السودان الان

بيان الترويكا.. قمة جبل الجليد

مصدر الخبر / صحيفة آخر لحظة

 تقرير:عمر البكري أبو حراز

كتبت في مقالات سابقة منذ اندلاع الإحتجاجات في 19 ديسمبر 2018 موضحاً ومستقرئاً ومنبهاً إلى الآتي:
أولاً: خرجت الإحتجاجات في كل من عطبرة، القضارف، الخرطوم وبورتسودان بأعداد كبيرة يجب عدم التقليل منها كماً ونوعاً.
ثانياً: خرجت الجماهير إلى الشارع لأسباب موضوعية ومقبولة ومتوقعة، إذ بلغت الضائقة المعيشية ذروتها بسبب ندرة السلع الأساسية والخدمات، وارتفاع أسعارها الجنوني مما ترك المواطن في معاناة يومية لمقابلة المتطلبات الضرورية لكل بيت، المتمثلة في الحصول على المواد الغذائية والأدوية والعلاج والتعليم بأسعار في مقدور الغالبية العظمى من المواطنين.
ثالثاً: لا يمكن على الإطلاق ومن واقع حجم ونوع وانتماء المحتجين السياسي أن نروج إلى أنهم شيوعيون وبعثيون أو يساريون فقط، إذ ثبت بالدليل القاطع أن حجم الاحتجاجات كبير جداً، وأن غالبيتهم شباب من الجنسين الذين يشكلون 70% من تعداد السكان، وكلهم من الأسر الكريمة، وفي مستوى عالٍ من التعليم والفكر، كما ثبت أن أعداداً كبيرة منهم ينتمون إلى تنظيمات إسلامية عريضة، بل وفيهم أبناء لقيادات إسلامية معروفة في الحزب الحاكم، لعل أبرزهم الشهيد المعلم أحمد الخير، الذي تأكد انتماؤه إلى المؤتمر الشعبي، والذي مات بالتعذيب في خشم القربة.
رابعاً: ذكرت في مقال سابق أن التعامل الأمني العنيف مع الإحتجاجات هو الطُعم المؤدي إلى إنفاذ الخطة (ب) للمجتمع الدولي والإقليمي، المفضية إلى الإقصاء الكامل للحركة الإسلامية من مفاصل الحكم في السودان- كما ذكرنا سابقاً الخطة (أ) هي الهبوط الناعم وتقليص دور الحركة الإسلامية في حكم السودان، فشلت هذه الخطة عندما رفض المؤتمر الوطني كل المبادرات التي تدعو إلى المساس بالشرعية القائمة الآن، وهي المبادرات التي تنادي بفترة انتقالية، وحكومة قومية وانتخابات نزيهة.
طُعم الخطة (ب) هو الإستعمال المفرط للقوة في مواجهة الاحتجاجات، وتزايد عدد القتلى والجرحى حتى يصل مرحلة تبرر تدخل دولي عسكري، ما يؤكد قراءتي هذه للواقع عن الخطة (ب) هو الاهتمام المتزايد والمتابعة الدقيقة من المجتمع الدولي لما يحدث في السودان منذ 19 ديسمبر 2018.. بدأت ببيانات من الترويكا، والإتحاد الأوروبي، والأمم المتحدة، تعبر فيها عن قلقها من الاستعمال المفرط للقوة في مواجهة المواطنين العزل في مواكبهم السلمية، وعندما أعلن الرئيس حالة الطواريء في يوم الجمعة 22 فبراير أصدرت الترويكا وكندا البيان التالي في يوم 26 فبراير- أي بعد ثلاثة أيام من إعلان الطواريء- لأهمية مفردات البيان وضرورة قراءة ما وراء سرعة إصدارها نورد النص العربي للتصريح ونعلق عليه: (بيان صحفي من دول الترويكا 26 فبراير 2019 للنشر الفوري):
(لا تزال دول أعضاء الترويكا- المملكة المتحدة، والولايات المتحدة والنرويج- وكندا، تشعر بقلق عميق إزاء الوضع في السودان، وخاصة القرارات التي اتخذها الرئيس البشير مؤخراً بإعلان حالة طواريء في البلاد، بتعيينه أعضاء عسكريين وأمنيين في مناصب حكومية عليا، وإصدار أوامر طواريء تجرم الاحتجاجات السلمية وتسمح للقوات الأمنية بممارسة أعمالها القمعية والإفلات من العقاب، ستسهم في تقليص حقوق الإنسان والحكم والإدارة الاقتصادية الفعالة بصورة أكثر مما هي عليه.. العودة إلى الحكم العسكري لا يخلق بيئة مواتية لتجديد الحوار السياسي أو لإجراء انتخابات ذات مصداقية.. لاحظنا الاستمرار في احتجاز القادة السياسيين والناشطين والصحفيين، وندعو حكومة السودان بأن تتقيد بالتزاماتها العامة وتطلق سرحهم، وكذلك إطلاق سراح الآخرين الذين احتجزوا تعسفياً.. كما لاحظنا استمرار التقارير غير المقبولة، التي تفيد باستخدام الذخيرة الحية وضرب المحتجين وسوء معاملة المحتجزين.. لا تزال هناك حاجة واضحة إلى الإصلاح السياسي والاقتصادي الشامل في السودان، الذي يدعو تجاه معالجة المظالم المشروعة التي أعرب عنها المحتجون.. لا يمكن تحقيق الاستقرار الاقتصادي دون التوصل إلى توافق سياسي أولاً، ولا يمكن تحقيق توافق سياسي بسجن وإطلاق النار وتجريم المحتجين السلميين.
ستستمر دول الترويكا وكندا في رصد الوضع عن كثب وتؤكد أن ردة فعل حكومة السودان تجاه الاحتجاجات وممارسات الحكومة العسكرية ستحدد تعامل بلداننا في المستقبل).. انتهى.
بيان الترويكا هذا صادر من سفارة أمريكا بالخرطوم يوم 26 فبراير، وبعده بيومين تحديداً في 28 فبراير أصدر الاتحاد الأوروبي بياناً مماثلاً له في كل محتوياته.
خامساً: التعليق على بيان الترويكا وبيان الاتحاد الأوروبي:
ملاحظاتي على البيانين أنهما صدرا بصورة عاجلة بعد إعلان الطواريء، مما يؤكد تركيز تلك الدول على الوضع في السودان بصورة تدعو للتأمل واليقظة والاستعداد، وفيه تدخل واضح في شأن داخلي بحت، بالرغم من تأكيد أرفع قيادات الدولة أن إعلان الطواريء يستهدف إصلاح الاقتصاد وتحجيم التهريب، ومحاربة الفساد، وإعادة القوة للعملة الوطنية، بل صرح النائب الأول في أول تعليق له على الطواريء قائلاً: إنها ليست معنية بالاحتجاجات (آخر لحظة) الخميس 28 فبراير).
ثاني الملاحظات: تأكيد البيان أن العودة إلى الحكم العسكري لا يخلق بيئة مواتية لتجديد الحوار، أو إجراء انتخابات ذات مصداقية، ثم تأكيد ملاحظتهم عن استمرار التقارير غير المقبولة، التي تفيد باستخدام الذخيرة الحية وضرب المحتجين وسوء معاملة المحتجزين، تأكيداً لمتابعتهم اللصيقة ذكر بيان الاتحاد الأوروبي ذكر حادثة جامعة العلوم الطبية.
الملاحظة الثالثة: تدخل واضح في سياسات الدولة الداخلية، عندما ذكر البيان أنه لا تزال هناك حاجة واضحة إلى الإصلاح السياسي والاقتصادي الشامل في السودان، الذي يدعو تجاه معالجة المظالم المشروعة التي أعرب عنها المحتجون، ومضى البيان قائلاً لا يمكن تحقيق الاستقرار الاقتصادي دون التوصل إلى توافق سياسي أولاً، ولا يمكن تحقيق توافق سياسي بسجن وإطلاق النار وتجريم المحتجين السلميين.
الملاحظة العامة على هذه الفقرات من البيان هي التركيز على تعامل الجهات الأمنية مع المحتجين، وأخيراً أخطر ما في البيان ختامه الذي يقول: (ستستمر الترويكا وكندا في رصد الوضع عن كثب وتؤكد أن ردة فعل حكومة السودان تجاه الاحتجاجات وممارسات الحكومة العسكرية، ستحدد تعامل بلداننا في المستقبل) وهو بكل المقاييس تهديد صريح.
ختاماً: كل ما تقدم يدعونا إلى إسداء النصح للحكومة بتفويت الفرصة وعدم (بلع الطُعم) وذلك بالتعامل المرن مع المحتجين السلميين، والإبتعاد عن استعمال أي نوع من القوة المفرطة والأحكام القاسية من بعض قضاة محاكم الطواريء، إذ ليس من المنطق أن يتساوى متهم بمحاولة تهريب عملة إلى خارج البلاد، مع آخر شارك في تظاهرة، كان الحكم في الحالتين ست وسبع سنوات وغرامة، نأمل أن تراجع محاكم الاستئناف في الطواريء بعض الأحكام القاسية على متظاهرين سلميين- الغرامة عشرة ملايين جنيه، مَن يملك عشرة ملايين لا يخرج في مظاهرات.
بيان الترويكا هو قمة جبل الجليد، له ما بعده خاصة بعد إعلان الاتحادي الديمقراطي الأصل، عدم المشاركة في الحكومة القادمة بمباركة زعيمه مولانا محمد عثمان الميرغني المقيم في مصر..
ألا هل بلغت اللهم فاشهد.

يمكنك ايضا قراءة الخبر في المصدر من جريدة آخر لحظة

عن مصدر الخبر

صحيفة آخر لحظة