اميره الجعلي – الانتباهة / برزت وربما للمرة الأولى، مفارقة واضحة بين ما تعلنه الأجهزة المختصة والجهاز التنفيذي، وبين التحقيقات التي يجريها النائب العام، الأمر الذي فسره البعض بأن ذلك يعتبر انشقاقاً بين الأجهزة العدلية والتنفيذية في الحكومة، وبرز ذلك من خلال نتائج التحقيق حول وفاة معلم خشم القربة أحمد الخير والتي أعلنتها النيابة العامة على لسان رئيس اللجنة للإشراف على التحقيقات والأحداث الأخيرة عامر محمد إبراهيم في مؤتمر صحافي بوكالة السودان للأنباء مساء الخميس الماضي والذي كشف عن أن المعلم المذكور توفي نتيجة لإصابات متفرقة في جسمه، مؤكداً أنه لم يتوف نتيجة تسمم كما أكد جهاز الأمن والشرطة في ولاية كسلا .
وقوبل تصريح النيابة العامة بصدى واسعاً في كافة وسائل الإعلام، إضافة لتعليقات إيجابية في مواقع التواصل الاجتماعي، مما يعني أنها أحرزت تقدماً ملحوظاً وكسبت ثقه الرأي العام، في وقت يلاحظ المتابعون صمت اللجنة الأخرى التي كونها رئيس الجمهورية برئاسة وزير العدل للتحقيق في الأحداث الجارية وأدت القسم أمامه مؤكدة التزامها بالحياد والمسؤولية والشفافية، ويرى البعض أن لجنة النائب العام قد قطعت الطريق وظلت تعلن نتائج تحقيقاتها بصورة مستمرة .
ويظل السؤال مطروحاً هل ما كشفته تحقيقات النائب العام في الأحداث جملة ومنها قضية معلم خشم القربة أفرغت لجنة وزير العدل من محتواها؟، وهل هذا تنافس بين وزارة العدل والنائب العام؟
صلاحيات مستقلة
بعد اندلاع الأحداث الأخيرة نتيجة للاحتجاجات الشعبية التي جاءت لتفاقم الأوضاع الاقتصادية، وأصيبت جرائها إعداد كبيرة من المواطنين، شكل رئيس الجمهورية لجنة للتحقيق في هذه الأحداث برئاسة وزير العدل محمد أحمد سالم وأدت اللجنة القسم أمامه مؤكدة التزامها بالحياد والمسؤلية، وتوقع الجميع أن تنشط اللجنة في أداء مهامها وإعلان نتائج تحقيقاتها بالسرعة المطلوبة، ولكن يرى البعض أنه منذ تشكيل اللجنة نشط مكتب النائب العام في إجراء تحقيقات مستقلة عن تلك اللجنة وفقاً للمسؤوليات الدستورية باعتبارها جهة مستقلة عن الجهاز التنفيذي .
وقد أعلن رئيس لجنة التحقيقات عامر أن صلاحيات النائب العام مستقلة عن الجهاز التنفيذي، بل تقوم بمساءلة الجهاز التنفيذي في إطار تحقيقاتها عن الأحداث.
سلطات قضائية
يقول بعض خبراء القانون لـ(الإنتباهة)، إن النائب العام في تحقيقاته ينطلق من مسؤولياته الدستورية واختصاصاته القانونية بالقيام بتحقيقات بصورة مستقلة عن أي نفوذ سياسي او تنفيذي، إضافة الى تمتعه بسلطات قضائية .
تأكيد للمؤكد
وأشار مراقبون استنطقتهم (الإنتباهة) الى الحملة القانونية والإعلامية التي قام بها وزير العدل الأسبق عوض حسن النور صاحب مبادرة تعديل الدستور الأشهر في الفصل بين وزارة العدل والنائب العام، وقالوا إن هذا المقترح واجهته في حينه معارضة كبيرة من عدد من الجهات على رأسها كبار القانونيين من داخل وزارة العدل نفسها، لكن حظي ذات المقترح بدعم رئيس الجمهورية وعدد من كبار المسؤولين باعتباره يرسخ العدالة والشفافية .
ومن هنا تساءل المراقبون ما الذي يمكن أن تكشف عنه لجنة التحقيقات التي كونها الرئيس برئاسة وزير العدل بعد العمل الذي يقوم به النائب العام في هذه الأحداث، خاصة وإن كانت مخرجات نتائج وزير العدل خالفت تحقيقات النائب العام؟. وأضافوا ربما تؤدي الى إحداث هوة عميقة في جهاز العدالة في الدولة، وقالوا في حال جاءت النتيجة متطابقة، فإنه يعتبر تأكيداً للمؤكد وتكراراً للعمل .
لا تنافس
يرى القانوني نبيل أديب أن تحقيقات النائب العام لم تفرغ اللجنة التي كونها الرئيس من محتواها، مؤكداً أن هناك اختلاف بينهما، وأوضح أن لجنة الرئيس معنية بالتحقيق بموجب قانون التحقيقات لسنة ١٩٥٤ باعتبارها مسألة متعلقة بمسائل جنائية وغير جنائية، لافتاً الى أن التحقيق الذي أجراه النائب العام بموجب قانون الإجراءات الجنائية يتعلق بأنه هل هناك بينة مبدئة تشير الى ارتكاب جريمة .
وقال أديب في حديثه لـ(الإنتباهة) إن ما أجراه النائب العام مسألة ممكن تحصل لأي شيء وهذه تحديداً فيها ادعاءات وعنف مرتكب بواسطة انتهاك فض الاحتجاجات وإنها لجنة خاصة واجبها تمثيل الاتهام قبل فتح البلاغ وترى أن هناك سبباً لفتح البلاغ، وأضاف لكن قبل ما يفتح البلاغ اللجنة تحقق في جريمة شغلت الناس لكن بموجب الإجراءات القانونية. وزاد إن اللجنة وجدت ما يدعو للاعتقاد بأن هناك جرائم ارتكبت في مقتل المعلم، وبالتالي ينفتح بلاغ وتمضي إجراءات جنائية عادية كالتحري وتوجيه تهمة وتحويلها المحكمة.
وأوضح محدثي أن لجنة الرئيس تحقق في الأحداث من نواحٍ سياسية او قانونية، لكن ليس لديها سلطة اتخاذ إجراءات جنائية. وقال إنها ترفع النتائج والتوصيات للرئيس ولا تتخذ إجراء، وأشار الى أن الجهة التي شكلتها هي المعنية باتخاذ القرار .
واستبعد أديب أن يكون هناك تنافس بين وزارة العدل والنائب العام، مشيراً الى أن الأخير فقط يقوم بواجبه الرئيس بغض النظر عن الأحداث السياسية او غيرها، وجدد أن واجبه الرئيس تمثيل الاتهام في أية جريمة. وقال الحديث عن المعلم كان كثيراً لذلك تدخل وقام بواجبه.
تداخل الاختصاص
بالمقابل اتفق القانوني كمال عمر مع حديث نبيل أديب وأكد في حديثه لـ(الإنتباهة) أن الإجراءات الجنائية تعتبر من اختصاص النائب العام بالقانون والدستور، مشيراً الى أنه اختصاص مؤسسي، وأوضح أن لجنة تقصي الحقائق مكتسبة وجودها من قرار الرئيس وأنها تعمل في إطار واسع تبحث على تجاوزات مؤسسية وجنائية وسياسية لتقصي حقائق مختلفة عن الإجراءات الجنائية.
لكن كمال أكد أن اللجنة تقصي الحقائق وتحقيقات النائب العام يعملون في إطار واحد، لكنه شدد على أن الاختصاص الأولي في البلاغات الجنائية مثل القتل من اختصاص النائب العام.
وقال عمر تساءلت منذ إنشاء لجنة تقصي الحقائق عن ماهي الحقائق المختصة بها اللجنة، وأضاف هناك حقائق تذهب الى جرائم، بجانب وجود تجاوزات في عطبرة من قبل طرف الحكومة أدت الى احتجاجات، كما دعا الى إقالة والي كسلا لأن هناك في شبهات خاصة به، وأضاف اللجنة يمكن أن تعمل في هذا، لكن النائب لا يمكن. مؤكداً في الوقت نفسه أن هناك مساحات مختلفة ومشتركة معاً.
فيما يخص بالتنافس بين وزارة العدل والنائب العام، قال كمال إن الأمر محسوم بالقانون، ولكنه قال ألا يكون هناك تنافس حول أشخاص، وأضاف القانون حسم لوزارة العدل اختصاصها وكذلك النائب العام، واستدرك بالقول لكن قرارات الرئاسة هي المشكلة بتعمل تتداخل في الاختصاص .
سلب صلاحيات
على كل يؤكد بعض خبراء القانون من تحدثت معهم (الإنتباهة) يعرفون خبايا العمل القانوني في الجهازين أن هناك تنافس خفي بين وزارة العدل والنائب العام خاصة وأن الأخير قد سلب صلاحيات كبيرة من وزارة العدل التي أصبح اختصاصها فقط استدامة النظام العدلي ووضع مسودات التشريعات والموءامة الدستورية وتقديم استشارات قانونية للدولة وتمثيلها أمام المحاكم، ولعل التحقيق في الأحداث الجارية يمثل أكبر مظاهر هذا التلازم في العمل القانوني بين وزارتي العدل والنائب العام .
الانتباهة
اقرا الخبر ايضا من المصدر من هنا عبر صحيفة الراكوبة نيوز