بعد فترة توقف من الكتابة جلست أمس لساعاتٍ طوال أفكر، فيما أكتب؟
هل عن الانقلاب على البشير، الذي حكم ثلاثين عاماً وأضاع فرصاً عدة وكبيرة لإحداث تغييرات حقيقية في البلاد، وعن تمسكه بالسلطة إلى آخر دقائق الإطاحة؟!
أم عن تنحي ابن عوف السريع عن السلطة وإدراكه خطر الاستمرار في الحكم، ليُسجل بذلك موقفاً بطولياً نزيهاً وشجاعاً سيحفظه له التاريخ؟
أو عن تولي عبد الفتاح البرهان زمام الأمور وترؤسه للمجلس العسكري الانتقالي، وما هو متوقع ومأمول؟
هل نتحدث عن اعتقال قيادات الوطني والتحفظ عليهم في مكانٍ آمن؟ أم عن الأدوار الخارجية التي ساعدت في تحقيق ما تم حتى الآن.
أليس مهماً أن نتحدث عن استقالة صلاح قوش من رئاسة جهاز الأمن. وتولى أبو بكر دمبلاب شؤون المؤسسة واسعة الصيت، والتي يطالب المحتجون بحلها؟
ورغم كثرة المواضيع، لكن كان مهماً الحديث عن من صنع الفارق، وأثبت وجوده وأجبر الجميع على احترام رغباته وتحقيق تطلعاته.
هذا الشعب الذي أدهش الجميع، بعد أن عرض نفسه للأهوال والمصاعب بتحدي العنف واحتمال قسوته، صبر لأربعة أشهر ليحقق شيئاً كان يراه البعض مستحيلاً ويراه هو أقرب من حبل الوريد.
تؤكد الشعوب في كل مرة، أنها قادرة على إحداث أي فارق وأنها أقوى من أي تنظيمات أو انتماءات.
ها هو الشعب السوداني الذي قارنه البعض وبمن فيهم الحزب الحاكم، بالجزائريين وأعدادهم، متناسين حرارة الطقس وقساوة الأفعال، كأنهم عاجزون عن إحداث تغيير.
ها هو الشعب الذي كانت الحكومة وأجهزته التنفيذية ترى أن أحجامهم صغيرة وأعدادهم قليلة لا ترقى لاسم احتجاجات ناهيك عن ثورة، قللوا منها ومن القائمين على أمرها.. فاعتبروا في البدء أنها مجموعة عبد الواحد، ثم مجرد شيوعيين، ثم شباب، وما دروا أنها ثورة شعب بمختلف فئاته العمرية، أصروا على التغيير واستمروا في العمل عليه إلى أن استجاب الله لهم، وحقق كثيرا من رغباتهم.
الآن يخطو السودان نحو مراحل جديدة، بعد أن أثبت الشعب صبره وأكدت قواته المسلحة على نزاهتها وحماية، رافضةً استخدام أي نوع من العداء تجاه المحتجين، وهو ما نأمل أن تنتهي عليه هذه المرحلة، بلا دماء أو عنف.
صدقاً.. ماذا نكتب في مساحات صغيرة عن أشياء كبيرة؟
إن ما حدث يستحق مجلدات وتماثيل توثق لهذه الفترة التاريخية من عمر السودان.
لينا يعقوب
السوداني