الخرطوم – الزين عثمان
ملتقطاً الاستفهامات قبل الابتسامات، يوجه مصور القصر الجمهوري، كمال عمر، عدسته نحو رئيس الجمهورية عمر البشير، الذي كان يجالس زعيم حزب الأمة القومي إمام الأنصار الصادق المهدي.. كان المصور عمر يرسم مشاهد عقد قران وزواج مساعد الرئيس بالقصر الجمهوري اللواء عبد الرحمن الصادق.
صور الزواج التي غزت الميديا أعادت إلى الأذهان السؤال المتعلق بطبيعة العلاقة بين السياسي والاجتماعي.. في المشهد السوداني يشارك البعض صورة الغريمين في المسرح السياسي مقرونة بالتساؤل: هل ما يجري هو تسامح سياسي أم نفاق اجتماعي؟
مثلت الصورة التي تجمع رئيس الجمهورية مع أكبر معارضيه دليلاً يستخدمه من يقولون بعدم وجود كيان معارض في البلاد، وأن الأمر لا يعدو سوى كونه لعبة في مسرح اللا معقول السوداني.. قال أحدهم إن الاتفاق في هذا الزواج تجاوز علاقة العريس اللواء بزوجته إلى اتفاق بين السلطة ومعارضيها، لم ينس البعض في الوقت ذاته أن يرسم العلاقة بين صورة زواج عبد الرحمن وصورة تكريم والده في احتفالات البلاد بأعياد الاستقلال في عام (2013). والصورتان تؤكدان فرضية عدم جدية الإمام في مقاومته للسلطة التي انقلبت عليه. ربما حاول من يريد التوظيف السياسي للصورة المضي في هذا الاتجاه لتعضيد رؤيته المعارضة للسلطة ومعارضتها في الوقت ذاته، وهو تحليل يبدو ناقصاً في حال إهمال الجوانب الأخرى المتعلقة بالحراك السوداني في عمومياته، وهو حراك بالنسبة لكثيرين يصعب فيه الفصل بين الاجتماعي والسياسي، بل إن فريقا يرى وجوب الاتفاق لطالما هزم الاجتماعي السياسي في ما يتعلق بممارسة السياسة في السودان.
في تعليقه على ما يجري يقول أستاذ الاجتماع السياسي ورئيس قسم العلوم السياسية بجامعة النيلين الدكتور عوض أحمد سليمان: “بشكل عام يمكن القول إن البيئة الاجتماعية أكثر تأثيراً في السودان من الجوانب السياسية، وهو أمر يرتبط بشكل كبير بطبيعة المجتمع السوداني وتعامله مع القضايا العامة”.. يضيف عوض أن الصورة يمكن التعامل معها في إطار حالة التسامح العام في البيئة السودانية، لا أكثر ولا أقل.. مؤكدا أنها لن تكون الصورة الأولى ولن تكون الصورة الأخيرة في المناسبات الاجتماعية؛ ففي كثير من المناسبات الاجتماعية يمكن أن يكون الرئيس وكيلاً للعروس ويكون الإمام وكيلاً للعريس؛ فهناك قدرة كبيرة للفصل بين القضايا السياسية وتلك الاجتماعية، ويجب ألا يتم تحميل الأمر أكثر مما يحتمل.. لكن عوض يضع سؤالاً آخر يتعلق بالعجز من قبل النخبة السياسية في توظيف التسامح والقبول الاجتماعي لتحقيق وفاق سياسي، وهو السؤال الأكثر إلحاحاً الآن من أي وقت مضى.
في ذات السياق، فإن البعض يقرأ الصور المبثوثة في الميديا من خلال الظرف الموضوعي الذي تم التقاطها فيه، وهو الظرف المتعلق بزواج نجل الإمام الذي يعمل في الوقت نفسه مع الرئيس في القصر الجمهوري، وهو مشهد للمشاركة الاجتماعية يظل حاضراً في كل البيوت السودانية، حيث لا يمكن بأي حال من الأحوال عزل الرئيس ورئيس أكبر منظومة سياسية معارضة عن العمل في السياق العام الذي يضبط القيم الاجتماعية داخل البلاد؛ فالأمر هنا يتجاوز حالة الخلاف السياسي الذي يظل حاضراً لصالح تحقيق حالة من الوفاق الاجتماعي تبدو مطلوبة في هذا الوقت من تاريخ السودان.
المهدي العائد للبلاد بعد غياب قارب للسنوات الثلاث بعد موقفه المغاضب من السلطة الحاكمة، واختلافه حول طريقة إداراتها للبلاد وتأكيده على أنها لا تملك حلولاً للقضايا الملحة آنياً، بدا متمسكاً بموقفه السياسي الرافض للتقارب مع الوطني وفقاً لمخرجات حوار القاعة الذي لم تكتمل ظروفه الموضوعية التي تقود لمعالجات شاملة، لم ينس عند حضوره أن يقدم نفسه في (نيولوك) باعتباره داعية للتصالح الاجتماعي وللتسامح من خلال موقعه كرئيس لحزب الأمة القومي وإمام للأنصار، وهو الأمر الذي يتطلب منه إعلاء قيمة قبول الآخر وتجاوز الترهات من الأمور في سبيل تحقيق الغاية المثلى التي ينتظرها منه الجميع. المفارقة تبدو في أن الصورة التي سبقت صورة عقد قران عبد الرحمن الصادق كانت صورة تجمع الإمام ببعض جنود الدفاع الشعبي في نشاط بمحلية أمدرمان، تمت دعوته إليه مع الوضع في الاعتبار أن الوجود بمعية من كان يقاتلهم الإمام حين انخراطه في التجمع الوطني الديمقراطي أقل حدة من وجوده في حفل زواج ابنه بمعية الرئيس.
في التأكيد على أن الصورة المشتركة لا يمكن إخراجها من سياق التواصل الاجتماعي بين مجمل السودانيين، فإن البعض يستعيد صورا من التاريخ السياسي السوداني في عمومياته، وهو التاريخ الذي يمثل السكرتير السياسي للحزب الشيوعي السوداني الراحل محمد إبراهيم نقد بطله المتوج، وذلك عبر مجموعة من الأحداث ابتدرها الراحل جعفر نميري في احتفالات مدرسة حنتوب حين منحه الأمان للمشاركة في الاحتفال وصورة أخرى كانت تجمع نقد بالسيد الصادق المهدي، وهو يطبع قبلة على رأسه.
كان اللواء عبد الرحمن هو الفارس المتوج بحضور والده الذي يقول البعض إن واحداً من أسباب عودته للبلاد المشاركة في هذا الحدث مع وجود رئيسه في القصر وقائده في الجيش في ذات التوقيت المشير البشير.. وضبط المصور كمال عمر عدسته على ابتسامات فرقاء السياسة.. كانت لقطة تخبر الجميع أن السودانيين بذات قدرتهم على الاختلاف يمتلكون مقدرات التقارب الاجتماعي الذي يبعث على الدهشة، طالما ميزت من يجلسون (وسطاء) بينهم.. فكيف لمن يملكون كل هذه المقدرة على التواصل الحميم فيما بينهم أن يتصارعوا؟
يمكنك ايضا قراءة الخبر في المصدر من جريدة اليوم التالي