حالة من الترقب تسود الأوساط السياسية بالبلاد هذه الأيام، وتتجه الأنظار نحو القصر الجمهوري حيث يطبخ تشكيل الحكومة الجديدة هناك، إعلان رئيس الجمهورية المشير عمر البشير أن الحكومة القادمة ستكون حكومة كفاءات وليست محاصصة أو ترضيات، جعل الكثير من التساؤلات تدور حول معايير هذه الكفاءات وكيف سيتم اختيار هذه الشخصيات وما هو موقف القوى السياسية منها، وهل سيشهد التشكيل شخصيات مكررة، بجانب السؤال الأهم، وهو هل تستطيع حكومة الكفاءات حل الأزمة والعبور بالبلاد إلى بر الأمان، أم أنها ستسقط في امتحان التشكيل عند محطة الترضيات والمحاصصات؟.. حاولنا من خلال هذه السطور أن نقدم قراءة لملامح التشكيل القادم.
الخرطوم: عيسى جديد – أيمن المدو
الحكومة الجديدة .. هل تخرج من جلبابها القديم؟
يعد السؤال الأبرز حول التشكيل القادم هو إمكانية عودة وزراء حكومة معتز موسى من جديد للواجهة، ويجيب على هذا السؤال القيادي بالمؤتمر الوطني، د.إسماعيل الحاج موسى بقوله: قطعاً أن الحكومة الجديدة ستخرج من جلبابها القديم من خلال تعيين وزراء وتنفيذيين من أصحاب الكفاءات بعيداً عن المحاصصة والمزايدة السياسية التي حدثت في الحكومات السابقة، وقال إن الحكومة المقبلة لن تكون مثل حكومة تجريب المجرب التي كانت تفتقر إلى المعايير العلمية من خلال اعتمادها على الحشد بعيداً عن متطلبات الوظيفة والمرحلة، والتي بموجبها أضحى الجهاز التنفيذي (هش لا بكش ولا بنش)، إسماعيل أشار إلى أن التحرك الذي قام به الرئيس البشير في هذا المضمار يمثل مرحلة العلاج بالكي، بتلمسه لمكامن الخلل في الجهاز التنفيذي، والذي أدى بدوره إلى حالة الاحتقان والاحتجاجات التي يشهدها الشارع على خلفية الأزمات الاقتصادية التي كشفت إخفاقات الأداء التنفيذي في إدارة دفة الأزمة والخروج بها إلى بر الأمان.. فيما يشير المحلل السياسي أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الإسلامية، د.راشد التجاني إلى أن أحاديث الرئيس البشير الأخيرة ومواقفه المعلنة بأنه سيقف على مسافة واحدة من الجميع وإتباع تلك الأحاديث بخطوات عملية من خلال تجميده لرئاسته لحزب المؤتمر الوطني وأوكل مهامه إلى نائب رئيس الحزب، من شأنها أن تمهد الطريق لتشكيل حكومة بعيدة عن المحاصصات قريبة من الكفاءات، وأكد أن اختيار الحكومة بهذه الكيفية من شأنه أن يحمل مفاجآت تؤدي إلى حلحلة كافة أزمات البلاد، لأن الاختيار هذه المرة سيقف عليه الرئيس شخصياً.
الحركات المسلحة .. مساعي المشاركة
برزت أحاديث هنا وهناك إلى العلن حول تقدم المفاوضات مع الحركات المسلحة بالخارج، بغية إشراكها في حكومة الكفاءات، وتقول مجالس المدينة إن المفاوضات مع زعيم القطاع، الجنرال عبد العزيز الحلو في نهاياتها، فيما أكدت مصادر مطلعة جلوس الحكومة مع زعيم حركة العدل والمساوة جبريل إبراهيم في مفاوضات قطعت شوطاً بعيداً بحلول شاملة ربما ستذهب بجبريل إلى القصر الجمهوري لتولي منصب نائب رئيس الجمهورية.. وليس بعيداً عن ذلك توقع القيادي بالمؤتمر الوطني الفاتح عزالدين عودة الحركات المسلحة الموجودة بالخارج إلى البلاد، وقال: (أتوقع مشاركتها في الحكومة القادمة)، مبيناً أن الحوار مع حركة العدل والمساواة يحمل مؤشرات إيجابية، وكشف عن حوار دار الأسبوع الماضي، مع الحركة الشعبية في جبال النوبة والنيل الأزرق.
المداراء العاميين والوكلاء .. هيكلة مرتقبة
يرى الخبير بالخدمة المدنية الزين العوض أن هناك أشخاصاً بالوزارات غير أكفاء، سيكونون عقبة أمام الوزير صاحب الكفاءة، الذي سيعمل وفق برنامج وظيفي مهني وليس سياسياً، وحذر العوض من تداخل السياسي مع المهني، حتى لا يتم التداخل في أداء ما هو مطلوب، وشدد الزين على ضرورة أن تتم إعادة صياغة الوزارات وهيكلتها من جديد. وفي ذات السياق نقلت الصحف أمس، عن طلب رئيس مجلس الوزراء محمد طاهر إيلا بمده بالسيرة الذاتية لوكلاء والمديرين العامين بالوزارات، وكشف عن اجتماعات مكثفة يقوم بها رئيس الوزراء مع قطاعات مختلفة بالدولة، كما يقوم بمراجعة ملفات العاملين بالدولة تمهيداً لإجراء هيكلة شاملة ووضع الرجل المناسب في المكان المناسب خلال التشكيل الحكومي المقبل، وأكدت مصادر أن الهيكلة ستتركز بشكل أساسي على وكلاء وأمناء ومديرين عامين للوزارات ومديري المؤسسات والهيئات الحكومية، قائلة إن إيلا طلب ملفات الذين يشغلون هذه المناصب حالياً وسيرتهم الذاتية وعكف على مراجعتها لمعرفة تخصصاتهم ومدى كفاءتهم لشغل المناصب، وأكدت المصادر أن إيلا أكتشف أن هنالك مناصب في مؤسسات مهمة كبيرة ووزارات يشغلها من ليست لديهم أي صلة بتخصصاتهم، وأوضحت بحسب الزميلة الأخبار، أن المرحلة المقبلة ستشهد إجراءات حاسمة وإعفاءات واسعة للذين ليست لديهم كفاءة أو صلة بالمناصب التي يشغلونها.
الوزراء .. استيفاء الاشتراطات
خبير الخدمة المدنية بمركز دراسات العمل الإستراتيجية، د.الأمين عبد الله يقول إن اختيار شخصیة سیاسیة ذات كفاءة عالية يستجوب اشتراطات، أجملها في أن تحظى بتوافق وطني عام يؤهله ليكون ضمن طاقم حكومة كفاءات، حتى يستطيع التصدي للتحدیات العاجلة، إلى جانب أن تكون الشخصية معروفة بقدراتھا وخبراتھا في مختلف المجالات، ولا تخضع للحساسیات السیاسیة والنیابیة، بل یكون المعیار الأساسي لاختیار طاقمھا ھو الكفاءة التي تتلازم بالضرورة مع النزاھة ونظافة الید، وأن تكون الشخصية من الذین يحظون بالتقدیر في المجتمع بسبب كفاءتھم وتمیزھم، وأن لا تستهويه المناصب مثل بقية السياسيين.. بالمقابل شدد وزير الدولة بالثروة الحيوانية السابق جلال الدين رابح على أن يتم اختيار الوزراء كل في مجاله وتخصصه، وقال لا بد أن نولي الأمر لأهله، لأن الإتيان بأشخاص غير ملمين بعمل الوزارة، يؤدي إلى نتائج عكسية.
الاحزاب .. كيف تنظر للمشاركة ؟
الثابت أن تشكيل الحكومة سيعيد جدل مشاركة أحزاب ورفض أخرى، ويؤكد نائب رئيس حزب المؤتمر الشعبي د.بشير آدم رحمة أنهم في الشعبي غير متلهفين لحقيبة وزارية، وقال إن رؤية حزبه حول الحكومة الجديدة يجب أن تكون حكومة كفاءات بعيداً عن الأحزاب والمحاصاصات، لكنه عاد وقال إن حكومة الكفاءات لن تستطيع العمل ضمن قيود من جهات عليا، وشدد بشير على ضرورة أن لا يتدخل الرئيس في عمل الوزراء إلا من خلال التقارير التي ترد إليه باستثناء القضايا السيادية، وأن يكون هو راعي الجميع، حتى تشهد البلاد انتقالاً سلساً في تراضٍ وأمان بموجبها يتحقق السلام، فيما يرى القيادي بالاتحادي الديمقراطي الأصل الزين العوض أن المحاصصات بين القوى السياسية يجب أن لا يرتكز عليها التشكيل الجديد، وقال إن حكومة الكفاءات تحتاج إلى تخصيص الرجل المناسب في المكان المناسب، مع منحه كل الامتيازات والصلاحيات التي يمكن عبرها تنفيذ برنامج عمله بحسب الخطة العامة، وفي الصدد ذاته رأى المحلل السياسي الساعوري أن سر التشكيل الجديد يكمن في الاستعانة بالكفاءات، لكن الخطوة في ذات الوقت تظل رهينة بالقبول من القوى السياسية المختلفة، وتابع في حال كسبها للتأييد والمباركة من الأحزاب يمكن وصفها بالحكومة القومية، لكنه عاد وأكد أنه ليس من السهولة أن تأتي بوزير كفء (والأحزاب ما تعمل عليهو فيتو).
حكومة الكفاءات .. هل تحل الازمة ؟
بلا شك أن حكومة الكفاءات تنتظرها عقبات وتحديات جمة، وهي بحاجة لمجهودات جبارة للعبور بالبلاد إلى بر الأمان، ويشير المحلل السياسي أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الإسلامية، د.راشد التجاني إلى أن حكومة الكفاءات تمثل الحل الوحيد الذي من شأنه أن يخرج البلاد من مأزق الأوضاع الحالية التي تعيشها، مبيناً أن طبيعة الأوضاع المعقدة الماثلة الآن تتطلب معرفة مبنية على الأداء، وهذه الشروط لا تتوفر إلا من خلال حكومة تقوم على الكفاءات، واتفق أستاذ العلوم السياسية بجامعة النيلين البروفيسور حسن الساعوري مع راشد فيما ذهب إليه، قائلاً: إن قرارات البشير حول الحكومة المقبلة من شأنه أن يقطع التكهنات المتداولة عن ملامح الحكومة الجديدة والمهام التي تنتظرها في ظل التحديات الماثلة الآن.
وزراء الدولة ..هل من عودة ؟
مطالبات عديدة تفوه بها سياسيون، أبرزها إلغاء منصب وزراء الدولة، لجهة أنه منصب للترضيات أكثر من أنه لتجويد الأداء، هذا وبحسب مصادر مطلعة فإنه سيتم تقليص وزراء الدولة في التشكيل الجديد، ويقول وزير الدولة بالثروة الحيوانية السابق جلال الدين رابح إن العمل الوزاري متكامل وشائك ويحتاج لأفكار، وأضاف عندما يكون الوزير لوحده، هنالك بعض المسائل تتطلب أن يكون بجانبه مجلس يتكون من (وزير دولة ووكيل ومدير عام)، وقال إن وزير الدولة أيضاً يقوم بمهام الوزير الاتحادي في حال غيابه، لكن رابح عاد وقطع بأنه ليست كل الوزارات تستحق وزراء دولة، واستدل بوزارة الثروة الحيوانية، وقال: (كنا فيها ثلاثة وزراء، كل وزير بأعبائه ومع ذلك المسألة كانت شاقة رغم الحركة الدؤوبة التي كنا نقوم بها).
فيما رأى البرلماني بشير آدم رحمة أن نجاح الحكومة المقبلة رهين بعددية الحقائب الوزارية والتي يجب أن لا تتجاوز العشرين وزارة، مع استبعاد منصب وزير الدولة من التشكيل باستثناء وزارتي الدفاع والمالية، وبموجب ذلك يجب تفعيل دور الوكيل بالوزارة، لأن الوزير (زول سياسي).
يمكنك ايضا قراءة الخبر في المصدر من جريدة آخر لحظة