السودان الان السودان عاجل

عثمان ميرغني يكتب : صناعةُ الأوطانِ..!!

مصدر الخبر / المشهد السوداني

الوطنُ؛ أيُّ وطنٍ، يتكون من ثلاثة أضلاع..

الضلع الأول: القوام البشري.. الإنسان وإنتاجه العقلي والبدني والوجداني.

الضلع الثاني: القوام المادي.. الأصول من الأرض والثروات إلى الفضاء السماوي، والآثار التاريخية الملموسة.

الضلع الثالث: القوام الأخلاقي.. وسأشرحه.. وهو المحك والفيصل في تكوين الأمة والمحافظة على كيانها وبقائها..

هذا المثلث إذا تضعضع منه ضلعٌ تداعت له باقي الأضلاع بالسهر والحُمَّى وانكسر ظهره ومات..

ولأنَّ الضلع الثالث (لا أقول الضلع الأخير فالترتيب هنا غير وارد) غير ملموس، فهو معنوي بالدرجة الأولى، فغالباً تتباطأ بعض الأوطان في قياس درجة أهميته وحتميته فتنشأ حالة التراخي الأخلاقي أو التعايش مع حالة (طُهر الغاية يبررُ رِجس الوسيلة).. فيتحتم السقوط.. سقوطاً أملسَ غير ظاهرٍ أو محسوسٍ إلاَّ متأخراً بعد فوات الأوان.. تدريجياً تذبل الأمة وتتطبع على الهبوط أشبه بركاب الطائرة، حينما تقترب من المطار وتبدأ عملية الهبوط التدريجي.. فيتعايش الركاب مع حالة الاحساس بالهبوط..

ما هو القوام الأخلاقي؟

يشمل القوام الأخلاقي الموروث من الحكمة والتراث ومراقي الفخر الشخصي والجماعي، ودرجات العيب على المستوى الشخصي، وأكثر منه على المستوى الاعتباري الخاص بالمجموعات بمختلف توصيفها، قبيلة، تجمعات جغرافية، حزبية، سياسية، مهنية، بل حتى رياضية في تشجيع وممارسة التنافس الرياضي..

لكن أعلى درجات المكون الأخلاقي هي الدستور ثم القوانين واللوائح التي تنبتُ في تربته.. فالدستور أو القانون ليس مجرد نصوص حاكمة لإجراءات رسمية، بل هو التوصيف المكتوب لما يجب أن يكون عليه قوام سلوك الأمة أفراداً ومؤسساتٍ..

والقوام الأخلاقي.. هو المنصة الرابطة بين ضلعي المثلث الأخريين.. فإذا تآكل هذا الرابط يضعف اتصال الضلعين الآخرين ويبدأ السقوط في تراتبية الانهيار الشامل للأوطان.. بل يفشل الضلعان الآخران في أداء دورهما الطبيعي.. فالضلع الأول، وهو القوام البشري لا تنشأ الفائدة القصوى والغايات المطلوبة منه إلاَّ بقدرة الإنسان على الإبداع.. فإذا وظَّف الإنسان كل طاقته الجسمانية والعقلية من أجل البقاء كائناً حياً لا أكثر، فلن تبعد وظيفته الكونية عن نظيره من الحيوانات الأليفة أو المتوحشة.. والتفاوت الآن بين الأمم في قدرتها على تعزيز منتوج إنسانها العقلي والذي يدفع بمستوى الحياة والرفاهية للجميع وليس للفرد في حدوده الضيقة..

حسناً؛ كيف يمكننا ترفيع الإحساس العام بالضلع الثالث، القوام الأخلاقي للدولة؟ الإجابة سهلة، فطالما أنَّ الإنسان مجبول على الإحساس بالملموس فلماذا لا نحول المكون الأخلاقي إلى أرقام ومقادير قابلة للمس.. كيف؟

فلنأخذْ مثالاً واحداً، ما هو العائد على الوطن والمواطن من دستور موفور التوقير، مُطاع ثُم أمين؟ إذا لم تكُ الإجابة على هذا السؤال محمولة على أرقام حقيقية فسيظل الإحساس بأهمية الدستور أقرب إلى افتقار كوب الشاي لنكهة النعناع..

بالأرقام المجردة من الهوى، دستور مطاع يعني رفاهية لكل الأمة، وتفاصيل الأرقام ترصدها عناوين كثيرة على رأسها (الاستثمار).. في حوار مع صحيفة “التيار” قبل أكثر من عام قال السفير الأمريكي، إنَّ أكثر الأسئلة التي تطرح من راغبي الاستثمار في السودان عند اتصالهم بالسفارة الأمريكية بالخرطوم، عن القانون ومدى احترامه من جانب الحكومة قبل الأفراد.. واضح –جداً- أنَّ الدستور والقانون هنا يعني المال والاستثمار وفرص العمل والرفاهية.. بالأرقام..

تحويل القوام الأخلاقي للدولة إلى (أصول) حقيقية هو المدخل لبناء دولة السودان الحديثة.

ومن هنا نبدأ.

التيار

اقرا الخبر ايضا من المصدر من هنا عبر موقع المشهد السوداني

عن مصدر الخبر

المشهد السوداني