السودان الان

بعد الفراغ من تشكيل الحكومة ينتظر الجميع الزيارة الخارجية الأولى لرئيس الوزراء والتي ستعكس في الغالب توجه السياسة الخارجية للسودان.. فهل سيشرع حمدوك في زيارة أديس أبابا.. جوبا.. أم سيخالف سقف التوقعات ويُبقي القاهرة لحين إشعار آخر؟ “واحد من تلاتة”

مصدر الخبر / صحيفة اليوم التالي

القاهرة – صباح موسى
بادر الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس الوزراء المصري، قبل يومين بالاتصال بالدكتور عبد الله حمدوك رئيس مجلس الوزراء، فور تسلمه مقاليد منصبه قائداً للمرحلة الانتقالية بالبلاد، وهنأه على الثقة الكبيرة التي نالها من أطياف الشعب السوداني، واختياره رئيساً للوزراء في هذه المرحلة المهمة والدقيقة التي يمر بها السودان، معرباً عن تمنيات مصر بأن تتكلل بنجاح جهوده في تشكيل الحكومة السودانية الجديدة في أقرب وقت ممكن، مؤكداً استعداد مصر لتقديم كافة أوجه المساندة الممكنة للسودان خلال الفترة المقبلة، معرباً عن تطلعه لاستقبال حمدوك في مصر لبحث مجالات التعاون المشترك، والاتفاق على تفعيل التعاون في مجالات جديدة تعود بالنفع على شعبي البلدين.
من جانبه، وجه رئيس الوزراء الشكر لمدبولي، مشيداً بعلاقات الأخوة وروابط الصداقة التي تربط شعبي مصر والسودان، مؤكداً على تطلعه للعمل خلال الفترة المقبلة من أجل تعزيز التعاون بين مصر والسودان في كافة المجالات التي تخدم التنمية والرخاء بكلا البلدين.
أول محطة
العلاقات السودانية المصرية دائماً تأتي على قمة أولويات السياسة الخارجية في البلدين، وعلى الدوام نجد أن الخرطوم والقاهرة هي أولى المحطات الخارجية لزيارة المسؤولين الجدد في السودان ومصر، وذلك لعمق العلاقات وقربها وتشابكها على مر التاريخ مهما كانت العقبات التي تعتريها من آن لآخر، ويأتي اتصال رئيس الحكومة المصرية السريع في هذا التوقيت الدقيق والمهم الذي يمر به السودان، للتأكيد على أهمية السودان والرغبة في بداية جديدة من العلاقات بين البلدين، فهل ستكون القاهرة أولى المحطات الخارجية لحمدوك؟ أم أن هناك عواصم أخرى ستسبق القاهرة في زيارة رئيس الوزراء هذه المرة؟
جوبا على الخط
الأخبار التي رشحت بأن جوبا ستكون أولى محطات حمدوك الخارجية للزيارة قد يكون لها ما يبررها، بأن عاصمة جنوب السودان لديها مبادرة بقيادة الرئيس سلفاكير ميارديت لتحقيق السلام مع الجبهة الثورية وباقي الحركات المسلحة، وذلك استكمالاً لما تم بها للوصول بالسودان إلى السلام المنشود والذي يركز على تحقيقه حمدوك كرافعة لنقل البلاد من مرحلة الحرب إلى مرحلة السلام، الذي سينقلها بدوره من اقتصاد الحرب الذي يكلف السودان قرابة الثمانين بالمئة من اقتصاده إلى اقتصاد معافى يمكنه وضع البلاد على طريق حل أزمته الطاحنة، إلا أنه يخفي أحد المجهودات الكبيرة التي بذلتها القاهرة في الساعات القليلة التي سبقت التوقيع النهائي على الوثيقة السياسية والإعلان الدستوري بدعوة حركات الجبهة الثورية وقوى إعلان الحرية والتغيير إلى أراضيها لاستكمال ما بدأته جوبا في هذا الصدد، ولولا القناعة التي أتت بها الحرية والتغيير للقاهرة بتأجيل التوافق التام مع الحكومة الجديدة، وربما أيضاً رفع سقف طلبات الجبهة الثورية، لتحقق جزء كبير من السلام السوداني على أرض مصر، حرصاً منها على ضرورة دخول السودان للمرحلة الانتقالية بأكبر قدر من التوافق والسلام الاجتماعي والذي يؤثر بالضرورة على أمنها القومي، فاستقرار السودان هو استقرار لمصر في المقام الأول.
مسافة واحدة
وشهدت كواليس اجتماعات القاهرة بين الحرية والتغيير والجبهة الثورية تباعداً كبيراً في وجهات النظر أدى إلى مشاحنات واضحة بين الطرفين رغم المحاولات المستمرة والكبيرة من الوسيط المصري، إلا أن الطرفين كانا قد وصلا لقناعة تامة بأن الطريق مسدود، ولم تيأس القاهرة في المواصلة في هذا الموضوع بالتنسيق مع جوبا وبدعوة فصائل الجبهة الثورية لزيارتها مرة أخرى لإعطاء فرصة أكبر لتحقيق هذا الأمر، وقد لا يعلم كثيرون أن مصر شاركت جوبا ونسقت معها في استقبال الحرية والتغيير والفصائل المسلحة في جنوب السودان لتحقيق التوافق بينهما، ولم يكن اجتماع القاهرة بين الجبهة الثورية والحرية والتغيير معزولاً بل كان استكمالاً لما حدث في جوبا، وشهدت عاصمتا مصر وجنوب السودان زيارات متبادلة بين مسؤوليهما للتنسيق حول هذا الأمر، وربما جاءت دعوة القاهرة لهذا الاجتماع لإثبات أنها لا تميل لطرف بعينه في المعادلة السودانية الراهنة، وقد حاولت المحروسة بشكل عملي بعد استقبال الفريق أول عبد الفتاح البرهان ونائبه الفريق محمد حمدان دقلو (حميدتي) لاستقبال الحرية والتغيير والجبهة الثورية، لتؤكد بذلك أنها على مسافة واحدة من كل الأطراف السودانية، بالإضافة إلى تأكيد رغبة القاهرة في تحقيق سلام شامل بالسودان يمكنه من عبور المرحلة الانتقالية بأمان واستقرار.
روابط اقتصادية
على الجانب الاقتصادي هناك اتفاقيات موقعة من قبل بين البلدين في هذا الصدد وتنتظر التطبيق الفعلي على الأرض، بما فيه مصلحة الشعبين بمد السكك الحديدية بين البلدين، وكذلك مشروع الربط الكهربائي الطموح الذي تمد مصر من خلاله السودان بـ 300 ميجاوات في مرحلته الأولى والذي تبلغ تكلفته من الجانب المصري 56 مليون دولار، إضافة إلى العديد من المشاريع الاقتصادية– التي لو طبقت بشكل فعلي– من شأنها أن تساعد كثيراً في رفع اقتصاد البلدين، ويمكنها أن تحقق انطلاق العلاقات بعيداً عن الشعارات العاطفية بأن تكون المصالح هي أساس النهضة الحقيقية بينهما.
إثيوبيا قريبة
قد تأتي إثيوبيا أيضاً على رأس أولويات السياسة الخارجية في السودان بالمرحلة المقبلة لأسباب معروفة، منها أن أديس أبابا كانت قائدة مع المبادرة الأفريقية في التوافق بين المجلس العسكري وقوى إعلان الحرية والتغيير، وانعكس ذلك في الاستقبال الكبير لأبي أحمد رئيس الوزراء الإثيوبي في حفل التوقيع النهائي، بما أكد وجهة المزاج الشعبي السوداني، على مستوى القيادة أيضاً انعكس ذلك في حديث حمدوك الأول وتركيزه على إثيوبيا وتجربتها وما قامت به من أجل التحول في السودان.
لا يمكن تجاوزها
خالد محمد علي الخبير المصري بالشأن السوداني توقع أن تكون أديس أبابا هي أولى محطات حمدوك الخارجية قبل جوبا والقاهرة. وقال خالد لـ(اليوم التالي) إن حمدوك شارك في التجربة الإثيوبية ويبدو أنه يحاول الاستفادة منها في السودان، مؤكداً أن الزيارات الأولى غالباً ما تعكس التوجهات، وقال لذلك أتوقع أن أديس أبابا وتليها جوبا ستكون أولى زيارات حمدوك الخارجية، مضيفاً إلا أن العلاقات السودانية المصرية ليست اختياراً ولا يمكن تجاوزها، لأن ما يربط بين البلدين سواء على المستوى السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي لا يمكن تجاوزه بسهولة، وتابع أن روابط العلاقات بين البلدين على كافة المستويات معروفة ولا يمكن تجاوزها بسهولة، مؤكداً أن رغبة البعض في تصدر ملفات الخلاف بين البلدين للعلاقات بينهما مصيره الفشل، وقال إن مصر مهمة جداً للسودان بنفس القدر السودان مهم جداً لمصر ولا يمكن تجاوز ذلك، موضحاً أن مصر تمثل أكبر سوق للمنتجات السودانية على عكس أي دولة أخرى، ويجب استفادة البلدين من ذلك، وقال إنه يجب أن تبنى العلاقات في شكلها الجديد على المصالح المشتركة والذي بدوره سيخلق تفاهمات كبيرة حول ملفات الخلاف بينهما.
ويبقى أن الجميع ينتظر ويتوقع الزيارة الأولى الخارجية للدكتور عبد الله حمدوك بعد الانتهاء من تشكيل الحكومة، فهل سيؤجل حمدوك زياراته الخارجية لحين الفراغ من تحقيق بدايات مهمة وضرورية لحكومته، أم أن الزيارات الخارجية ستكون في رؤيته جزءاً لا يتجزأ من بداية الانطلاق؟ هل ستكون وجهة الرجل إلى أديس أبابا أم إلى جوبا أم سيفاجئنا بمحطة جديدة غير متوقعة؟ وهل للقاهرة مكان على رأس المحطات الخارجية في رأس حمدوك أم ستنتظر العاصمة المصرية لحين إشعار آخر؟

يمكنك ايضا قراءة الخبر في المصدر من جريدة اليوم التالي

عن مصدر الخبر

صحيفة اليوم التالي