السودان الان

أنجز الاتحاديون مع رصفائهم مهمة إسقاط النظام، لكنهم سرعان ما عادوا لعادة الانقسام حتى في الجسم الذي صنع الأمل، كل ذلك بالتزامن مع ذكرى (الأزهري اسماعين) “ورقة بيضاء ولكن”

مصدر الخبر / صحيفة اليوم التالي

الخرطوم – حسن محمد على
في قاعة طيبة برس أمس “الأحد” كان الحزب الاتحادي الموحد يعلن أول الخلافات وسط التيارات الاتحادية المعارضة التي شاركت في إسقاط النظام في ما عرف بالتجمع الاتحادي المعارض، وبدا الإكليشيه الذي قدمه الأستاذ محمد عصمت بذات تفاصيل الانشقاقات التي كانت تحدث في عهد الإنقاذ وإن كان الخلاف وقتها حول قسمة السلطة ومن تم تعيينه ومن تجاوزه الاختيار في سلطة الإنقاذ المبادة، إذ أن رئيس الحزب وأمينه العام توغلا إلى أعماق مساحات الخلاف، وسردا وجهة النظر ولو كانت تحمل الأسرار التنظيمية بما يغلق الباب دائما أمام الفرصة في التعافي من جديد.
(1)
يقول هيثم الأمين وهو الأمين العام للاتحادي الموحد إن التجمع الاتحادي تعرض لاختطاف لمصالح ذاتية، وتجاوزت مجموعة منه مبادرات الوحدة القائمة على نقاش مستفيض وتدبير تنظيمي، مثلما في مبادرة (الورقة البيضاء) التي كان مؤملا لها أن تكون نواة لوحدة الاتحاديين لكن المجموعة التي أعلنت الهياكل المفاجئة للتجمع الاتحادي ألغت كل العهود والاتفاقات بين التيارات، فيما يشير لتجاوز اجتماع شهير لتحقيق وحدة اندماجية في أحد منازل القيادات الاتحادية، عبر تكوين اللجان والمجالس القيادية توطئة لانعقاد المؤتمر العام الذي يضم كل الاتحاديين، فالتجمع برأيه مبادرة تسعى لتحقيق هدفين أحدهما مباشر وقريب المدى بتنسيق العمل السياسي والمعارض وبعيد المدى بتحقيق وحدة الاتحاديين، وأن المبادرة “التجمع” لن تكون بديلا لأي حزب.
(2)
لكن يأبى الاتحاديون إلا أن يمنحوكم بمسميات تياراتهم المختلفة فرصة للتفكير مرة أخرى في الانقسامات التي تحدث في الأحزاب السياسية، والنخب غير القابلة للالتئام تحت سقف واحد حتى بعد وحدة حققتها الثورة السودانية، فبعد ظهور لافت للتجمع الاتحادي (المعارض) في الثورة السودانية، وتقديمه لنموذج الحزب الجماهيري الذي كان مفقودا طوال سنوات العهدة المبادة، ها هو يتأثر برياح تشرذم مرة أخرى ويستجيب لها جسده المنهك، لتتحقق بذلك نادرة انقسام الاتحاديين في السلطة وخارجها وفي المعارضة وداخلها، ومع النظام المخلوع وأيضا في السلطة المدنية.
(3)
قبل أن يجف مداد قرارات إعلان هياكل جديدة للتجمع الاتحادي المعارض بقيادة الأستاذ بابكر فيصل، وتتوحد قيادة سبعة أحزاب في تمهيدي سياسي وتنظيمي واحد، ها هو رئيس الحزب الاتحادي الموحد محمد عصمت يعلن رفضه لتلك الهيكلة، وينبش الكثير من حيثيات كانت تحت غبار (الحصة وطن)، فهو يشير إلى أنهم من البداية كانوا يرفضون تكوين كتلة باسم (التجمع الاتحادي المعارض) لأن كل الأحزاب الاتحادية ممثلة في كتل قوى الحرية والتغيير، وبالتالي فإن التسمية باسم التجمع المعارض حسب ما يرى كانت لجني المغانم وتحقيق المكاسب الذاتية للأشخاص وليس مقصودا بها العملية الوطنية.
(4)
ليس لعصمت اختلاف كبير على أجسام السلطة الانتقالية التي تكونت حتى الآن، فهو من رأي مشاركة السياسيين في الهياكل الانتقالية، لأنهم حسب رأيه يواجهون نظاما شرسا ومنظما ويجد دعما ومساندة دولية، وبالتالي فإن المعركة معه مستمرة وتتطلب وجود السياسيين، يشير عصمت أيضا إلى أن فكرة (الكفاءات) تم التسويق لها من قبل أشخاص محدودين فيما يؤكد أن الفكرة أيضا روج لها “المجلس العسكري” وعلى المستوى في تجمع المهنيين فإنه يشير لعدم الالتزام بمشاركة السياسيين، ويرى أنها أدت لآثار غير حميدة، وربما ضربت بثقة جمهور الثورة فيه، لكنه أيضا عاد وهنأ تشكيل الهياكل، وقال: “يمكن تلافي ما حدث من محاصصة بسيطة في تكوين الحكومة الانتقالية”، وأرسل رئيس الاتحادي الموحد رسالة مهمة لرئيس مجلس الوزراء عبد الله حمدوك بعدم الاستجابة لأي صوت بخلاف تكوين حكومته من الكفاءات.
(5)
ثمة تجيير حدث لمشروع التجمع الاتحادي المعارض لصالح بعض مكوناته على حساب أخرى، من هنا أيضا تنبت بذرة خلاف حسب ما يرى محمد عصمت، ما قاد لإعداد هيكلة مغلقة لصالح تلك المجموعة، رغم أن مشروع التجمع الاتحادي ـ والحديث لعصمت “هو مسار أحلام الاتحاديين في تحقيق آمالهم بقيام حزب اتحادي ديمقراطي موحد”، ما دعاه للقول أيضا “إننا في الحزب الاتحادي الموحد وبالشراكة مع أشقائنا في كل التيارات الاتحادية، سنعمل على اتخاذ خطوات عملية خلال الأيام القليلة القادمة كيما نجعل وحدة للاتحاديين بلا إقصاء لأحد حقيقة واقعة”.
(6)
ربما لا يدرك الاتحاديون ـ أو بالأحرى قيادات أحزابهم ـ كم تركوا من أمل بظهور علم السودان القديم بألوانه (الأزرق، الأصفر، الأخضر)، وتلفح الملايين من الشباب به في إشارة لانتمائهم للهوى الاتحادي، لكن دائما في السياسة ثمة ما ينغص على القواعد وتتألم له بظهور خلافات على مستوى قيادي، صحيح أنه ضحى وشكل متاريس قوية في العملية الوطنية ودفع ثمن تلك التضحيات، لكن في النهاية ينتهي به المقام لشذر مذر لا يقوى على البقاء في هيكله التنظيمي، ولا ينجز برنامجه الوطني بالتأكيد، فهم الاتحاديون، حزب الثورة الانسيابية غير القادرة دائما على صناعة كتلتها الساحقة وأغلبياتها التاريخية، ومع كل ذلك تزامن الانشقاق الجديد مع ذكرى رحيل الرئيس الخالد إسماعيل الأزهري ورمز الاتحاديين التاريخي.

يمكنك ايضا قراءة الخبر في المصدر من جريدة اليوم التالي

عن مصدر الخبر

صحيفة اليوم التالي