حوار – خالدة ود المدني
** ولاية جنوب كردفان، من الولايات التي شهدت تدهوراً كبيراً في جميع المجالات، بفعل الحرب التي اندلعت فيها مؤخراً، ولكن في الفترة الأخيرة شهدت استقراراً نسبياً بفضل الجهود التي بذلها واليها عيسى آدم أبكر، الذي التقت به (اليوم التالي) وطرحت عليه عدداً من الأسئلة المتعلقة بالخدمات الأساسية والتنمية.. وسألناه في حوارنا عن الوضع الأمني في ولاية جنوب كردفان، والعائدين من التمرد، والاستقرار النسبي الذي شهدته الولاية، وخطتها للمحافظة على هذا الوضع وتحسينه إلى الأفضل، ودور الإدارات الأهلية بجنوب كردفان في تحقيق السلام، وسألناه كذلك عن فلسفته الرافضة لقيام معسكرات للعائدين من التمرد، وعرجنا معه إلى مشاريع التنمية التي تحتاجها الولاية ومحلياتها ومناطقها المختلفة، بجانب الوضع الصحي وتقديم الخدمات الصحية بالولاية، ونفور الكوادر الطبية من العمل بالمنطقة كونها منطقة نزاع، والمجهودات التي قامت بها الولاية لمعالجة الأمر، وتطرقنا إلى كهرباء الولاية، والطرق والجسور التي تعتبر العمود الفقري للتنمية في الولاية.
*كيف تنظر للوضع الأمني في ولاية جنوب كردفان الآن؟
“من رأى ليس كمن سمع”، وأنتم الآن وجوداً بيننا ترون السلام واقعاً معاشاً.
*نعم هناك أمن واستقرار نسبي بالولاية، لكن ما هي خطتكم للمحافظة على هذا الوضع وتحسينه إلى الأفضل؟
منذ أن توليت أمر الولاية، كان هدفي الأساسي بسط الأمن وتثبيت دعائم السلام، كونها ولاية مأزومة ولا يمكن تنميتها دون أن يتحقق السلام، وبالفعل سعينا خلال العامين الماضين لتحسين الوضع الأمني، وفي السابق كانت تقذف مدنها الكبيرة، بجانب الهجمات الأخرى وقطع الطرق، كالطريق القومي الذي يربط بين الأبيض وكادوقلي، والطريق الشرقي الذي يربط أم روابة والعباسية، وكان السفر يتم عن طريق الطوف أو الحراسة المشددة، لكن الآن قد أصبح هذا الأمر من التاريخ.
* من خلال حديثك نستطيع أن نقول الولاية خالية من التمرد؟
بفضل القوات المسلحة، والقوات النظامية الأخرى، رجعت عدة مدن ومحليات إلى حضن الوطن، مثل (الأرزق والمشتركة وأم سردبة) وغيرها من المناطق في غرب الولاية، وبذلك انزوت الحركة في مناطق مقفولة، مثل (محلية هيبان وأم دورين والبرام)، ولكن في الصيف الماضي أصبح معظمها تحت قبضة الولاية.
* وماذا عن بقية المناطق المقفولة التي تسيطر عليها الحركة الشعبية؟
لولا قرار الرئيس بوقف إطلاق النار، كانت كل القوات المسلحة متجهة إلى (كاودا)، حيث نهاية التمرد ولكن نظر الرئيس لضرورة منح عقلاء قادة التمرد سانحة لسماع صوت العقل والحوار مع الحكومة.
* ما دور الإدارات الأهلية بجنوب كردفان في تحقيق السلام؟
اتفقنا مع القيادات الأهلية على أن تتحرك داخل الولاية، وبالفعل كان لها أثر ملموس وواضح في دعم السلام وتحقيق الأمن، من خلال تحاور المواطن مع أخيه في الطرف الآخر دون قيود، علماً بأن السلام لا يأتي دائما بالبندقية أو بالحوار المباشر بين الحكومة والمتمردين، لذلك أفسحنا المجال للمواطن لنزع الحرب من نفسه أولاً، وكان ذلك عبر تحرك القيادات الأهلية، ومنهم من تربطه علاقات حميمة مع الحركة الشعبية، وقد بان ذلك أثناء (كتمة 6/6) عندما خرج الجيش الشعبي ورفض هؤلاء أن يخرجوا تضامناً معهم، ومن ثم عقدنا مؤتمراً وخاطبنا فيه كل شرائح المجتمع بأحزابهم للتفاكر في السلام بأسلوب مجتمعي، ووفرنا إمكانيات كبيرة للإدارات الأهلية كونها تقود المجتمع في الولاية، وانطلقوا إلى الجبال لكي يتفاوضوا مع أهلهم وكان حوارا مجتمعيا ناجحا، قصدنا منه إشاعة السلام في نفوس الناس بجانب إشراكهم في تثبيت دعائم السلام وبالتالي بسط الأمن.
* بفعل الحراك المجتمعي المكثف الذي قامت به الإدارات الأهلية.. هل انضم بعض المتمردين إلى عملية السلام وعادوا إلى مناطقهم؟
نعم.. نستقبل كل أسبوعين أكثر من (600) عائد من التمرد، حتى صعب علينا إيواؤهم ما جعلنا نكون لجنة برئاسة وزيرة الرعاية الاجتماعية، ودعينا كل المنظمات والمؤسسات الحكومية التي تعمل في مجال الإيواء والكساء والغذاء، إضافة إلى مساندتهم لبداية حياة جديدة ومستقرة ووجدوا الترحاب من قبل إخوتهم الموجودين.
* لاحظنا من خلال تجوالنا في “كادوقلي” عدم وجود معسكرات للعائدين من التمرد رغم تدفقهم بأعداد مقدرة بحسب قولك.. ما هو السبب وراء ذلك؟
نحن نرفض وجود معسكرات، ونستقبلهم في الحدود ومن ثم يشرف على أمرهم قائد الإدارة الأهلية أو العمدة أو المك أو الأمير الموجود لكل قبيلة، ويتم توزيعهم واحتواؤهم، حتى اطمأن قيادات الحركة الشعبية أنفسهم وأرسلوا أسرهم لإنقاذهم من الأوضاع المزرية عندهم، ومنهم من استقر هنا وآخرون ذهبوا إلى الخرطوم مباشرة.
* وماذا عن التنمية التي تحتاجها الولاية ومحلياتها ومناطقها المختلفة؟
عندما يتوفر الأمن والاستقرار بلا شك سيسير قطار التنمية دون تعثر، ومن حق مواطن الولاية أن يستمتع بجميع الخدمات من صحة وتعليم ومياه وكهرباء وغيرها، بعد معاناته من ويلات الحرب، وبدأنا بالتعليم كون الجهل هو العامل الرئيس في الحروب والتمزقات المجتمعية، بمعنى أن نبدأ بالمناطق البعيدة والمتأثرة بالحرب بإنشاء مدارس جديدة وترميم القديم منها، وسد فجوة المعلم بتعيين (500) معلم، إضافة إلى إعادة توزيعهم باعتبارهم يتكدسون في المدن الكبيرة بحثاً عن الأمان أثناء الحرب، ومن ثم إشاعة التعليم بغض النظر عن الوسيلة المستخدمة، وهكذا بدأنا بالبسيط ونجحنا حتى وصفنا العام الماضي بعام التعليم، ولأول مرة يجلس للامتحان عشرة آلاف وثمانمائة تلميذ، وكان النجاح بنسبة (86,6 %) مقارنة بأنه لا يتعدى السبعين بالمائة في الأعوام السابقة.
*الولاة متهمون بتنمية الحواضر وتجاهل الريف والقرى الأمر الذي ربما يخلق مزيداً من الغبن داخل الولاية.. كيف تنظر لذلك؟
نحن عملنا العكس وبدأنا من الريف والقرى البعيدة، وذلك لأن المدن يوجد بها المسؤولون وينظرون المشكلات بأنفسهم بالتالي يسهل حلها، ولكن هؤلاء يجب علينا أن نذهب إليهم ونطلع على حاجتهم، ومن ثم نسعى في الحلول المناسبة، ومن أكثر المعضلات التي تواجه إنسان الريف وحتى حيوانه أزمة المياه التي بدأنا بمعالجتها الآن، بالإضافة إلى بقية الخدمات.
*وماذا عن الوضع الصحي بولاية جنوب كردفان وأنت تتحدث عن تزايد عدد المواطنين العائدين من مناطق التمرد الأمر الذي يحتم عليكم مضاعفة العمل في مجال الخدمات الصحية؟
كان اهتمامنا الأكبر بالصحة الأولية، بمعنى أن تشيع الصحة في الريف، وأنشأنا أكثر من (45) مركزاً ووحدة صحية، أما في إدارة المحليات جاء التركيز على المستشفيات الريفية، وفي المدن الكبيرة هناك مستشفيات أخرى مرجعية، بجانب توفير المساعدين الطبيين والأطباء العموميين.
*من خلال الواقع الماثل يبدو أن هناك نفوراً للكوادر الطبية من العمل بالمنطقة كونها منطقة نزاع.. ما هي المجهودات التي قمت بها لمعالجة الأمر؟
سعينا لجذب الاختصاصيين، بوضع حوافز مجزية، علاوة على بعض الخدمات، لا أقول إن الصورة وردية، ولكن مع مرور الوقت تتطور الخدمات الصحية.
*ما زالت ولاية جنوب كردفان تقبع في الظلام الدامس، ما هي خطتكم لربط الولاية بالكهرباء القومية؟
انضمت مدينة الدلنج إلى الشبكة القومية، أما السبب في تأخيرها فهو التوصيل العشوائي للشبكة المحلية، وهذا الخطأ تداركناه بتوصيل بعض الشبكات الداخلية حتى يتيسر دخول الكهرباء القومية، بجانب كهرباء الخط الدائري، وكانت هنالك مشكلات مع الشركة الصينية الآن تم علاجها، لتبدأ من العباسية حتى كادوقلي.. والخط الدائري يحتاج لعامين بالتالي عملنا برنامجاً أطلقنا عليه (جنوب كردفان تودع الظلام)، وهذا يعني توسيع الشبكات القديمة وإضافة أخرى حديثة، وهنالك مدن لن تشهد الكهرباء مثل (التضامن والليري ودلامي)، هذه المناطق استهدفناها أولاً، وشيدت كل التوصيلات بشكل حديث حتى تكون مجهزة للكهرباء القومية، وهذه ليست وعوداً وإنما أموال سددت وبدأ العمل فيها بصورة جادة.
*وماذا عن الطرق والجسور التي تعتبر العمود الفقري للتنمية بالولاية؟
بالتأكيد الخريف يعثر الحركة داخل الولاية، بالتالي يصعب تواصل التنقل بين المحليات، ولذلك كان جل همنا عمل المزلقانات، والكوبري الذي يربط المحلية بالأخرى، مثلاً ربطنا تلودي بكلوقي وتلودي والليري وكذلك كلوقي بأبو جبيهة، وغيرها من الطرق التي تصعب فيها الحركة أثناء فصل الخريف، بجانب الطرق الداخلية في المدن، إضافة إلى تكملة الطريق الدائري الذي توقف نتيجة ضرب المتمردين للعمال الصينيين والذين بدورهم رفضوا استمرارية العمل به، والآن تمت تسوية مع الشركة الصينية وطرح عطاء للشركات الوطنية حتى يكتمل ما تبقى من كيلومترات الطريق الدائري.
يمكنك ايضا قراءة الخبر في المصدر من جريدة اليوم التالي