مثل أحد ثقلاء الدم أمام قاضي محكمة.. بادره القاضي سائلاً: اسمك.. رد عليه الرجل: أنا يا مولانا؟.. صاح فيه القاضي.. أيوة أنت.. فقال الرجل: حسن صالح.. سأله القاضي: ساكن وين؟.. الرجل: أنا يا مولانا؟.. ضغط القاضي على أعصابه وقال: أيوة أنت.. في زول غيرك هنا؟.. فقال الرجل: ساكن الصحافة يا مولانا.. سأله القاضي: شغال شنو؟.. الرجل: أنا يا مولانا؟.. كان الغضب قد بلغ بالقاضي مبلغاً.. فزمجر فيه قائلاً: لا أنا.. فما كان من ثقيل الدم إلا أن إجابه بهدوء يحسد عليه: أنت شغال قاضي يا مولانا!!
حملت إلينا الصحف السيارة في الأيام القليلة الماضية خبراً سعيداً للأمة السودانية جمعاء.. فقد هنأ القضاء السوداني السيد رئيس القضاء بتخرج ابنته من المرحلة الجامعية.. وهذا لعمري خبر سار.. أثلج صدورنا وقد اطمأنت قلوبنا لمستقبل الأميرة الصغيرة وعقبى للبقية من إخوتها الأعزاء.. والحقيقة عندما قرأت الخبر السعيد.. لا أدري لماذا تذكرت سعيد صالح في مدرسة المشاغبين وهو يقول بأعلى صوته: (مرسى بن المعلم الزناتي اتقتل يا رجالة بالإنجليزي).. مع مفارقة الخبرين.. لقد قاربت أن أصيح بأعلى صوتي بأن (ابنة رئيس القضاء قد تخرجت من الجامعة…) زغردي يا انشراح.. في زمن ننتظر فيه الفصل في قضايا الفساد.. وأظلتنا أخبار التحلل الذي وصل المليارات.. لم يفتح الله على آلية الإعلام بالسلك القضائي إلا بتهنئة رئيس القضاء بنجاح ابنته حفظها الله ورعاها..
تذكرت أنني قرأت قبل فترة ليست بالقصيرة.. تهنئة لرئيس مجلس إدارة أحد كبرى شركات الاتصالات.. تهنئة من غير مناسبة.. أرادوا أن يقولوا لرئيسهم: (نحن قاعدين.. نظرة بالله).. كالوا فيها من المدح والتمجيد له حتى ظننت أنه سيورثهم.. وها هي الظاهرة تستشري لتصل إلى المؤسسات الحكومية.. والحساسة مثل السلك القضائي.. يبدو أننا نسير بخطى حثيثة إلى عهد شعراء المدح.. والخطب الرنانة.. وتستعر المنافسة أمام أبواب أصحاب النفوذ.. كل يبرز ما لديه من كلمات جميلة.. و(يدعي حب سيف الدولة الأمم).. غايتو كاتب تهنئة رئيس القضاء.. يستحق الإشادة فعلاً.. فقد اختار المناسبة الصحيحة.. تخرج الابنة.. وأبيها ليس فقط كبطل قصتنا أعلاه (قاضي يا مولانا).. لكنه رئيس القضاء شخصياً.. كذلك فقد كانت التهنئة خالية من أية أخطاء لغوية أو نحوية.. لذلك أرى أن تتم مكافأته بمنحه ألف ألف دينار.. ومائة من النوق العصافير.. وبستان به كل أنواع الثمار.. وأن تسير بخبره الركبان.
ختاماً وفي غمرة الفرحة بتخرج الأميرة.. لا ننسى أن نهنئ معها عبر هذه الزاوية المتواضعة.. كل أفراد دفعتها الذين شاركوها التخرج.. ولم يحالفهم الحظ في أن يكونوا أبناء متنفذين في الدولة حتى تزدان الصحف بأسمائهم.. هنا من زاوية (صباحكم خير) نزف التهانئ إلى كل الخريجين.. أبناء العمال والسمكرجية.. المزارعين والعطشجية.. الموظفين والمعلمين.. المهندسين والأطباء.. أصحاب الدكاكين والطبليات.. أبناء الكادحين العائدين مع الظلام من المصانع والحقول.. نزف إليهم التهانئ بنجاح أولادهم وتخرجهم.. ونهديهم أغنية النجاح: (إن شاء الله يا بسام تتحقق الاحلام.. تظهر نتائج العام.. وتكون من الناجحين..)
الجريدة
اقرا الخبر ايضا من المصدر من هنا عبر صحيفة الراكوبة نيوز