السودان الان السودان عاجل

علي الصراف يكتب : قبل الانقلاب على البشير .. يتعيّن أن يُقال للناس ؟

مصدر الخبر / الراكوبة نيوز

قبل الانقلاب على سلطة البشير، يتعيّن أن يُقال للناس من أين ستأتي الموارد لمعالجة المشكلات الاقتصادية التي يعاني منها السودان، وليس فقط كيف سيتم حكمهم. هم محكومون أصلا. ولقد جربوا أنماطا شتى من حكم أحزاب المعارضة ذاتها.

مكابرة النظام
تظهر سلطة الرئيس السوداني عمر البشير مقدارا واضحا من المقاومة ليس حيال تظاهرات الناس، ولكن حيال فشلها بالذات. سجلّها المروع في الاقتصاد ليس أقل ترويعا من سجلها في الإدارة العامة أو السياسة، أو غيرها من العوامل التي أدت إلى تمزق السودان، وهي صامدة فيه.

هناك سبب لهذه المقاومة. هو أن هذه السلطة لم تجد من يقدم لها بديلا مقنعا، ليس بعد، على الأقل. فبرغم كل محاولات الجمع بين أحزاب المعارضة المختلفة، وبرغم تعدد الجبهات المناهضة، والتي كثيرا ما تزعم الوحدة ورصّ الصف، إلا أنها جميعا لم تبدُ بديلا قادرا على أن يشكل تحديا حقيقيا.

لعبت سلطة البشير على هذا الوتر. وهي أدركته استغلالا، حتى أنها شاركت المعارضين في معارضتهم! وهذا سبيل لم تتبعه الدكتاتوريات المألوفة. وتعمّد البشير أن ينقلب على جماعته، وأن يجعل جماعته تنشق على نفسها من أجل تفتيت الرؤية.

عندما ينظر السودانيون إلى أطياف المعارضة، يصيبهم الزوغان. وهم عندما تظاهروا، هذه المرة وقبلها، فقد فعلوا ذلك بالنظر إلى رغيف الخبز، لا إلى أحزاب المعارضة. وسواء وجدوا من تلك المعارضة دعما أو لم يجدوا، فإنهم لم يحملوه على محمل الجد. فهم كانوا ينظرون أيضا إلى مساومات تلك الأحزاب مع سلطة البشير بحثا عن موطئ قدم أو دور أو مكانة ضائعة.

هذا كله سمح للبشير بأن يتغطرس على شعبه. وأن ينفرد به انفراد لاعب كرة قدم بمرمى لا حارس له. حتى أنه بات يسجل أهدافه بعصاه لا بقدمه. فيلوح بها للمحتجين، أو يرتدي بزته العسكرية على سبيل المزيد من التهديد. ولكي لا يترك الانطباع بأنه “جنرال لا يكاتبه أحد”، فقد جعل من زيارته إلى دمشق والدوحة تأكيدا بأنه مازال يملك من يسنده على جدار الفشل. ولكي يستلهم المزيد.

هذا يعني أن معركة السودانيين الراهنة ضد نظامهم ستظل مؤهلة للفشل كما فشلت عدة انتفاضات سابقة. ومن أجل طرافة التراجيديا فإن الأوضاع التي كانت تعود لتزداد سوءا مع كل انتفاضة تنتحر على أسوار قصره، تعني أن المستقبل كالح جدا.

سوف يوزع نظام البشير حبوب المسكنات من أموال الدعم التي يحصل عليها، على كل مؤهل لقبول الرشوة السياسية. ولسوف تنتهي القصة.

وعندما أقر رئيس وزرائه بأن “مطالب المتظاهرين مشروعة”، فمن أجل أن يوزع بركات الرشوة عليهم أيضا ويمتص احتجاجاتهم.

السودانيون شعب صبور بفقره. وهذا عامل إضافي يجعل سلطة البشير قادرة على البقاء لفترة كارثية أبعد فشلا. وهم متسامحون إلى درجة أن دماء كل الذين سقطوا برصاص الاحتلال للقصر الرئاسي، سوف تُمحى أيضا كما محيت عذابات الذين تعذبوا وأهينوا في “غرف الأشباح” التي أعدها النظام لمن يستشرس في معارضته. وهم حتى عندما بدأوا التظاهرات الراهنة، فقد أظهروا معه لطفا، هو الذي لم يلطف بهم.

زوغان النظر هو السبب. وتفتت المعارضة هو مصدر هذا الزوغان. لا يوجد برنامج إنقاذ وطني تمكن الثقة به. البرامج المتاحة مجرد برامج سياسية لا دليل على قدرتها على الصمود. إنها برامج تقصد إزاحة سلطة البشير بالدرجة الأولى، لا إزاحة الفشل.

يصعب على المرء أن يتكهن إلى أي مدى يمكن للتظاهرات الراهنة أن تستمر. كما يصعب التكهن ما إذا كانت سوف تشتد عودا أو تتصلب برؤية وطنية واضحة. ولكن المطلوب من كل أولئك الذين يزعمون معارضتهم لنظام البشير أن يتفقوا على تصور مشترك. ليس لتقاسم السلطة أو لإعادة ترتيب أثاث القصر الرئاسي، وإنما لإعادة بناء الاقتصاد والمؤسسات العامة.

هذا عمل شاق، أكثر بكثير من رفع الشعارات وتسطير البرامج المتعلقة بالدعوة إلى انتخابات أو تشكيل حكومة إنقاذ.

قبل الانقلاب على سلطة البشير، يتعيّن أن يُقال للناس، من أين ستأتي الموارد لمعالجة المشكلات الاقتصادية التي يعاني منها السودان، وليس فقط كيف سيتم حكمهم. هم محكومون أصلا. ولقد جربوا أنماطا شتى من حكم أحزاب المعارضة ذاتها. ثم انتهوا إلى ما هم فيه.

لقد حان الوقت لبداية أخرى؛ لمنعطف حقيقي في طبيعة الإدارة الوطنية ومسؤولياتها. هذا المنعطف يستوجب أن تخرج كل الأحزاب من السلطة! وليس فقط حزب الرئيس. على الأقل لكي تثبت للسودانيين بأن القصة ليست قصة من يتولى الحكم، بل من يتولى المعالجة، وكيف يتولاها، ومن أين يأتي بالموارد اللازمة لوقف التدهور على الأقل.

الأزمة في السودان خطيرة إلى درجة أن البلد أصبح قابلا للتفكك. وهو على فقره إنما يعدُ بصومال أو صومالات أخرى. وهذا ليس في صالح أحد.

قبل الانقلاب على سلطة البشير، يحسن التوصل إلى برنامج إنقاذ وطني، يبدأ من الاقتصاد، لا من السياسة. ويحسن أن تتولاه خبرات وطنية وحكومة تكنوقراط.

يحتاج السودان، من دون أدنى شك، إلى انتخابات برلمانية ورئاسية جديدة. ولكن ليس من أجل تدوير الكراسي. الكل يحسن أن يضع يد الخبرة في السلطة والكل يحسن أن يخرج منها. هذا هو الطريق الذي فشلنا في الأخذ به عندما اندلع “الربيع العربي”، فحلّت الفوضى.

لم نكن نملك رؤية واضحة لما بعد سقوط هذه السلطة أو تلك. لم نكن نعلم ماذا نريد من الأساس، أو كيف نحققه. ولم تكن بين أيدي النخب الوطنية وسائل تتيح لها أن تحوّل ما قرأته من المعارف إلى أدوات عمل.

عد إلى تونس ساعة غادرها الرئيس زين العابدين بن علي. ستجد فوضى فكر أعم من فوضى الشوارع. فكسب رعاع الإسلام السياسي السلطة. ولم يقدموا حلا بل زادوا في عمق المشكلة، وأضافوا عليها بلايا أخرى.

الشيء نفسه تكرر في مصر. وأسوأ منه وقع في سوريا عندما رفع الرعاع -كل الرعاع- سلاحهم. هذا الحال، يجب ألّا يتكرر في السودان.

النظام هناك يجب أن يزول لأنه عائق. ولكنك لن تستطيع أن تدفنه من دون رؤية واضحة لما سيحدث في اليوم التالي. لقد قمنا بدفن أنظمة أخرى. ولكن حالما انتهينا من قراءة الفاتحة، بدأنا الملاكمة. وهذا شيء دل على عزلة النخب، وهزال المعارضة، وضحالة المجتمع، في آن واحد. ولعله يمكن للسودان أن يفعل شيئا آخر.

علي الصراف
كاتب عراقي

اقرا الخبر ايضا من المصدر من هنا عبر صحيفة الراكوبة نيوز

عن مصدر الخبر

الراكوبة نيوز