السودان الان السودان عاجل

د. عبد اللطيف البوني يكتب قطط هزيلة!

مصدر الخبر / الراكوبة نيوز

(1)

للراحل المقيم شاعر الأمة السودانية محجوب شريف قصيدة ينعي فيها رقة حال لص بائس يسرق السفنجات والملايات وبالكاد خروف السماية, بينما غيره يسرق الكحل من العين (هل تصدِّق أنّ غيرك بيسرق ولاية؟) وليت محجوب شريف كَانَ بيننا اليوم ليرى ذات المُفارقة ولكن على وساعٍ أكبر!! فبيننا اليوم من يتلاعب ببنك مركزي بحَالِهِ!! بينما آخر بائسٌ يسرق تقاوي المُزارعين وليتها كانت سرقة كاملة, بل كانت مُجرّد فرق سعر يروح مع قُفة المُلاح (حاجة تقرف)!

(2)

في الأسبوع الماضي تَحَدّثنا هنا بألمٍ ولهجةٍ حَادّةٍ لم نعتدها من قبل عن عَدم تَوفُّر تقاوي القمح المُحسّنة وحَذّرنا من ضياع المُوسم، وبعد انتشار ما كتبنا انكشف لنا بمَا لا يدعو مجالاً للشك أنّ التقاوي المُحسّنة مُتوفِّرة في السُّوق الأسود ذات التقاوي المُحسّنة التي يجب أن تصرفها الإدارة والبنك الزراعي بدرجةٍ أقل، استلمها بعض من يدّعون تمثيل وقيادة المُزارعين وباعوها بفارق سعر يتراوح بين الستمائة والثلاثمائة جنيه للجوال..!

في ذات الأسبوع الماضي كتبنا هنا أن إدارة المشروع ما كان ينبغي لها أن تدخل نفسها في زراعة القمح لأنّه ليست لديها الآليات التّنفيذيّة التي تُتابع بها الأمر، فالإدارة في الوضع الجَديد ينبغي أن تكون إدارةً رَشيقةً تَقُوم بدورٍ فني كمُستشار للحكومة وللمُزارع، فالمُزارع الذي يُريد تمويلاً يذهب للبنك مُباشرةً أو يدخل في شراكةٍ تعاقديةٍ مع الشركات التي تطرح نفسها كمُموّلٍ، ولكن الإدارة رَكبت رأسها فاستلمت التقاوي وهي لا تملك مَخازن ولا مَخزنجية خَاصّةً في المَناقل، حيث سُويت المخازن بالأرض فأعطتها لهذه القطط الهزيلة لتتصرّف فيها (صغارة نفس)..!

(3)

مشروع الجزيرة يعيش فراغاً تمثيلياً، بمعنى لا تُوجد جهة تمثل المُزارع بعد حل الاتحاد، فتنظيمات أو روابط المُنتجين والتي كُوِّنت بليلٍ لم تتّخذ شكلها النهائي بعد فالدولة مازالت تُعاكس فيها، فهذه التنظيمات هي التي تَسبّبت في كارثة التقاوي على حسب الأسماء التي نُشرت في وسائط التواصل الاجتماعي، فَمَا قَامت به يدل على أنّها مُستجدة في الفساد، بل لا تَعرف كيف تفسد، فالاتحادات السّابقَة مهما كان رأينا فيها إلا أنّها حريفة، كانت تعرف متى تهبر ومتى تملأ، كما أنّها تَعرف كيف تبقى على ضحاياها على قَيد الحَياة (مُش تسرق من مَرحلة التقاوي)..!

(4)

قبل عدة أعوام كان لي شريكٌ، اتّفقت معه على زراعة عشرة أفدنة، فَوفّرت كُلّ المُدخلات من تَقاوٍ وأسمدة، ولكن لسُوء حَظِّه عند ساعة رمي التيراب اكتشفت أنّه بَاعَ نصف التقاوي المُحسّنة ونصف السَّماد! فقلت له إنّك لا تعرف السَّرقة.. ففي هذه المرحلة كان ينبغي أن تزيد التقاوي إذا أمكن وتضاعف الأسمدة حتى يكون الإنتاج كبيراً وساعتها يُمكن تسرق ما تشاء في مرحلة التّسويق وأنا لا أشعر بذلك.. فتذكّرت قصيدة محجوب شريف فأشفقت على حاله وقلت له ياخي الله لا كَسّبك ولا غَزّ فيك بركة (نحن نلقاها منك واللاّ من الناس الفوق؟)..!

(5)

أذكر يومها، إنّني كتبت ساخراً وقائلاً: طالما أنّ الفساد أصبح قَدرنا في هذا الزمن الأغبر فالدولة ممثلةً في قيادتها تعبث كما تَشاء، والحكومة ممثلةً في دستورييها تضرب في دف الفساد، والحرامية الصغار يَسرقون مرايات العربات والتقاوي! وبما أنّ فسادنا السوداني فسادٌ غبيٌّ ومكشوفٌ فما رأيكم في معاهد لتطوير الفساد؟ وحجّتي في ذلك أنّ الطبقة الرأسمالية في كل الدنيا نشأت على الظلم وَهضم حُقُوق الغير (فائض القيمة عند ماركس) وقول سيدنا علي كرم الله وجهه (ما اغتنى غني إلا بما افتقر به فقير).

لكن الرأسمالية الغربية بمرور الزمن أصبحت حريفة تُراعي حالة ضحاياها لا بل تَمدّهم بما يحتاجون لدرجة الرفاهية، بينما نحن مُفسدونا يفسدون بطريقة عبيطة تفتك بالضحية فـ(إيدكم مَعَانا لمعهد تطوير الفساد)..!

اقرا الخبر ايضا من المصدر من هنا عبر صحيفة الراكوبة نيوز

عن مصدر الخبر

الراكوبة نيوز