عبر الدرامي محمود ميسرة السراج عن اسفه ازاء التردي الذي اصاب تلفزيون السودان وقال في موقعه فيس بوك-
اذا اردت ان تعرف حجم القبح الذي زرع في حياتنا طوال اعوام كثيرة فما عليك الا ان تشاهد تلفزيون السودان..شاهد الصورة المقدمة..شاهد الالوان والديكور..اسمع صوت الموسيقى والاغاني المسجلة في استديوهاته .شاهد حتى البرامج التي انت واثق انها معمولة بعناية والتي لو اتيحت لك الفرصة لمشاهدتها في قنوات اخرى (ارض السمر على سبيل المثال)..شاهدها كيف تتحول الى هباءا وصورا متقطعة , حديث السراج تفاعل معه عدد كبير من الدراميين والمتابعين الذين ركزوا على برنامج ارض السمر فقد انتقد بعضهم الى اختيار مخرج ارض السمر الى ( مقدم فلسطيني) وفي رده قال السراج
ان سيف الدين حسن مخرج السلسلة وكان رأيه ان مقدم العمل (فلسطيني الجنسية) هو الاكثر كفاءة ومعلومات وعلم من غيره لتقديم هذا النوع من البرامج وفي رده قال مخرج السلسلة : ارجو مشاهدة الحلقات كاملة ومن ثم الحكم على السلسلة
عرض كتاب اطباء السودان الحفاة
في كتاب «أطباء السودان الحفاة قصة نجاح أبهرت العالم» الذي يؤرخ قصة تأسيس مدرسة الدايات (القابلات) ونجاحها في إنقاذ العديد من أرواح الأمهات والأطفال من الموت في الولادات المتعسرة بالسودان .
سرد المؤلف الدكتور حسن الأمين في الكتاب تاريخ مدرسة القابلات من حيث التأسيس والصعوبات التي واجهت العاملين فيها إضافة لاستعراض الجهود الكبيرة التي بذلتها مؤسسة الدارسة مس وولف مع الرواد الأوائل.
ولعبت مدرسة القابلات التي أنشئت في نوفمبر 1920 بأمدرمان وهي الأولى لتدريب القابلات دوراً مهماً في تاريخ السودان اللاحق وإن لم تفعل هذه المدرسة أي شيء سوى إنقاذ حياة النساء والمواليد لكفاها؛ إذ كانت النساء قبل ذلك يعانين من الولادات المتعسرة وكانت عملية الولادة مرتبطة بالمضاعفات والوفاة وعملية مرعبة بسبب الختان والممارسات غير الصحية وغير النظيفة للقابلات التقليديات غير المدربات (دايات الحبل)؛ ما جعل جميع حالات الولادة غير طبيعية وغير مأمونة .
ومع وصول الدكتورة موبيل وولف للسودان في نوفمبر 1920 وهي تحمل معها دمية تستخدمها في التدريب بدأت الحكاية، وكانت قبل ذلك رئيسة تمريض في الفيوم مصر ، وقد أتت هذه المرأة لتبدأ من لا شيء لتأسيس مدرسة أمدرمان لتدريب القابلات وساعدتها على ذلك جندية محمد صالح التي يصفها المؤلف بأنها «الأكثر تميزاً والرائدة الأولى العظيمة لمهنة التوليد في السودان» والتي كانت إحدى متدربات الفصل الثاني في العام 1921، فيما تصفها الدكتورة وولف بأنها «الأرملة الشابة الجميلة الذكية» وتتحدث عن «شخصيتها الفذة المتكاملة وتفانيها في أداء الواجب؛ ما ترك انطباعاً جميلاً لكل من تعرف إليها. لقد ساعدت كثيراً على نشر مهنتي التوليد والتمريض» .
«كشف الحَلّة»
ولم يكن من السهل استمالة الحوامل لعيادة رعاية الحُمّل وخصوصاً في مجتمع محافظ فعندما بدأت هذه العيادة تجلّت عبقرية الدكتورة وولف ومن معها من الباشدايات السودانيات حين فكرن في استخدام مثل أو تشبيه يسهل فهم النساء لأهمية متابعة الحمل فوجدن ضالتهن في الحَلّة (حلة الطبيخ) فكان منطقهن مع النساء: «إذا كان لديك حَلَّة على النار فهل كنتِ لتتركين الطعام ليحترق ويتلف أم أنكِ تكشفين الحَلَّة من وقت لآخر لتري حالة الطبخ؟».
لقد كان هذا المثال مقنعاً ومنطقيا للنساء فجئن لمتابعة الحمل في العيادة التي أقيمت في مدرسة الدايات ومن يومها صار «كشف الحَلّة» مصطلحاً معروفاً للرعاية أثناء الحمل حتى في المستشفيات. بعد تبني مفهوم كشف الحَلّة جاءت النساء الحوامل بأعداد كبيرة في السنة الأولى 1930 ومنذ ذلك الوقت صار «كشف الحَلّة» شيئاً محبوباً لدى النساء السودانيات آنذاك .
وواصلت الدايات ابتكار الوسائل للتواصل مع النساء؛ من أجل رعاية المرأة أثناء الحمل وتقديم النصائح للمرأة الحامل بلغة بسيطة ومفهومة ومقبولة.
ونتيجة لهذه الجهود الجبارة التي كان من ثمارها المبكرة في مؤسسة القابلات أن تمت التغطية العالية بخدمة التوليد ووصولها إلى الغالبية العظمى في القرى والأحياء فمنذ نهاية الأربعينات من القرن العشرين الماضي تمت تغطية أكثر من 60 % من السكان بهذه الخدمة الضرورية وانحسرت وفيات الأمهات بسبب الحمل والولادة وانحسرت وفيات الأطفال وخصوصاً من مرض التيتانوس واجتازت المؤسسة اختبار الزمن .
وبقي أن نعرف أن الباشدايات السودانيات المشرفات على هذه المدرسة كنّ أميّات لا يعرفن القراءة والكتابة.
طقوس فنية في الحياة السودانية
الممارسة التشكيلية في مؤسسة «الخلوة»
يمكن تتبع العديد من الممارسات الحرفية والصناعات التقليدية في السودان التي تحمل طابعا تشكيليا في طرق أدائها وإخراجها وتمظهرها. وهي فنون متوارثة منذ قرون طويلة كالمنسوجات التي تقوم على توظيف أوراق شجر النخيل والدوم، أو صناعة الطواقي (أغطية الرأس) التي تأتي بأشكال وألوان متنوعة وتقوم عليها النساء بشكل خاص بجهد جهيد ومثابرة وتوظف في ذلك الإبرة، أو فنيات صناعة الأزيار من الطين والتي تستخدم لتبريد ماء الشرب وتنقيته من العكر، وغيرها.. وهذه في جملتها فنون تقليدية ذات طابع تشكيلي تمارس بشكل فطري من قبل السودانيين.
غير أن الملمح الأوضح في الثقافة الكلاسيكية يتعلق بالإبداع التشكيلي الذي يقوم على توظيف الألوان والزخارف في الكتاتيب التقليدية التي تدرس القران الكريم والتي تعرف بالخلاوي، ففي النظام التعليمي السوداني التقليدي، لعبت مؤسسة الخلوة دورا كبيرا قبل استبدالها برياض الأطفال الحديثة أو التعليم النظامي الأولي، بل أن الخلاوي كانت هي مؤسسات العلم قبل التعليم العصري في القرن العشرين، ويمكن القول – دون مبالغة – أن مؤسسة الخلوة لعبت دورا في إنتاج نوع من التشكيل الفطري الأهلي والتقليدي الذي كان له بعدا مباشرا في إثراء المخلية بالحروفية العربية والفن الإسلامي ممثلا في جانب الخط العربي وعلاقته باللون بشكل خاص.
هذه العملية كانت تتم عبر ما يقوم به الطلبة من كتابة لآيات القران على ألوان خشبية بغرض الحفظ، حيث ينشأ التعود على الخط العربي والمران عليه بشكل يومي، وتسبقها الكتابة بالأصبع على التراب.
ويقوم الطالب في مرحلة استخدام الألواح بصناعة قلمه من البوص أو القصب، وكذلك حبر الكتابة الذي يصنع من مواد عضوية كالسناج الذي يتشكل عن طريق حرق الحطب ومن الفحم، أو بقايا الرماد والذي تضاف إليه مواد مذيبة كالماء وقليل من الصمع وألياف وخيوط رقيقة بهدف التماسك.
هذا يعكس أن مسألة تعلم كتابة الحرف وتشكيله ترادفها صناعة تقليدية متعلقة بإنتاج أدوات هذا العمل دون الحاجة إلى المواد الحديثة التي لم تكن قد عرفت بعد في المجتمع، لفقره وانعزاله عن المركز الأوروبي في فترة كان العالم العربي عموميا يعيش في مرحلة ما قبل النهضة الحديثة.
ويكلل النشاط التشكيلي في الخلوة المرتبط بالأثر الإسلامي في يوم تخرج الطالب أو احتفاله سواء بحفظ أجزاء من القران أو كله، وهي مناسبة يسبقها استعداد ذهني وممارسة تتداخل فيها الفرحة بالمنجز الروحاني بالنزعة النفسية الفنية وإن لم يتم تعريفها بهذا السياق.
هذه الحدث المسمى بـ «الشرافة» يقوم فيه الطالب بإنتاج زخارف ورسومات على لوح القراءة، مثلا رسم قبة ومنارة مسجد وتلوينهما بألوان زاهية مصنوعة من المواد المحلية في البيئة، حيث يكتب الطالب بخط جميل وبعناية آيات من القران الكريم هي في الغالب الآيات الأولى من السورة التي أدركها في الحفظ.
ويتبع ذلك الطقس الاحتفالي أن يحمل الطالب لوحه الذي هو بمثابة لوحة تشكيلية تقوم على الحروفية والتعاطي مع اللون ومفردات من العمارة الإسلامية كالقبة والمئذنة؛ ويقوم بعرض هذه «اللوحة» على الناس في سوق البلدة وهو يتنقل بينهم بما يعطي مفهوم «المعرض المتجول» وإن كان للوحة واحدة.. أو مجموعة لوحات يعرضها الطلبة في سوق البلدة وهم فرحون بالمنجز الروحاني الذي ينعكس في هذه الطقس الاحتفالي الذي يكلل نتاجه بمرئي تشكيلي وبصري يستوحي الحرف العربي والآية القرانية في إبداع منظور جمالي يثير الانتباه.
إن هذا الطقس الذي جوهره قائم على التعلق بالثقافة الإسلامية وتعلم القران الكريم والخلوة، يحمل في ثناياه ممارسة تشكيلية لم يتم الانتباه لها بالدراسة الجلية، بما يعمل على تطوير هذه المؤسسة «الخلوة» أو يعيد إنتاج هذه الطقوس في شكل أكثر حداثة يستفاد منه في مؤسسة التعليم الحديث وتعليم الطلبة الحروفية العربية بدقة وكذلك خلق نوع من الربط بين العلم الديني والفنون التشكيلية الحديثة، حيث أن ربط الفن بالبعد الروحي في حياة الناس ومنذ فترات مبكرة من عمر الإنسان قد يؤدي ذلك لنتائج إيجابية في نشر الثقافة الفنية بطريقة مختلفة، ما يساهم في كسر الحواجز القائمة بين الفنون التشكيلية والمجتمعات العربية.
حروف تحكي خواطري
بقلم: صبا عبداللطيف ساتي
أوان البوح
• إلَى السَّماءِ تجلت نَظْرَتِي وَرَنَـتْ / وهلَّلَـتْ دَمْعَتِـي شَوَقـاً وَإيْمَانَـا
يُسَبِّحُ اللهَ قَلْبِـي خَاشِعـاً جذلاً / وَيَمْلأُ الكَـونَ تَكْبِيـراً وسُبْحَانَـا
جُزِيتَ بالخَيْرِ منْ بَشَّرتَ مُحتَسِبًـا / بالشَّهرِ إذْ هلَّـتِ الأفـراحُ ألْوانَـا
طرق بابنا ضيف عظيم وشهر كريم هو شهر الرحمة والمغفرة والعتق من النار فكل عام والأمة الاسلامية تنعم بالخير واليمن والبركات .. ونحن نسابق الي الخيرات والطاعات والإلتزام مستشعرين لواجباتنا وتكاليفنا الدينية وروابطنا الأسرية ومفاهيم التوادد والتكافل الإجتماعي ، ملتزمين بحدود الله ناسكين وآيبين وممعنيين بالطاعات وكل ذلك إحتفاءً بشهر رمضان يخالجني سؤال يؤرق خاطري وهو ما يضيرنا أذا لازمنا كل ماسبق وكأننا برمضان .. ترى الى أي مكان سنسمو بأنفسنا ومجتمعنا ؟
• في عصر السرعة وسباق الزمن والإفراط في مفاهيم العملية والموضوعية والجدوى من جانب و مجابهة الضغوط الحياتية ومجاراة الأحداث من جانب آخر تضآلت قيم جميلة وأنحسرت وبدأت تتغيب عن ساحاتنا ليس لأنها غير حقيقية او زائفة بل لكونها لا تحقق ارقام على سجلات الجدوي والموضوعية مثل المصداقية التي نتقاضى عنها للتمرير والمثاليات التي لبست ثوب الزيف وكل مايتعلق بالمشاعر أصبح في عِداد (الوهميات) وهنا يبرز سؤال آخر هل هذه مواكبة ؟
• تتوالي علينا العديد من الأحداث والمواقف بعضها محفز ومفرح وبعضها محبط ومحزن تتراكم بداخلنا تختلط بمشاعرنا لتشكل مايعرف بالخبرات ، وتبقي هذه التراكمات حبيسة دواخلنا بخانة الذكريات بعضها تفرحنا وتدخل السعادة الى نفوسنا فنجترها من حين الى آخر وبعضها تؤلمنا فنحاول إغراقها في قاع النسيان ولكنها تبقي عصية ، شأنها شأن بعض الأحاسيس المكبوتة وبعض الأسئلة التي نطرحها فقط لنواجه بها أنفسنا وفي كل هذا تتنازعنا رغبة البوح بحثاً عن الراحة او حيطة الصمت خوفا ومابين قول الشاعرة روضة الحاج :
هذا أوان البوح يا كل الجراح تبرجي / ودعي البكاء يجيب كيف وما وهل
زمنا تجنبت التقاءك خيفة / فأتيت في زمن الوجل
وقول شاعر اخر :
فالــــــــــبوح لا يجــــدي ولا أحد بـــنا / يصغي،،فترعد بالأسى الأشـــــــجان
وحــروف شـــعري لوعتني وارتمت / بلـــظى الســــــــــطور،،وولت الآذآن
يبقي أوان البوح رهيناً
حوار مع المترجم ناصر السيد
الترجمة لا تخلو من نقصان مهما بلغت درجة المطابقة
الادب السوداني مازال يعاني من ازمة النشر والترجمة
حوار – عامر محمد
فالترجمة فعل لا يخلو من نقص، أو هكذا يفترض أن يكون النص المترجم مهما بلغ من مطابقة وبيان ناقصاً ومريباً في أحسن الأحوال.
هل ينطبق ذلك على الترجمات الأدبية؟
مترجماً بمركز السلام بجامعة السودان للعلوم والتكنولوجيا في الخرطوم بالسودان، وظل نشاطه متواصلاً حتى هجرته قبل سنوات إلى المملكة العربية السعودية إلا أن نشاطه الأدبي في العمل النقدي والترجمة لم ينقطع إذ فاز قبل سنوات بالمركز الأول في الترجمة في مسابقة الطيب صالح العالمية للإبداع الكتابي عن ترجمة رواية «تخوم الرماد» للروائي والقاص السوداني المهاجر منصور الصويم. وناصر أديب مترجم ومترجم مهمته إبراز النص الأدبي كما تخيله كاتبه في لغته الأم. كما تميز بالنصاعة والوضوح في الكتابة الأدبية والترجمة وله كثير من الترجمات في مختلف ضروب العلم من سياسة وثقافة وأدب.. التقته الوطن وكانت هذه الحصيلة.
الشعر لا يترجم، هكذا يقول النقاد هل يترجم الشعر؟
– إذا كانت اللغة تشكل المركب والمكون اللغوي الذي يعّرف الشعر من حيث نظمه النسقي، فهو نص بمفردات لغوية تحتمل الترجمة. فإن لم تكن الصور الشعرية الكامنة في المفردة الشعرية، فإن المفردات وما تجسده من تعابير تقبل الترجمة والنقل إلى لغة أخرى.
نصوص يزعم باستحالة ترجمتها؟
– كثيرة هي النصوص التي يزعم استحالة ترجمتها وهذا ضرب من الممانعة وإضفاء السحرية والغموض على النصوص إذا كانت نصوصاً شعرية أو نصوصا ذات بعد ميتافيزيقي، فالترجمة لا تعدو أن تكون محاولة مستمرة في التفسير وحركة اللغة في فك الغموض عن النصوص أي تكن درجة تعسر الملفوظات الشعرية، واستجابتها لفعل الترجمة. فالقول النقدي (النقاد) يقف على مسافة بينه والترجمة (المترجمين)، فالذي يترآى للنقاد هو تعبير عن رؤية نقدية متصورة وقائمة في الخطاب النقدي بأدواته الإجرائية.
رؤية الترجمة؟
– رؤية الترجمة في كيفية إيجاد النص الشعري الذي في سياق الترجمة التي تأخذ على عاتقها مهمة توفير مساحة محايدة يتحرك فيها بين لغتين. لذلك يترجم الشعر، أو ترجم الشعر منذ قديم الزمان، فأشعار شكسبير ومسرحياته على سبيل المثال وجدت طريقها إلى ثقافات عديدة ومنها الثقافة العربية. ويجب ألا نغفل خصوصية لغة الشعر في كل لغة وما لها من أوزان تتضابط مع قواعدها اللغوية، ومع هذا تظل المعاني المخبوءة في المفردة الشعرية قابلة للترجمة.
وصول السرد العربي إلى درجة الانفجار لم يقابله التعريف به عالمياً؟
– مثلما انفجر السرد العربي وخاصة في النصوص الروائية، ولّد هذا الانفجار اشكاليات حالت دون انتشاره المبتغى ومنها القيمة الفنية ومدى مخاطبة هذا الخطاب السردي وتضمينه للمعاني الإنسانية المشتركة. أعتقد أن فعل الانفجار ناتج عن ما وفرته تقانة المعلومات وسهولة الانتشار الذي هو أبرز سمات هذه الثورة الكونية؛ ولكن في نهاية الأمر ظاهرة حسنة وسعت من محيط المقروئية والكتابة في العالم العربي ومن ثم تنوعت مصادر المعرفة والإبداع بدلاً عن ما ساد من أحاديات جغرافية وأيدولوجية في الماضي القريب داخل الخطابات الإقصائية، وعليه لكي يتحقق التعريف العالمي ربما يكون على السرد العربي الجديد المزيد من الانفتاح على آفاق إنسانية أكثر رحابة.
متى تصل الترجمة إلى مدارج عليا في التبصير بالنص المترجم، أتضيف إلى النص جديداً؟
– هذا السؤال ربما تداخلت فيه عوامل عدة قد تبدأ من تجربة المترجم ومكنته قبل إخضاع النص للترجمة، لأن الترجمة ما هي إلا عملية PROCESS معقدة متعددة المسارات وكمنهج في التحليل وأداة الاستقراء ورؤية استقصاء تعمل مجتمعة للوصول إلى جذور المفردات اللغوية ومدى تغلغلها في النص المعني. ولذلك أقرّ القدماء بأهمية أن يكون النص المترجم في بيان اللغة المنقول إليها وليس العكس، وما يضيفه النص ليس الترهل في حجم النص حين يزداد الشرح وتستعصي بعض المتقابلات والاشتقاقات تقريباً للمعنى أو لمزيد من الإيضاح، فمن دارج القول إن يكون المترجم على معرفة عميقة باللغتين، لغة المصدر واللغة المستهدفة بالترجمة على حد الاصطلاح العلمي في الترجمة. فالمترجم يجهد في الوصول بالنص إلى الكمال وأن يعطي النص أقصى ما عنده بتفعيل الإمكانيات اللغوية التي يتضمنها النص مع الاحتفاظ بروحه وألا يكون النقل حرفياً (ميكانيكا) دون أن يلامس المعنى المضمر داخل النص، فالإضافة هي قدرة النص المترجم على الإبانة كما يتوقع له في اللغة المنقول إليها.
النص يفقد تأويله إذا تمت ترجمته إلى لغة أخرى؟
– تأويل النص أمر لا تتدخل فيه الترجمة، هذا إذا فهم التأويل على أنه فعل يعمل على قراءة مستوى البنى الفوقية التي تخضع لإرادة المؤول وليس المترجم. فالترجمة فعل لا يخلو من نقص، أو هكذا يفترض أن يكون النص المترجم مهما بلغ من مطابقة وبيان ناقصاً ومريباً في أحسن الأحوال.
هل ينطبق ذلك على الترجمات الأدبية؟
– ربما انطبق هذا على الترجمات الأدبية والنصوص الإنسانية بعامة تلك التي تكون لديها قابلية التأويل، دون أن يحدث ذلك في النصوص العلمية بطبيعتها اليقينية. وأظن أن النص المترجم قد تزداد فرص تأويله لمن يعنيه أمر التأويل أكثر مما تنقص! ومن جانب آخر، فإن استجابة الترجمة إلى مختلف القراءات النصية والتحليلية ومنها التأويل يعني أن الترجمة فاعلة ضمن المنظمات اللغوية والفكرية التي تشكل البنية المعرفية فهما وممارسة وبأن حركتها لا تنحصر بين الكلمات داخل منظومة اللغة.
ترجمت رواية تخوم الرماد للروائي منصور الصويم إلى الإنجليزية ما الذي جذبك إليها؟
– ربما كان للتحديات التي يفرضها النص في بعض الأحايين أثر يتعدى الرغبة من ترجمة نص إلى مقاومة هذا التحدي؛ فقد كانت رواية تخوم الرماد عمل ارتبطت به وبصاحبه (منتجه) الروائي منصور الصويم، فقد تداخل العامل الشخصي والزمني في دفعي لترجمته. ولقد كان لاستيعاب النص في عوالمه البيئية والثقافية والمكانية التي تشكل فيها أكبر الأثر في تحفيزي لترجمته، وأيضا التزامن في بدايات المحاولات بين كتابة النص لدى الكاتب والمترجم. هذه الدوافع وغيرها جعلت من الاضطلاع بمهمة الترجمة التي كانت تنطوي على بدايات نصية ما تراكم من معارف تؤهل إلى حد ما بخوض التجربة.
كثير من الترجمات لكبار الكتاب العالميين هناك من يفاضل بين مترجم وآخر لماذا؟
– لابد أن تؤثر معايير الاختيار والذائقة الأدبية على القارئ، ثمة رغبة في الاطلاع على أكثر من ترجمة، وهذا ينطبق على كل من القارئ والمترجم على السواء. فالغالب أن هذا يحدث في اللغة الواحدة. فالترجمة كالمفاهيم لابد من تحديثها وفقاً للسياق المفاهيمي والتعبيري للغة، والشيء الثاني أن الترجمة تتعرض لعوامل تتعلق بالنشر والسوق عموماً مما ينتج عنها ترجمات متوسطة أو مشوهة ومختزلة تستدعي الحاجة دائماً إلى مراجعتها. فالمفاضلة بين مترجم وآخر تقع في حكم المفاضلة بين كاتب وآخر.
موقع الترجمة في تقارب الحضارات والشحن الرمزي في التباعد وما يسمى بصدام الحضارات أين موقع نظر الترجمة للعالم؟
– الترجمة عامل توّحيد بين الثقافات ومنتجات الحضارات بكل أشكالها ودورها الإشعاعي في نقل منجزات العقل البشري بما لا يقارن بأي وسيلة أخرى ولذلك فهي تمثل الموقع المقرّب بين الثقافات وأداة معرفية تشترك فيها الإنسانية ووجهاً من أوجه القوى الناعمة. أما أطروحة صدام الحضارات فهي تعبير سياسي تحت غطاء ثقافي ومن المفارقات أن تكون الترجمة هي الناقل الأوحد حتى للمفاهيم من هذه الشاكلة، فالترجمة في رؤيتها للعالم دائماً ما يكون المنتج الإنساني الخصيب هو ما يحركها ويستثيرها لتعميمه. وأيا تكن الدلالة الرمزية لهذا الشحن إلا أن الترجمة الملجأ الأخير الذي ترتكن اليه الحضارة الإنسانية في سعيها نحو التقارب وحوار متصل بين المفاهيم والمعاني المشتركة وتعمل على نشرها على الرغم من التفاوت بين سطوة كل ثقافة وأخرى، ومع ذلك تبقى حيدة الترجمة بصبغتها العلمية هي ما يثري الحوار الحضاري. وتظل الترجمة الأداة الأوحد التي تستخدم بين لغات وثقافات العالم.
المترجمون العرب على ما يجتهدون تجدهم في خلط بين مجهوداتهم الشخصية وغياب المؤسسة الداعمة؟
– من اللافت أن المترجم العربي لا يعثر له على وصف وظيفي في البنى المجتمعية والسياسية والثقافية للحكومات العربية ومؤسساتها، ففي أفضل الأحوال يستدعى ضمن فرق الإنقاذ دون أن يكون له موقع ثابت. وتظل جهود المترجمين العرب وحرصهم على المساهمة في الحوار العالمي بين الثقافات ودورهم التنويري تضحية نازفة وجهود جبارة يبذلها المترجمون دون مقابل أو اعتراف من المؤسسات التي تدعي رعاية الثقافة والمثقفين، فلابد للمترجم أن يتقدم قليلاً من موقعه الحالي في ذيل قائمة التصنيف المهني للمهتمين بالثقافة والإنتاج الأدبي والفكري.
هل الأدب السوداني وجد حظه من الترجمة؟
– الأدب السوداني مثلما لازمته معوقات النشر، لازمه أيضاً غياب الترجمة إلى اللغات الأخرى، فباستثناء أعمال الطيب صالح ومنصور الصويم وأمير تاج السرد وأحمد الملك وبركة ساكن لا توجد أعمال وجدت طريقها إلى اللغات الأجنبية عبر الترجمة. فالشاهد أن الرغبة والطموح هي ما يدفعان بنصوص الأدب السوداني إلى آفاق الترجمة في المستقبل القريب.
قصة قصيرة اغتراب
صبا محمد
« لمَ أشعر بالضيق وعدم السعادة»؟
كان هذا السؤال يؤرقه على الدوام، منذ اغترابه عن وطنه، ومنذ وطأ أرضاً جديدة، باتت تتعثر به السبل والطرقات، وجوه جديدة يصادفها كل يوم، بعضها يمر بسرعة، والبعض الآخر يترك أثراً بسيطاً، سرعان ما يتلاشى.
قام بمحاولات عديدة لجذب الآخرين بطِيبته ولطفه، تعامل مع الجميع كأصدقاء عمره، الذين ابتعدوا كالوطن، كان فقده كبيراً، لذا أراد أن يعوّض النقص بتكوين علاقات جديدة، وبما أنه ينتمي للفئة الطيبة، كان التفاؤل يلفّه كلما التقى مغترباً من أبناء وطنه.
شيئاً فشيئاً بدأت الغيوم الوردية تنقشع عن عينيه، على رغم الضجيج حوله إلا أنه وحيد، يحتاج كتفه لكفّ صديق حقيقي، يرمي له بعض متاعب الغربة وأحزانها، أو يمنحه بعض فرحها ومفاجآتها، لكن وقته غدا حقل راحة لكلّ مُجهَد، ووجد روحه غائرة في الطين، دون عون يمدّ له جسر نجاة.
بعد أيام من الحزن والضيق، قرر السفر لقرية مجاورة، سمع فيها عن رجل حكيم، يهدي القلوب التائهة لطرق السعادة والانشراح.
– ما مشكلتك يا بني؟
– فقدي كبير يا عماه، الغربة كسرتني، والوحدة عبّدت طرقاتها إلي، لدي أصدقاء كثر، لكنهم أبعد من تلك السماء، لا أجدهم حين ينبغي وجودهم، وحتى حين أبحث عنهم، أتعثر بأبوابهم المغلقة.
– مشكلتك صغيرة، والحل في دكان النورس ، في شارع المدينة، اقصده ولن تعود الي بإذن الله.
في اليوم التالي انطلق باكراً لشارع المدينة، قرأ عبارة كبيرة فوق الدكان « النورس للأقنعة».
في الداخل أبهرته الأقنعة المرصوفة على اختلاف أشكالها وأحجامها وألوانها، مدّ يده للبائع بورقة كتبها الحكيم بخطّ يده، فناوله قناعاً متعدد الطبقات، أخذه وانصرف.
كان القناع متلوناً بتلوّن الأشخاص، ومدى قربهم أو بعدهم عنه، في بداية الأمر كان يجد صعوبة بإزالة وجه وارتداء آخر، لكن مع مرور الوقت أصبح ارتداء الوجوه جزءاً منه، أصبح انطوائياً أكثر، لا يفتح بابه إلا لمن يحتاج، وقته له وقبل الجميع، وعندما يشعر بحاجته للآخرين يقترب بقدر اقترابهم، لا يبتعد أو يذوب تماماً، أخرج طيبته وعفويته، وغلّفهما بقماش قطني ناصع، وأعادهما إلى قلبه.
مرّت الأيام ومضت يوماً بعد آخر، على هذه الحال، وجد اغترابه الداخلي أكبر فأكبر، كان سعيداً في البداية، لا يعلم كيف عادت الأمور بصورة أسوأ مما كانت عليه، تلك الأقنعة لا تشبهه في شيء، تحاصره جميع الصور، فيشتاق لذاته الأولى، يشتاق لأصدقاء الحي وعفويتهم، يشتاق لمن يفتح له أبواب قلبه المغلق كالسجن، يخفي خلفه غرفاً رطبة، ونافذة صغيرة لدخول الهواء الذي يرقص على عفونة الجدران المشبعة بالوحدة.
لم يعرف الدمع طريقاً إلى عينيه منذ وطئت أقدامه هذه الأرض الغريبة، لكنه الآن يبكي كل شيء تركه خلفه، وكل شيء فعله بغير قناعة ليرضي الآخرين.
أسرع لخزانته مخرجاً جميع الأقنعة، مزّقها بحنق، وكأنه ينتقم من غربة حرمته ذاته، نثر رفاتها من أعلى النافذة، فتطايرت كخفافيش تحتضر، التقت عيناه بانعكاس وجهه في المرآة، فابتسم لحقيقته، سيكون له في يوم من الأيام من يحبه بصورته هذه، ولن يضطر لزيارة أبي نورس مرة أخرى…
يمكنك ايضا قراءة الخبر في المصدر من جريدة آخر لحظة