسين السيسي والبشير ستناقش قضايا سلام دولة جنوب السودان والشأن الليبي، والقضية الفلسطينية والسورية وكل ما يهم الشأن العربي ويؤدي إلى الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط.
وستتطرق المباحثات أيضاً، بحسب السفير المصري، إلى شؤون الجاليتين المصرية والسودانية، والعديد من القضايا المتعلقة بالعلاقات السياسية والتجارية، بجانب المخاطر التي تهدد المحيطين الإقليمي والدولي، ضمن التعاون بين البلدين.
وأضاف أن الرئيسين سيتناولان سبل ووسائل دعم العلاقات، خاصة بعد ترفيع اللجنة العليا المشتركة بين البلدين إلى المستوى الرئاسي والمقرر عقدها بالخرطوم أكتوبر المقبل.
وأشار إلى أن العلاقات شهدت خلال الفترة الماضية المزيد من التطور واللقاءات الثنائية وتفعيل كثير من الاتفاقيات، منها ربط الكهرباء بين البلدين وفتح المعابر، بالإضافة إلى سبل التعاون في المجالات الأمنية والاقتصادية والتجارية والعلاقات البرلمانية.
ووصف شلتوت زيارة السيسي للخرطوم التي تستمر ليومين، بالمهمة والتي تأتي في إطار تطوير العلاقات الأخوية والاستراتيجية بين البلدين.
وقال إن اختياره للسودان كأول بلد يزوره في دورة رئاسته الجديدة، يؤكد حرصه على توطيد وترسيخ العلاقات بين البلدين الشقيقين.
واعتبر مراقبون أن التعامل المصري مع السودان، طوال الفترة السابقة، اعتمد على سياسة “الاحتواء”، وأن لقاءات السيسي والبشير ساعدت على تحقيق تقارب بين البلدين، اعتمادا على المصالح المشتركة، والتي عادة ما تؤكد عليها مصر، في الارتقاء فوق أي خلافات.
وقالت الدكتورة أماني الطويل، مديرة البرنامج الأفريقي بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، إن الزيارة وتوقيتها مرتبط بالتحولات الحاصلة في منطقة القرن الأفريقي، والتقارب الإثيوبي الإريتري، والذي سينتج عنه بالضرورة تحولات في الأوزان الإقليمية، تؤثر بطبيعة الحال على منظومة أمن البحر الأحمر، ومن هنا تأتي أهمية ترتيب الأوراق المصرية السودانية، بما يحفظ مصالح البلدين.
وأوضحت أن رؤية مصر الاستراتيجية للقرن الأفريقي والبحر الأحمر، تهدف إلى الحفاظ على الأمن في المنطقة، ومواجهة طموحات إقليمية توسعية على حساب مصر والسودان، حيث تشكل المنطقة أهمية استراتيجية لأمنهما القومي.
وأشارت مديرة البرنامج الأفريقي بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، إلى أهمية بحث الحالة الليبية، التي أصبحت مقلقة لكلا الدولتين، بسبب تأخر بلورة حل سياسي حتى هذه اللحظة، وهو ما يؤثر بالضرورة على حالة الأمن في كل من مصر والسودان.
وحول مستقبل العلاقات الثنائية بين البلدين وصلابة التقارب بينهما في ظل أمور خلافية ما زالت عالقة، قالت إن التقارب بين البلدين مؤسس في الوقت الراهن على دعم كل طرف للآخر على المستوى السياسي، مدعوم بحالة هدوء على المستوى الإعلامي، متوقعة أن يستمر لفترة ليست قصيرة بالنظر إلى تحولات منطقة القرن الأفريقي وضرورة التعاون البيني.
وأضافت “على المستوى المنظور، وفي ظل توازنات حرجة وتحولات سريعة، سيكون هذا التقارب، صلبا إلى حد ما، ارتباطا في الأساس بالوضع الداخلي في السودان المقبل على انتخابات جدلية العام المقبل”.
بدوره، يرى مشهور إبراهيم أحمد، المحلل السياسي المعني بالشأن الأفريقي، أن القمة المصرية السودانية تأتي في توقيت تسعى فيه مصر لتوطيد علاقاتها الأفريقية، خصوصا مع دول حوض النيل، في ظل المخاطر المحتملة لبناء سد النهضة، ومن المهم في هذا السياق، استطلاع موقف الخرطوم بشكل واضح والتنسيق معها، عبر مشاورات مستمرة، وتبادل للمعلومات، لأن غياب ذلك، ربما هو ما أدى إلى التباين بين وجهتي النظر في البلدين إزاء هذا الملف، وأدى إلى ضعف الموقف التفاوضي، بما يصب في صالح إثيوبيا.
وأضاف “يمكن للقمة أيضًا أن يكون لها بعدها الاقتصادي الهادف إلى زيادة التبادل التجاري بين البلدين، خصوصا أن العلاقات الاقتصادية بين البلدين لا تتناسب مع علاقاتهما التاريخية ولا قربهما الجغرافي، وهو ما يتطلب العديد من الآليات واللجان المشتركة، التي يمكن أن تدرس بجدية الأسباب والمعوقات التي تقف أمام إقامة هذه الشراكة الاقتصادية والاستراتيجية.
وخلال زيارة البشير للقاهرة، في مارس الماضى، اتفق البلدان على آلية تشاورية جديدة لبحث الملفات العالقة، تقوم على اجتماع رباعي لوزيري الخارجية ورئيسي جهازي المخابرات بمصر والسودان.
وتعد هذه هي الزيارة الخامسة للرئيس السيسي إلى السودان، كما أن البشير زار مصر هو الآخر خمس مرات في إطار التعاون وتعميق العلاقات، حيث وصف السفير السوداني في القاهرة عبد المحمود عبد الحليم، زيارة الرئيس المصري لبلاده بأنها “مهمة توقيتاً ومضموناً”.
يمكنك ايضا قراءة الخبر في المصدر من جريدة اليوم التالي