بعد دخول أمريكا في معضلة سد النهضة الأثيوبي تعقد المشهد أكثر، وتأكد بذلك أن وراء تعنت مصر أياد عالمية لها مصلحة في هدم الاستقرار المتبقي في المنطقة، بعد أن تحققت خطة بوش وكونداليزا رايس في إشعال فوضى خلاقة في منطقة الشرق الأوسط، إذ الآن الفوضى الخلاقة تعمل في الجزائر، ليبيا، اليمن، سوريا، لبنان والعراق ومتوسعة لتشمل السودان والقرن الأفريقي.. نحاول في هذا المقال أن نبسط للقارئ العادي أبعاد المشكلة:
أزمة سد النهضة لها مساران قانوني وفني هندسي وإن كان الآن التركيز على الجانب الفني.
تقرير:عمر البكري أبو حراز
الجانب القانوني:
منذ العام 1891 أبرمت عدة اتفاقات ومعاهدات في شأن مياه النيل:
أولاً: في 15 أبريل 1891 أبرمت اتفاقية بين بريطانيا وإيطاليا بحكم استعمارهما لأثيوبيا، في المادة (3) من الاتفاقية النص الآتي:
(تلتزم إيطاليا بعدم إنشاء أي عمل بغرض الري في نهر عطبرة يؤثر على نقص في مياهه التي تصب في نهر النيل)، وهذا نص هلامي ولغة لا تحدد حقوق أي طرف في مياه نهر عطبرة.
ثانياً: الاتفاقية الأهم أبرمت في 15 مايو 1902 بين انجلترا وأثيوبيا، المادة الثالثة تقول: (صاحب الفخامة الامبراطور منليك الثاني ملك ملوك اثيوبيا يلتزم للامبراطورية البريطانية بعدم عمل أو السماح لعمل إنشائي على طول النيل الأزرق، بحيرة تانا أو نهر السوباط يؤثر على تدفق وتقليل المياه إلا بعد موافقة حكومة بريطانيا وحكومة السودان)، بسبب هذه المادة أصبحت اتفاقية 1902 مثيرة للجدل إذ النص الذي أوردناه للمادة الثالثة بالانجليزية يختلف عن نفس النص في اللغة الأمهرية للاتفاقية المودعة لدى أثيوبيا.. في النسخة الأمهرية هذا النص معدل ولا يلزم أثيوبيا بطلب الموافقة من بريطانيا أو السودان.
ثالثاً: في العام 1925 اعترضت أثيوبيا على مذكرات تفاهم بين بريطانيا وإيطاليا بخصوص بحيرة تانا تقول مذكرة التفاهم الرئيسية: (تعترف إيطاليا بالحقوق الأساسية لمصر والسودان في المياه المشتركة، وذلك بعدم إنشاء أي أعمال في أعالي النيل الأزرق ونهر السوباط وأفرعهما تقلل من تدفق المياه إلى السودان ومصر.) اعترضت أثيوبيا بشدة على المذكرة ولم تقبل بها، وأحالت الأمر إلى عصبة الأمم (League of Nations) والتي أصبحت بعد الحرب العالمية الثانية الأمم المتحدة (United Nations).
استوضحت عصبة الأمم كلاً من بريطانيا وإيطاليا، وكان ردهما أنهما لم يقصدا إنكار الحق الأثيوبي في المياه والانتقاص من سيادة أثيوبيا على مياهها.
رابعاً: اتفاقية مياه النيل بين السودان الانجليزي ومصر في 7 مايو 1929 والتي تحدد حصص مصر والسودان السنوية من مياه النيل- مصر 48 مليار متر مكعب، والسودان 4 مليارات، وفي الفترة من 20 يناير حتى 15 يوليو من كل عام- (موسم الجفاف)- كل الكمية تذهب لمصر، وفي الاتفاقية فقرة مهمة تنص على أن لمصر حق الاعتراض على أي منشأة في النيل تقلل من حصتها في المياه..
حقيقة هذه الاتفاقية منحت مصر كل السيادة على النيل من أثيوبيا مروراً بالسودان حتى تصل مصر.
خامساً: اتفاقية عام 1959 بين مصر والسودان والتي تشمل بنودها: تم الاتفاق على أن كمية المياه السنوية في نهر النيل تبلغ 84 مليار متر مكعب، مصر نصيبها 55,5 مليار متر مكعب، والسودان 18,5 مليار، تم في الاتفاقية اعتماد 10 مليار متر مكعب كفاقد سنوي بسبب التبخر، تسمح الاتفاقية للسودان بعمل منشآت في النيل الأبيض منطقة السدود لحصاد المياه- (قناة جونقلي)- على أن تقسم التكلفة والمياه التي يتم حصادها مقدرة بـ(8 مليار متر مكعب)، مناصفة بين مصر والسودان.. منحت الاتفاقية التي تم توقيعها مع الحكم العسكري الأول بقيادة الفريق عبود (1958-1964) الموافقة على إنشاء السد العالي، ومنحت السودان حق إنشاء خزان الرصيرص. مما تقدم نلخص الجانب القانوني من أزمة سد النهضة، في أن السودان ومصر لهما حق الموافقة المسبقة قبل أن تقوم أثيوبيا بأي منشآت تؤثر على مياه النيل الأزرق، وذلك اعتماداً على المادة الثالثة من اتفاقية 1902 في النص الانجليزي المودع في بريطانيا.. وأثيوبيا ترفض طلب الإذن من مصر والسودان اعتماداً على نص نفس الاتفاقية باللغة الأمهرية المودع في أثيوبيا، وهذا هو الجانب الأول من الأزمة.
الجانب الفني الهندسي:
أولاً: أثيوبيا تصر وتؤكد على سيادتها الكاملة لأهم ثرواتها وهي المياه، أثيوبيا تسمى برج الماء لارتفاع أراضيها وكثرة الأمطار.
تقدر الطاقة التي يمكن توليدها في أثيوبيا بحوالي 45 ألف ميقاواط، كل السدود القائمة الآن في أثيوبيا تولد طاقة قدرها 4068 ميقاواط، وتخطط أثيوبيا إلى زيادتها في العشر سنوات القادمة إلى 13,320 ميقاواط، منها 6350 من سد النهضة الذي بدأ العمل فيه 2011 في منطقة بني شنقول القمز على بعد 15 كيلو متر من حدود السودان الشرقية .
في أغسطس 2017 وصل العمل في السد إلى 60%، تكلفة السد ومحطة التوليد 4,8 مليار دولار، محطة التوليد مكونة من 14 توربينة طاقة الواحدة 400 ميقاواط و2 توربينة طاقة الواحدة 375 ميقاواط، اجمالي طاقة سد النهضة 6350 ميقاواط.
يتوقع الإنتهاء من العمل نهاية 2021 وسعة بحيرة سد النهضة 74 مليار متر مكعب، يمكن إكمال امتلاء البحيرة في فترة تتراوح ما بين 7 إلى 10 سنوات، وهذه إحدى نقاط الخلاف مع مصر؛ لأن في فترة الامتلاء تقل المياه السنوية حوالي 10 إلى 7 مليارات متر مكعب في العام.
مخاوف مصر:
أولاً: نقص في واردات المياه في فترة امتلاء البحيرة.
ثانياً: نقص الطاقة الكهربائية المائية في السد العالي بنسبة 25%.
ثالثاً: مخاطر من احتمال انهيار السد وتدفق مياه البحيرة وإحداث فيضانات وتصدع السد العالي.
ردود أثيوبيا على مخاوف مصر
أولاً: يمكن القبول بفترة امتلاء 10 سنوات يكون الفاقد 7 مليارات متر مكعب سنوياً، يمكن أن يعوض من قلة التبخر عند حجز المياه في أثيوبيا في ارتفاعاتها الباردة، مقارنة بحرارة منطقة السد العالي، والتي اعتمد فيها على نقص بسبب التبخر يبلغ 10 مليارات متر مكعب، أي أن الكمية المعتمدة في اتفاقية 1959 والتي اعتمدت الـ10 مليارات متر مكعب كفاقد تبخر سوف تقل بدرجة كبيرة .
ثانياً: نقص 25% من توليد السد العالي لا يشكل أقل من 3% من إجمالي توليد الكهرباء في مصر، إذ تبلغ الطاقة المولدة من كل مصر 121 بليون كيلواط ساعة، وإنتاج السد العالي منها فقط 14 بليون كيلواط ساعة.
ثالثاً: تؤكد أثيوبيا أنه لا توجد أي مخاطر من انهيار السد، لأن منطقته لا توجد بها أي احتمالات لزلازل، وأن الشركة الايطالية ساليني التي تنفذ المشروع مشهود لها عالمياً ببناء سدود أكبر، وفي مناطق معرضة للزلازل مثل اليابان.
رد أثيوبيا للسودان ومصر:
أولاً: قيام السد ينظم السريان السنوي للمياه بكميات متساوية طوال العام، لا يقل عن كمية المياه المحددة في الاتفاقية، قبل السد معظم كمية الـ84 مليار متر مكعب المنسابة في النيل الأزرق تأتي في فترة 4 أشهر فقط في العام، بعد قيام السد ستكون موزعة على 12 شهراً.
ثانياً: قيام السد يحمي السدود في السودان ومصر، لأنه يحجز كميات هائلة من الأشجار والحيوانات والطمي الزائد، وأن نسبة تقليل الطمي لا تؤثر في الزراعة في السودان ومصر.
ثالثاً: حجز المياه في أثيوبيا الباردة يقلل كثيراً من فاقد التبخر.
رابعاً: يمكن تعويض الزراعة بالري الفيضي في السودان خاصة بطلمبات كهربائية، والاستفادة من السعر التفضيلي للكهرباء للسودان ومصر.
خامساً: كل الآثار السالبة الاجتماعية والبيئية تكون في الجانب الأثيوبي في المناطق قبل السد.
معلومات عن حوض النيل:
أولاً: نهر النيل يعتبر أطول نهر في العالم يبلغ 6700 كلم، يمر بعشر دول أفريقية هي: رواندا، بورندي، الكنغو الديمقراطية، تنزانيا، كينيا، يوغندا، أثيوبيا، جنوب السودان، السودان ومصر.
ثانياً: السودان به أكبر حوض مياه بمساحة 1,9 مليون متر مربع.
ثالثاً: من الأربعة روافد لنهر النيل ثلاثة في أثيوبيا- النيل الأزرق والسوباط ونهر عطبرة.
خلاصة:
من ما تقدم يتضح أن دخول أطراف خلاف مصر وأثيوبيا والسودان يعقد الأزمة، ويخرجها من إطارها الاقليمي ويدخلها في النزاعات الدولية ذات الأجندة السياسية الشائكة والمصالح والمطامع الدولية.
ثانياً: كل الجوانب السياسية والهندسية يمكن حلها عبر التفاوض المباشر بين الدول الثلاث.
ثالثاً: على أثيوبيا تقديم تنازلات متمثلة في إشراك الدول الثلاث في هيئة اقليمية لتشغيل السد، بضمان الالتزام بكل اتفاق وكذلك تتعهد بالمشاركة في ربط الثلاث دول بشبكة كهرباء اقليمية تقدم فيها أسعاراً تفضيلية للكهرباء.
يمكنك ايضا قراءة الخبر في المصدر من جريدة آخر لحظة