استبشر المواطنون خيراً بإطلالة الأخ مدني عباس مدني، وزير التجارة والصناعة، في برنامج (حوار المستقبل) الذي أقدمه بفضائية النيل الأزرق، وإعلانه الحرب على جشع التجار وتفعيل قانون حماية المستهلك. مدني لم يكن وحده في ذلك اليوم، إذ حرصت على أن يكون معه الأخ الدكتور ياسر ميرغني الأمين العام لجمعية حماية المستهلك.
قدم مدني إفادات كثيرة خلال الحلقة لتخطيط وهندسة وإصلاح واقع التجارة والصناعة في البلاد، لكن أكثر ما حظي بالاهتمام في حديثه انصب حول الأسعار وما ترتب الحكومة لاتخاذه من قرارات بشأن الأسواق والسيطرة على تصاعد الأسعار، حرصت في الحلقة على الاستيثاق من مدني وياسر بشأن الموعد المضروب لتفعيل آليات خفض الأسعار وتثبيت الديباجات على السلع، فكان الرد أن هذا الأمر سيبدأ على الفور ودون إبطاء.
الواقع اليوم يؤكد أن السوق مازال يدور على (حل شعره)، على الرغم من بشريات الحسم وآليات (الضبط والربط) التي أعلنها وزير التجارة والصناعة، وبشرت بها جمعية حماية المستهلك، وعلى الرغم من هذا الحديث يمكننا القول بكل أسف، إنه وحتى الآن (المناظر هي ذاتا والصور نفس المشاهد) في الأسواق.
لا أنصح حكومة حمدوك بإهمال أنين الناس وشكواهم في الأسواق، ألحظ أن هنالك حالة غرور ثوري تراهن على أن الناس سيصبرون على التغيير مهما كانت الأوضاع، راهنت الإنقاذ التي ذهبت على صبر المواطنين أيضاً من زاوية الثقة المفرطة في ولائهم، هنالك أسباب كثيرة لاندلاع الثورة بالتأكيد تتعلق بالدعوة لإرساء قيم الحرية والعدالة والسلام، ولكن لابد من تثبيت أن التغيير حدث أيضاً لأسباب مرتبطة بمعاش الناس.
مازالت الدولة تتعامل ببرود كبير مع معاناة المواطن في سبيل الحصول على العيش الكريم، الأسواق بلا رقابة ولا ضابط، التجار ماضون في الانقضاض على جيوب المواطنين بجشع غريب، تتراجع أسعار الدولار أو تستقر بينما ترتفع الأسواق بوتيرة متصاعدة، أين قانون حماية المستهلك يا دكتور ياسر، وأين الحرب التي توعد بها مدني عباس مدني التجار؟.
(مافيا التجار) تتفنن بالطبع في تعذيب الشعب السوداني مع أي زيادة في الدولار، فيرتفع حتى سعر (الدوم والنعناع والليمون)، ظل هؤلاء يشعلون الحرائق في الأسواق مع كل صباح جديد دون تقديم أسباب موضوعية، ويتعللون بزيادة الدولار، وحين يتراجع فإنك لا تلمس لذلك أثراً في قيمة السلع.
نعم لا نخشى على الشعب السوداني من إعادة هيكلة الاقتصاد، ولا من سياسات رفع الدعم الذي بدأت تلوح به الدولة، لكنا نخاف على المواطن من الذين يستثمرون في أزماته، مع عدم وجود آليات تدخُّل تحاسب وتراقب وتضبط إيقاع الأسعار وتسيطر على حراك (المافيا) التي باتت موجودة في أي مجال.
أسواقنا ظلت تعاني الفوضى، أين آليات الضبط والرقابة، لماذا تأخرت التعاونيات، قلت مبادرات امتصاص الزيادة في الأسعار وغرقت الدولة في همومها وتركت المواطن نهباً لمافيا الأسواق.
لن نمل من الدعوة لحراسة حقوق المواطن بإجراءات واضحة تفوت الفرصة على الذين يحاولون التلاعب بمعاشه ويحرجون الحكومة كل يوم، ومثلما كنا نحذر الإنقاذ ها نحن نكتب اليوم إلى الحكومة، بأن الأسواق أخطر عليها من الدولة العميقة والحركات المسلحة التي تسعى لها في عدد من العواصم، راهنوا على رضاء المواطن فهو ضمان بقائكم على سدة الحكم، إن كنتم تتطلعون لفترة انتقالية ترتب المشهد السوداني وتحقق السلام والأمن والاستقرار.
اقرا الخبر ايضا من المصدر من هنا عبر صحيفة الراكوبة نيوز