وأنا وغيري كثيرون ممن انتموا ونشطوا في الحركة الإسلامية السودانية منذ خمسينات القرن الماضي، عشنا كيف كان الحب والاحترام للرأي الآخر والشورى هو ديدنها ولكن للأسف تغير كل شيء الآن فحلت المصالح والطاعة بديلا لكل تلك القيم والتصرفات.. كنا ندفع من جيوبنا ولم نكن ننتظر جزاءً ولا شكورا ولا منصبا ولا وزارة ولا ولاية ولا معتمدية ولا وزارة ولا إدارة.. كان كل الهم تحقيق المبادئ التي آمنا بها ونعمل بكل الإخلاص والهمة لتحقيقها لا نخاف فقدان المنصب ولا المصالح ولا الاغتراب عن الأهل..
كانت أدبيات الحركة الإسلامية وشعاراتها هي الدستور الإسلامي الكامل وحكم الشريعة الذي يقوم على الحرية والشورى والعدل والمساواة واحترام الآخر وفى إدارة الحكم على الأمانة والكفاءة (القويّ الأمين) وليس على الولاء وحده.. قاومنا كل الأنظمة السلطوية في السودان وخارجه إقليميا ودوليا لدرجة أنها قدمت الشهداء من أجل ذلك، ولكن هل انطبقت عليها اليوم الآية الكريمة (يا أيها الذين ءامنوا لم تقولون ما لا تفعلون. كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون)..
اليوم الحركة الإسلامية حكمت ثلاثين عاما انتهت ولم تعد تستمع إلى نصائح المواطنين، والحادبون خرجوا يتظاهرون فلماذا يقابلون بإجراءات متعسفة وصلت حد القهر بعكس حديث شريف لسيدنا محمد بن عبد الله قال (الدين النصيحة لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم)؟. ثم ما مقولة أمير المؤمنين العادل عمر بن الخطاب حين اعتبر النصيحة هي هدية للحاكم وليس تآمرا ولا خيانة ولا عمالة.. فما بال أقوام يواجهون النصيحة بالعنف المفرط؟
لقد عجبت أشد العجب حينما قرأت أمس قول بعض شيوخ الدعاة أن من يعارض هو من يرفض الدين، وهذا غير صحيح البتة وكان الأوفق بهم سلوك رسول الله الذى لقى من الأذى كثيرا، ورغم ذلك لم يعامل الآخرين بفظاظة وتعسف.. هذا الأسلوب الذي لا يمت لصحيح الدين.. فتذكرت الآية الكريمة (فما يكذبك بعد بالدين. أليس الله بأحكم الحاكمين)..
ان أسوأ ما فعلته الحركة الإسلامية في السودان أنها أعطت مثالا سيئا لحكم الحركات الإسلامية فأضرت بنفسها وأساءت للدين وأضرت كثيرا بتجارب رصيفاتها في العالم العربى والإسلامي، وما تجربة جماعة الاخوان المسلمين في مصر إلا مثالا. ليت الحركة الإسلامية السودانية فعلت ما فعلته حركة النهضة في تونس وحزب العدالة والتنمية في تركيا: اعتمدوا النظام الحر الديمقراطي عبر انتخابات حرة نزيهة واستحقاقات التبادل السلمي للسلطة بتكريس الحريات العامة، فلو حدث ذلك لكانت الاستجابة للتغيير عبر الانتخابات القادمة وليس التظاهر كما دعا الرئيس فهل يحدث ذلك؟ فلا زالت هناك فرصة أخيرة حتى لا تحدث الفوضى بسبب الفراغ الدستوري!!
هل يتحرك حكماء وعقلاء السودان قبل فوات الأوان؟ أرجو ذلك.
التيار
اقرا الخبر ايضا من المصدر من هنا عبر موقع المشهد السوداني