السودان الان

بعد أن تجدد الصراع، إلى أين تمضي الأوضاع في بورتسودان؟ هل ستنجح الحلول الأمنية في إخماد نار الفتنة وقطع الطريق أمام الأيادي الخفية التي تحرك خيوط الأزمة وتعبث بالأمن المجتمعي للشرق؟ (دم الساحل)

مصدر الخبر / صحيفة اليوم التالي

الخرطوم – مهند عبادي
من الذي يعبث بأمن ولاية البحر الأحمر؟ ظل هذا السؤال مفتوحا عصيا على الإجابة منذ أن تفجرت الصراعات القبيلة مؤخرا بمدينة بورتسودان، وما خلفه ذلك الصراع من خسائر بشرية ومادية، ولم تفلح قرارات مجلس السيادة بإعفاء الوالي وتعيين آخر في إخماد نار الفتنة فقد تجددت مرة أخرى عقب التوقع على وثيقة الصلح التي تمت قبل أيام، وتشير الأنباء إلى وصول قوة من الدعم السريع إلى بورتسودان وسط استبشار كبير بمقدمها من أجل فرض هيبة الدولة والفصل بين المتنازعين هناك، ولكن ثمة رأي عام مسيطر حاليا على الواقع بعد أن تجددت الأحداث تحولت بموجبه قناعة الكثيرين إلى احتمالية وجود أياد خفية تعبث باستقرار البحر الأحمر الأمني والاجتماعي؛ حيث اعتادت هذه الأيادي الخبيثة العمل تحت ظل الفوضى الخلاقة باستغلالها إنسان البحر الأحمر، آراء بعض شباب البحر الأحمر تذهب في اتجاه أن إنسان البحر الأحمر الآن أصبح على درجة عالية من الوعي ويدرك بأن أطرافا خفية في الجوار وداخل البحر الأحمر تعمل على استعادة نفوذها ولكن إنسان البحر الأحمر أكبر من العصبية القبلية والعرقية وبفضل حكمة عقلاء الولاية وزعماء الإدارات الأهلية فإن مجتمع البحر الأحمر قادر على بتر الأيادي التي تعمل في الخفاء وحماية أمنه المجتمعي.
يقول أمجد فريد عضو تجمع المهنيين في مدونة له عبر صفحته على فيس بوك: “كثيرون أدرى مني بما يحدث في بورتسودان خصوصا التفاصيل الدقيقة للعلاقات بين المكونات الاجتماعية المختلفة، غير أن الحل لا يمكن أن يكون عبر الاتجاهات الأمنية التي تسعى لفرض هيبة الدولة”، ويضيف: “الدولة ما عندها هيبة الدولة عندها قانون يتوافق عليه الناس ليحكم وينظم معيشتهم مع بعضهم البعض. وهذا التوافق ممكن والباب إليه مفتوح عبر الجهود التي بذلتها الإدارات والزعامات الأهلية في هدنة القلد غير أن تخاذل وعدم فعالية الجهات الرسمية في استكمال شروط القلد أوقف هذا التطور الإيجابي باتجاه الحل”، ويتابع في حديثه أن “إرسال قوات أمنية أو تعزيزات بدون توجه واضح لإعلاء صوت القانون وتفعيل سيادته سيكون مجرد إجراء قمعي أرجو أن تنتبه حكومة الوالي الجديد في البحر الأحمر إلى هذا الأمر وتعمد إلى إجراءات قانونية واضحة شفافة وعادلة ومحايدة لحل الإشكال”.
وفي السياق يعتقد مراقبون أن تجدد النزاع والأحداث يرجع إلى تدخل جهات لها مصلحة من إشعال الفتنة واستمرارها لزعزعة استقرار المنطقة ويقول هؤلاء إن الصراع له علاقة بإلغاء عقد الشركة الفليبينة التي كانت ستقوم بتشغيل ميناء بورتسودان الجنوبي، وكتب الباشمهندس بكري علي أن “مدينة بورتسودان بين مطرقة الإمارات وسندان حميدتي” مشيرا إلى أن لدولة الإمارات رغبة معلنة وصريحة في السيطرة على موانئ حيوية حول العالم، وبالتالي رغبتها في السيطرة على موانئ أفريقيا على البحر الأحمر، حيث كتبت مجلة الإيكونيمست قبل عام مقالاً بعنوان: (الإمارات “تتهافت” للسيطرة على الموانئ الأفريقية) فصّل المقال رغبة الإمارات العارمة في استباق منافسة الصين وقطر في الحيازة على موانئ البحر الأحمر وخليج عدن حتى لو كان الثمن زعزعة استقرار دول تلك الموانئ وليس ببعيد عنا في السودان محاولة النظام البائد في نهاياته بيع حقوق تشغيل ميناء بورتسودان للإمارات بغطاء الشركة الفلبينية والتي استمات أهلنا في الثغر الحبيب دون اكتمالها”، ويقول بكري في مدونته: “لا يمكن النظر إلى الفتنة المشتعلة في بورتسودان، والدور الجديد لحميدتي وقواته في المدينة بمعزل كامل عن محاولات الإمارات المستميتة في السيطرة على ثغر السودان ضمن خطتها الكبيرة ولا يمكن في نفس السياق تجاهل خبر افتتاح ملحقية عسكرية إماراتية بالخرطوم في هذا التوقيت الحساس في عمر السودان.. هل تم افتتاح الملحقية العسكرية الاماراتية بعلم أو موافقة الأعضاء المدنيين الستة في مجلس السيادة؟”
ويتابع: “ميناء بورتسودان، غير أنه جزء غال وحبيب من تراب هذا الوطن الجميل، سيكون بوابة نهضة السودان القادمة ستمر من خلاله معظم صادرات نهضتنا الصناعية الكبرى المُنتظرة والساعية إلى تقليل تصدير الخامات الزراعية والحيوانية والمعدنية إلا بعد مرورها عبر عجلة إنتاج يديرها أبناء وبنات هذا الوطن بمهارة عالية. ستمر من خلاله معظم وارداتنا ومدخلات نهضتنا الإنتاجية.. بدون بورتسودان مستقرة يبقى كل مصير النهضة السودانية مجهولا”، وقال: “من هنا نقدم الدعوة لقادتنا في المجلس السيادي والسيد رئيس الوزراء حمدوك لإدراك حجم الخطر المحدق بكل السودان، والقراءة بين سطور السيناريو الخبيث المعدّ بعناية ويتم تنفيذه بأيدي فاقدي الضمير الوطني من أبناء هذا البلد المتلهف للخروج من حفرة الفقر وفقدان السيادة إلى واقع أفضل والتصدي لما يحاك ضد بورتسودان وضد مستقبل السودان يجب أن يكون أولويتكم العليا، أولى حتى من إكمال تشكيل الحكومة”.
إلى ذلك يرى الأستاذ علم الدين الفاضل أن ما يجري في شرق السودان يستوجب صحوة ومعالجات تتجاوز إقالة المسؤولين في قمة هرم الولاية، لأن الصراع في حقيقته أبعد من أن يتصوره البعض صراعا عاديا، فهو يستبطن تداخلات وأجندات وتقاطعات مصالح لعدة قوى إقليمية ومحلية وقبلية دخلت كأطراف رئيسية في تأجيجه وتجديده وانتقاله من ولاية القضارف بعد الإطاحة بالوالي السابق. ويقول: “إن ما تواتر من أنباء حول إيفاد قوات الدعم السريع للولاية، للأسف يعطي إشارات سالبة تتجاوز فشل القوات المسلحة والقوات النظامية الأخرى في فض الصراع فمسؤولية إدارة الملف تقع على عاتق المجلس السيادي ويمكن إيجاز المطلوبات الملحة للإيقاف العاجل للصراع الدامي في تشكيل لجنة محايدة بصلاحيات ومهام محددة، من عسكريين وقانونيين وقيادات أهلية لدراسة أسباب وجذور الصراع الفعلية ورفع توصياتها لجهات الاختصاص بأسرع ما يمكن”، وشدد علم الدين على ضرورة التعامل بحسم مع مظاهر التسلح وبقوة القانون مع الجهات والأفراد الساعين لإفلات المقبوض عليهم وبحوزتهم أسلحة، ومصادرة الأسلحة المقبوض عليها وتشديد مراقبة الحدود بين السودان وأريتريا بغرض إيقاف أي تدفقات محتملة للأسلحة والتدقيق في هويات الدخول من الشقيقة أريتريا وإبعاد أبناء أي من القبيلتين المنتمين للقوات النظامية والأمنية خارج ولايات شرق السودان لمدة لا تقل عن ستة أشهر وتقديم المتورطين فورا للعدالة، وفرض هيبة الدولة والتعامل بالحسم مع مثيري الصراع من الطرفين والتنسيق التام بين القيادات الأهلية الممثلين للقبيلتين وتنويرهم بخطوات اللجنة وإخطارهم فيما اتخذ من قرارات بغرض التهدئة والدخول في صلح عام”، وقدم علم الدين روشته علاجية كاملة طالب فيها أيضا بالاستعانة بأبناء الولاية المثقفين للمشاركة في التوعية وحقن الدماء وجبر ضرر المتأثرين بالصراع وتعويضهم ماديا ومعنويا وأضاف الفاضل: “على قيادات قوى إعلان الحرية والتغيير زيارة المنطقة والوقوف على حجم الخسائر في الأرواح وتطييب المتأثرين ومواساة أسر الضحايا والاستمرار في تسيير المواكب الجماهيرية التضامنية والساعية لتوصيل رسائل إيقاف العنف كالموكب المقترح يوم غد السبت” وتابع: “على الدولة ممثلة في مجلس السيادة التحرك لإيقاف النزيف، فبعض أصحاب المصلحة في تجدد الصراع يجولون بين المدن للظفر بنكبة أخرى وإيقاد فتنة نائمة”.

يمكنك ايضا قراءة الخبر في المصدر من جريدة اليوم التالي

عن مصدر الخبر

صحيفة اليوم التالي