القاهرة: صباح موسى
أجرى الدكتور عبد الله حمدوك رئيس الوزراء لقاء تلفزيونيا مساء (السبت) مع الأستاذ فيصل محمد صالح، عرض فيه آراءه حول الراهن السياسي والاقتصادي بالبلاد، وقدم فيه نفسه وأفكاره للشعب السوداني لأول مرة بشكل واضح وصريح ومباشر بمساعدة محاور بحجم فيصل محمد صالح، استقبلته الجماهير بارتياح شديد، فالرجل بدا واثقا هادئا ملما بكل الأحداث، ذا كارزيما، ورد من خلال اللقاء بإجاباته عن بعض الاعتراضات على شخصه في إدارة الوزارة بأنه خبير اقتصادي بعيد عن السودان منذ عقود طويلة وأنه ليس على دراية بالواقع السياسي السوداني وتعقيداته، كما أوضح أنه متخصص في الاقتصاد الزراعي وأنه فخور بذلك وأن دراساته العليا كانت في الاقتصاد، ذكر التجربة الإثيوبية مرات عديدة ولم يخف إعجابه بها، كان متزنا في عرض آرائه متوازنا في رؤيته للسياسة الخارجية في المرحلة المقبلة والتي أشار لأنها من العقبات التي تواجه التحول السوداني بجانب الإشكالات الداخلية على خلاف ثورتي 64، و85.
افادات حمدوك
حمدوك أعلن في اللقاء أن الأولوية القصوى لحكومته معنية بالإنتاج ووقف الحرب وتحقيق سلام مستدام، ومعالجة الأزمة المعيشية بطرح اقتصاد وطني يقوم على الإنتاج وليس الهبات والمعونات، وأكد أن الظروف الحالية مُتاحة لتحقيق نقلة في الواقع السوداني. وقال إنه أتى للسودان وقبِل بالمنصب لتلبية نداء الوطن، وقطع بأنه يُدرك عِظم المسؤولية وحجم التحديات ولكنه يعلم أيضاً الاصطفاف السوداني العريض حول أهداف الثورة، مشددا على ضرورة الالتزام الصارم بمعايير اختيار الوزراء ونوه إلى أن قوى الحرية والتغيير تواجه أول اختبار في اختيار الكفاءات للحكومة التنفيذية، واشترط لحل الأزمة الاقتصادية الراهنة رغم تعقيدها بتوفر الإرادة ومخاطبة جذور الأزمة وإيقاف الحرب، وقال: “عشان نبني بلادنا لازم نوقف الحرب”، وتوجيه الموارد للإنتاج وتحقيق اقتصاد قائم على التصنيع، وأشار إلى أن أكبر التحديات الراهنة تتمثل في إعادة الثقة للنظام المصرفي، منوها إلى أن القطاع الزراعي بكافة مستوياته يتعرض إلى مشاكل كبيرة تتصل بزيادة تكلفة الإنتاج العالية وكشف عن دراسة أوضحت أن مُنتجات صادر السودان تتعرض لأكثر من (17) ضريبة مختلفة وقال: “ليس لدينا خيار غير دعم القطاع الزراعي وتوفير آلية تصنيع لمدخلات الانتاج وإدخال الماكينات وتغيير واقع الزراعة التقليدية”، كما شدد على ضرورة إيقاف تصدير المنتجات السودانية بصورة خام وقال: “لا يوجد بلد في الدنيا يُصدر أنعاما حية وقيمة الجلد فقط يمكن أن تساوي قيمة الصنف” وأشار إلى أن القيمة المضافة يمكن أن تصل إلى (300 %) في بعض المنتجات، مؤكدا أنه لا مخاوف من روشتة البنك الدولي، وأشار إلى مخاوف البعض برفع الدعم واتباع مزيداً من الخصخصة، وقال: “لا يوجد خبير مهما كان يعرف مشاكلنا أكثر منا وسنعمل على وصفة تُناسب أوضاعنا ليتماشى صندوق النقد الدولي مع رؤيتنا”، وأشار إلى أنه يمكن الاستفادة من تجارب عدد من الدول الأفريقية، التي قال إنه كان جزءاً من تحقيق التنمية فيها، موضحا أن السودان يحتاج إلى 8 مليارات دولار من المساعدات الأجنبية في العامين المقبلين لتغطية الواردات، وللمساعدة في إعادة بناء الاقتصاد بعد الاضطرابات السياسية المستمرة منذ أشهر، وقال إن هناك حاجة إلى ملياري دولار أخرى “كاحتياطي من النقد في البنك المركزي للمساعدة في إيقاف تدهور سعر صرف الجنيه”، موضحا أنه يجري محادثات مع الولايات المتحدة لرفع السودان من قائمتها للدول الراعية للإرهاب، وقال: سنعمل على توحيد سعر صرف الجنيه وأن يدار سعر الصرف عن طريق سعر الصرف المرن المدار، مشيراً إلى أن تعدد سعر الصرف للجنيه هو المدخل للتشوهات في الاقتصاد السوداني، مضيفا: بدأنا اتصالات مع الجهات المانحة وبعض الأطراف في البنك الدولي وصندوق النقد الدولي وبنك التنمية الأفريقي، وحجم ديون السودان حوالى 56 مليار دولار، وشدد على أنه لا بد من الوصول أولاً لتفاهمات حول فوائد الدين السيادي والتي تبلغ حوالى ثلاثة مليارات دولار لأن النظام السابق كان يعجز عن السداد، وقال إن الوصول لهذه التفاهمات سيفتح الطريق لاستفادة السودان من برامج الإعفاءات من الديون وجدولة الديون والحصول على المنح والقروض، مؤكدا درايته بحجم التردي الاقتصادي الذي يواجه البلاد، وقال: نحن في أزمة اقتصادية لكنها ممكنة الحل حال توفرت عدة شروط بينها وضع سياسات حكيمة تخاطب جذور الأزمة على رأسها وقف الحرب، لافتا إلى أن “الأعوام الثلاثين الماضية كانت تدار وفق اقتصاد الحرب”، وهو ما يعطي الأولوية الآن لتحقيق السلام المستدام، مبدياً قناعته بأن الظرف الحالي مواتٍ للغاية في سبيل تحقيق ذلك، مضيفا: نطمح في بناء اقتصاد يقوم على الإنتاج وليس على المعونات والهبات، مشددا على ضرورة مُحاربة الفساد بطريقة صارمة. ونوه إلى أن ذلك يحتاج إلى قضاء مُستقل، وأشار إلى دور أجهزة الإعلام والصحافة في هذا الجانب، وقال: يجب أن تلعب دورا رئيسيا في محاربة الفساد وتفعيل صحافة الاستقصاء وكشف المعلومات، مؤكدا أن الفترة الانتقالية ستشهد سياسة خارجية متزنة تُراعي في المقام الأول مصلحة السودان.
آراء وتحليل
مجمل إفادات حمدوك في الحوار عرضت آراء وتحليلات، عرفت الشعب السوداني بالرجل، لم تكن رؤية كاملة وعرضا لخطط ستنتهجها حكومته في المرحلة المقبلة، ويبدو أنه ينتظر تشكيل الحكومة لعرض هذه الرؤية الشاملة بعد اكتمال فريقه، لكن ذلك لم يقلل من إفاداته وأهميتها والتي كشف من خلالها مواطن الضعف وكيفية حلها دون الدخول في تفاصيل – قد تكون معقدة – وهذا مهم جدا، فالشفافية مطلوبة لكن دون الدخول في تفاصيل قد تعقد الوضع أكثر، ولذلك أعطى حمدوك رسالة تطمينية للشارع بأن العبور ممكن، إلا أن تطمينات رئيس الوزراء بشأن سياسات النقد الدولي ربما لم تكن في محلها، فالتجارب القريبة للبنك بالمنطقة تؤكد أن للبنك شروطا يفرضها طالما وافق على إعطاء قرض، وأن البنك لم يأخذ قرار القرض لدولة ما إلا بعد دراسة اقتصادها جيدا والتأكد من إمكانية سداد هذه القروض، ولذلك يتدخل بفرض شروط وسياسات، ويحدد جدولة لإعادة هذه القروض للتأكد من ضمان سدادها.
لقاء فريد
خالد محمد علي الخبير المصري بالشأن السوداني قال لـ(اليوم التالي) إنه لأول مرة نرى مسؤولا سودانيا خبيرا اقتصاديا يتحدث بهذه الرؤية الشاملة، بجانب رؤيته السياسية التي كانت حاضرة أيضا، مضيفا أن حمدوك الخبير الدولي والذي يدرك تأثير المحاور الإقليمية يمكن استغلال علاقاته برفع العقوبات نهائيا عن السودان ورفع اسمه من قائمة الإرهاب، لافتا إلى أن هذه الخطوة المهمة لو أنجزها حمدوك وفريقه إلى جانب اعفاء السودان من ديونه فسيضع البلاد على بداية الطريق، وقال إن اللقاء كان فريدا من نوعه، معتبرا أن إعلاء لغة الاقتصاد وحل الأزمات على السياسة لأول مرة في السودان أحد منجزات الثورة السودانية.
وفي معرض تعليقه على حديث حمدوك قال خالد: أعتقد أن السودان بلد زراعي بالدرجة الأولى، وإن بداية نهضته لابد وأن تقوم على الزراعة والاقتصاد الزراعي، لافتا إلى أن معظم اقتصاديات المنطقة تقوم على المنح والقروض والهبات، وقال إن حديث حمدوك في هذه النقطة قد يكون طموحا لأنه من الصعب عدم الاعتماد عليها على الأقل في البداية، وأن الاعتماد على المنتج السوداني سيواجه بالجودة الغربية وصعوبة التنافس مع أسعار المنتج الصيني، مضيفا: كنت أتوقع أن يتحدث حمدوك عن خطة لإعادة الكفاءات السودانية المهاجرة والتي يحتاجها السودان كثيرا في هذه المرحلة إذا كنا نتحدث عن تصنيع وعن عدم تصدير المواد الخام وأن هذا يحتاج لكفاءات وخبرات مدربة، مشيرا إلى تركيز حمدوك على التجربة الإثيوبية، موضحا أن إثيوبيا لم تنجح إلا بوقوف الغرب بجوارها وبرغبة الخارج في ذلك، متسائلا: هل يرغب الغرب في إنجاح التجربة السودانية؟ وقال: في تصوري إن السودان يحتاج لتجربة ذاتية خاصة تراعي أنه لا يمكن أن يكون أفريقيا خالصا ولا عربيا خالصا، بل يمثل جسرا بين العرب وأفريقيا، مشيرا إلى أن ربط الإصلاح بوقف الحرب سيأخذ زمنا طويلا وأن الشارع لم يتحمل كثيرا، وقال: يجب أن تكون هناك خطط إسعافية عاجلة تخاطب المواطن بأن هناك تحولا وتغييرا حقيقيا، مضيفا أن فتح العلاقات مع دول الجوار كفيل بأن يأخذ الاقتصاد السوداني من أزماته، لافتا إلى أن الحساسية السودانية من دخول أموال واستثمارات خارجية للبلاد لابد أن تتغير حتى يتعافى وينمو الاقتصاد السوداني، مؤكدا أن السودان دولة مفقرة وليست فقيرة ويمكن استغلال ثرواته الطبيعية بالشكل الأمثل، وقال إن هذا الاستغلال يمثل الاختبار الحقيقي للحكومة الجديدة إذا نجحت فيه فسيمثل طاقة عبور مهمة، لافتا إلى أن حديث حمدوك عن البنك الدولي وقروضه وفرض سياساته يحتاج لتوضيح. وقال إن سياسات البنك الدولي واضحة، مؤكدا أنه لا يوجد مقترض يفرض شروطه.
يمكنك ايضا قراءة الخبر في المصدر من جريدة اليوم التالي