كسلا – سيف هرون
لا.. لم يعد للعنصرية والقبلية مكان هنا في السودان، في بقعة يردد الناس أنهم أمام ثورة اقتلعت تلك التقسيمات إلى براحات الوطنية، مدينة كسلا، استشعرت خطر الصراع الدامي في صنوتها مدينة بورتسودان، فهبت تتقدم صفوف التهدئة وصب الماء البارد في الصراع الحامي الذي شهدته مكونات عزيزة هي من تراب هذا الوطن، خرجت كسلا لتعبر عن مواساتها ووقفتها الصلبة أمام ما يؤدي لتخريب النسيج الاجتماعي الذي عُرف بسلامته في أرض القاش وهبة التاكا، مبادرات رسمية من قبل حكومة الولاية وشعبية من الشارع العام في كسلا صبت كلها في اتجاه إزالة كابوس الدم من مدينة بورتسودان.
(1)
وبإلهام ثورة ديسمبر المجيدة فإن الشارع والقيادة التنفيذية الحكومية في ولاية كسلا يجمعهم أمل الإصلاح حينما يقول والي كسلا اللواء ركن محمود همد وهو يخاطب مبادرة التعايش السلمي من أجل بورتسودان والتي قادها شباب من أبناء قبيلتي البني عامر والنوبة بولايته. إن هذه المبادرة تؤكد دور شباب الولاية في ثورة التغيير ووعيهم ونضجهم في التعاطي مع الأحداث الهامة في البلاد، ويضيف “أن الأدوار التي قام بها الشباب في الوقاية المبكرة للتعايش السلمي بين القبيلتين كان لها أثرها الفاعل”، وأبان همد أن القبيلتين ظلتا في تاخٍ وتعايش منذ وجودهما في الشرق على مر التاريخ، وأكد على الدور الطبيعي للرجال والشباب في التوعية المجتمعية والتبشير بالمبادرة وتعظيم التعايش السلمي ونبذ الفتنة، بيد أن همد عاد وحذر رواد مواقع التواصل الاجتماعي بعدم الخوض في إذكاء نار الفتنة، ورأى أن ما حدث في ولاية البحر الأحمر لا يرضي أحدا، مؤكداً أن ربط الأجهزة الأمنية بالمبادرة جاء نتيجة للأهداف السامية التي حققتها وجنبت مواطني الولاية الاحتراب فيما بينهم، واصفاً مبادرة الشباب بأنها تصلح لأن تكون أنموذجاً يحتذى لكل ولايات البلاد.
(2)
ولم يتوقف الدعم الأهلي والرسمي عند حدود المؤازرة المعنوية فسرعان ما هبت السيارات تنقل الوفود والمواطنين وهم يحملون رايات السلام البيضاء، في الوقت الذي أعلن فيه همد عزمه زيارة البحر الأحمر بمعية قيادات المبادرة لعرضها محاور على حكومة ومواطني البحر الأحمر وعلى وجه الخصوص جماهير وقيادات النوبة والبني عامر، باعتبار أن المبادرة تدعو للأمن والاستقرار والتعايش بين كافة المكونات باختلاف مشاربهم الإثنية والدينية، ودعا الوالي همد شباب المبادرة للحياد والتجرد دون النظر إلى التبعية السياسية أو اللون العرق، معرباً عن شكره لشباب المبادرة والشباب في قيادة الحرية والتغيير الذين أكدوا مساندتهم وتأييدهم للمبادرة وأدوارهم الطليعية في شتى المجالات بالولاية، خاصة بعد الاتفاق الذي تم بين شركاء العملية السياسية بالبلاد، متمنياً أن تمضي البلاد قدماً نحو البناء والتعمير بالاستفادة من مواردها الطبيعية والبشرية لوضع السودان في الطليعة.
(3)
كسلا كمدينة تمثل خاصرة الشرق، وعروسه الوضاء، لذا فإن المبادرة من شبابها ليست غريبة لرتق النسيج الشرقاوي، ويقول عبد العزيز حامد وهو من المبادرة الشبابية للتعايش السلمي، إنهم لمسوا تفاعلا كبيرا من حكومة الولاية والمواطنين مع المبادرة وما طرحته من أهداف كفيلة بأن يتعافى على إثرها أي مجتمع، ونوه حامد لأدوار وجهود بذلها المجلس الأعلى للشباب والرياضة وترويجه للمبادرة بواسطة الدورات الرياضية ومراكز الشباب، وقال إن الشباب يهدفون لحمية وقائية من أي توتر قد يحدث بين القبائل خاصة القبيلتين مكان النزاع، مشيراً إلى أن دورات رياضية أقيمت بأحياء سكنية تقطنها القبيلتان، مشيداً بانخراط شباب القبيلتين وتفاعلهم مع أهداف المبادرة، فضلاً عن مشاركة الدراميين والأعمال المسرحية التي قدمت بمناطق سكن القبيلتين وما قابلته من رضا.
(4)
ومنذ أن تفجرت الأحداث في مدينة بورتسودان فإن مواطني ولاية كسلا خرجوا للشوارع بمواكب هادرة يدعمون الاستقرار ووقف الاقتتال القبلي في بورتسودان، كما هو في تأكيد محمد عمر معلا من المبادرة الشبابية، حيث أشار إلى دور رابطة أبناء جبال النوبة وممثلي الإدارة الأهلية من أبناء جبال النوبة بولاية كسلا عبر الأفكار البناءة التي طرحوها في جسم المبادرة، وقال إن تلك الرؤى استندت إلى ما حدث بولاية القضارف ومحلية ريفي خشم القربة التابعة لولاية كسلا، وقال إن التواصل مع أبناء البني عامر هو القاسم المشترك لكل الأطروحات، وأشار للدور الذي لعبته علاقات الدراسة والرياضة والعمل القائمة بين أفراد القبيلتين في تسهيل وصول المبادرة لهدفها، واستعرض المشتركات بين القبيلتين المتمثلة في مشكلات الهامش في الغبن الاجتماعي ونقص الخدمات، وقال معلا معلوم أن الخلاف بين المجتمعات موجود منذ وجود الإنسان، بيد أننا ثبتنا أن لا يتم تضخيم لأي إشكالات على المحيط الشخصي، وامتدح الحلول السريعة التي قام عقلاء القبيلتين لبعض المشكلات.
(5)
ومثلما يستشعر القادة السياسيون ومن هم في الحكومة خطر ما يحدث في بورتسودان، وأنه كما في حديث كثيرين منهم أنه أكبر من مجرد خلاف بين قبيلتين، كذلك يدرك قادة مبادرة تعايش الشبابية ذلك الأمر، كما في حديث محمد عواض عضو أمانة المبادرة حيث وصف ما يحدث بين القبيلتين بالفتنة التي وراءها بعض الأجندة التي تريد أن تعم النيران كل مكونات الشرق، ولفت عواض في حديثه لمخاطر النزاعات التي حدثت في بعض الدول الأفريقية، وكانت بدايتها في حيز قبلي ضيق وتطورت إلى مراحل صعبة هددت بقاء الدولة، ودعا السلطات إلى تكثيف الوجود الأمني في كافة المحليات وزيادة الدوريات الليلية لحماية المبادرة وفرض هيبة الدولة، داعياً قيادات المبادرة للوسطية في التعاطي مع الأهداف السامية.
(6)
مثلهم والآخرين في عهد الحرية والتغيير فإن رجال الدين جاءوا يحملون هم التعايش الذي دعت إليه جميع الأديان وهو ما يؤكده الشيخ أحمد عثمان ممثل الأئمة والدعاة بأن حرصهم على مواصلة جهودهم الدعوية والتوعية في إطار المبادرة من واقع الواجب الديني والمسؤولية الوطنية عبر الخطب والمحاضرات وحلقات المنابر المتعددة وحلقات الأسواق والقوافل حول التراحم والتآخي، بينما يرى القس موسى أركانجلو أن الأديان السماوية حرمت قتل النفس ولفت إلى أن انخراطهم في المباراة من واقع مسؤولية الراعي والرعية، وتابع “عزمنا على تكوين لجان للطواف على أماكن سكن المسيحيين وتنويرهم بخطورة الاقتتال بين أفراد المجتمع وحرمته في الأديان”.
يمكنك ايضا قراءة الخبر في المصدر من جريدة اليوم التالي