الفولة- آدم محمد أحمد
صدى الحزن القادم من جنوب شرق الولاية يملأ الأفق، وأخبار الصراع بين قبيلتي الحمر والكبابيش تعيشها مجالس الناس على الرغم من تجاوز الأمر عمليا، ووجه مدينة الفولة تغطيه ذرات الغبار، والمدينة ترفض الخروج من عباءة الريف، ذاك رجل يسوق ماشيته يتخطى الشارع، ويحاول سرب الركشات المتتابعة تفادي الاصطدام بأبقار تعبر الطريق، وليس في الأمر غرابة، فتلك حياة يختلط فيها الريف بالبندر.
في سوق الفولة المتواضع وفي جوار ورشة العجلات المتهالكة تجلس الحاجة (آمنة) في انتظار ضيوفها وطلبات الشاي والقهوة، عندما طلبنا منها شاي لبن سألتنا هل تشربون لبن البودرة؟ كانت إجابتنا لماذا البودرة ألا يوجد حليب طازج هنا؟ مع ضحكة خافتة قالت: “رطل لبن الحليب بعشرة جنيهات في هذه المدينة”.. لم تصبنا الدهشة لكون الفولة تسمى مجازا عاصمة البقارة ولكن في الاعتبار أن الوقت صيف وهو توقيت يحمل الكثير من عوامل القسوة لتلك الفيافي، صرير الرياح المتدفقة يغطي على ما تبقى من عوامل الحياة الهادئة وحينها يهرب البقارة جنوبا بحثا عن الكلأ فالطبيعة هناك بدت طاردة لا يحتملها الرعاة وماشيتهم.
ثوب مدينة الفولة الباهت يفضح محاولاتها للتظاهر بأنها عاصمة لولاية، ولكن يميزها فقط كثرة الشوراع المسفلتة في بطنها مثل الشرايين المتقاطعة، كأنها أرادت أن تدخل إلى أبواب المدن من ذلك المدخل.
في هذا الخضم، يأتي مؤتمر حزب المؤتمر الوطني الذي سينعقد اليوم (الثلاثاء) والولاية تغالب موجة حزن يقول الكثيرون إنها عابرة، فالصراع بين اثنتين من أكبر القبائل في كردفان (الحمر والكبابيش) لا يزال صداه يتردد في مسامع الناس، ورائحة الدم ربما تبدو عالقة في الأجواء، وهو ما يجعل من هذا المؤتمر في غاية الأهمية، وما يفسر ذلك تشريف نائب رئيس الحزب إبراهيم محمود ورئيس قطاع التنظيم فيصل إبراهيم جلسته الافتتاحية، وهذان الرجلان منذ أن بدأت مؤتمرات الحزب التنشيطية ظلا يمثلا قيادة الحزب؛ فكل منهما يقود وفد لوحده ولم يترافقا على أقل تقدير، وهذا يشكل الأهمية المنتظرة.
حاول مجلس الشورى بالولاية تعبيد الطريق للمؤتمرين اليوم، لكونه وضع الأمور في مسارها وناقش الكثير من القضايا والتقارير، ما يميز اجتماع الشورى أنه يضم بين جنباته كل فرقاء الولاية وقبائلهم؛ ففي مقدمة الصفوف كانت تجلس قيادات قبيلتي الحمر والكبابيش إلى حوار بعضهم البعض في حالة من التقارب والانسجام.
على المستوى العملي تجاوزت الولاية إفرازات الصراع الدموي، وكلمات الأمين أبو القاسم بركة والي الولاية تؤكد ذلك؛ فالرجل الذي تختلف الآراء حول إدارته للولاية، خاصة المناهضين له، بدا واثقا مما قدم من جهد في إطار مسؤولياته كوال تم تعيينه من قبل رئاسة الجمهورية، قال بركة مخاطبا أعضاء الشورى بحضور محمد عثمان كبر نائب رئيس الشورى القومي: “المؤتمر الوطني في غرب كردفان أكثر تماسكا ووحدة مقارنة بالولايات المجاورة”.
بركة دعم موقفه بالعودة إلى الوراء قليلا قبل ما يزيد عن السنة تقريبا، ويقول: “ما قدمناه خلال السنتين والنصف تقريبا كان جهدا مقدرا، والولاية معروفة بأهلها وإرثها التاريخي”، لكنه ربما لدواعي ربط الأحداث واتصالها ومن باب الاعتراف يقف عند الأحداث الأخيرة ويضيف: “صحيح بالأمس كانت ولايتنا تشهد مشاكل واضطرابات وتقاطعات لكن خلال العامين الماضيين كنا نشهد يوما بعد يوما تماسكا في المجتمع ونبذ الخلاف والحرب”، منوها إلى أن “الإشكالات القبلية قد انتهت واطمأن المواطن خلال تلك الفترة وشعروا أن الطريق إلى النهوض لا يمر بذلك”، وزاد: “خلال سبعة أشهر بالتحديد ارتحنا تماما من القتال القبلي وما هو موجود يعود إلى طبيعة البشر التي يحكيها تاريخ البشرية منذ اقتتال ولدي آدم، قابيل وهابيل”، وأشار بركة إلى أن ما تم من صراع بين قبيلتي الكبابيش والحمر لم تجتمع له القبيلتان ولم تخططا لقرار الحرب ولكنها كانت بفعل متفلتين من الجانبين استغلوا ظروف نهب الإبل، وحمل العصابات المتفلتة بقيادة (محميد) من قبيلة الكبابيش و(كدي) من قبيلة الحمر مسؤولية تطور الأمر، منوها إلى أن الحادثة نشبت بسبب سرقة ثلاثة جمال تخص أفرادا من قبيلة الحمر الأمر الذي جعلهم يشكلون قوات إنقاذ لمواشيهم حتى لحقوا باللصوص وتبادل الطرفان النار وأدى ذلك إلى مقتل اللصوص الثلاثة، وأشار بركة إلى أن زعيم العصابة زعم أن أحد المقتولين هو خاله وقدرت روحه بقتل أربعين فرد من قبيلة الحمر، وأضاف: “تدخلت عصابة كدي، وتزعم محمد حسين كدي للثأر لمقتل ابن عمه وضرورة قتل 30 فردا من قبيلة الكبابيش”، وهنا صوب الوالي سهامه نحو الإعلام خاصة ما كتب في الأسافير عن الواقعة، وقال: “ما خرج في الإعلام غير صحيح وكاد يجرنا إلى حرب بين القبيلتين”، لكن بركة عاد وأكد على استقرار الأوضاع وأن حكومته وفرت السبل لذلك بإرسالها حوالي (300) سيارة من الدعم السريع لحفظ الأمن ومنع أي خروقات قد تحدث.
لم يتعمق كبر في حديثه أمام أعضاء الشورى كثيرا في الأحداث وما تلاها، وأشار إليها بطرف كلماته، مما يشير إلى أن الرجل ربما لا يرغب في نكأ الجرح الغائر، لكنه طاف بعيدا في أجواء الشورى ودهاليز الحزب الحاكم، وقال إن ممارسة الشورى واحدة من المؤشرات الحقيقية لنجاح الحزب الحاكم، ومقومات بقائه، منوها إلى أن المناكفة والمهاترة تتحول إلى قضية لا علاقة لها بالشورى، ولكأن كبر قرأ ما يدور في أذهان الناس وتساؤلاتهم عن الحكومة، وقال: “الآن نمرُّ بمرحلة مخاض بدأت منذ الوثبة الشهيرة”، وأضاف: “نفد الصبر حول انتظار الحكومة، ولكن نؤكد أن الإجراءات تمضي ولا يجب أن ينشغل الناس كثيرا لأنه بالتأكيد هناك مسبب يتمثل في المشاورات لعدد كبير من القوى المشاركة، وهذه عملية لا يعرفها إلا الذي يعيشها”، وأضاف: “لا نريد أن نبرر للتأخير لكن الدقة تتطلب هذا التأني”، وأشار كبر إلى أن اختيار أعضاء البرلمان والمجالس الولائية قطع شوطا طويلا ومضى إلى النهاية ولم يتبق إلا إعلانهم.
يمكنك ايضا قراءة الخبر في المصدر من جريدة اليوم التالي