السودان الان

أحداث الثلاثاء..إعادة ترتيب المشهد

مصدر الخبر / صحيفة آخر لحظة

(رب ضارة نافعة) يبدو أن المقولة الشائعة تطبقت بحذافيرها بعد الأحداث المروعة التي عاشها قاطنو العاصمة الخرطوم ليلة أمس الأول، بعد تمرد أفراد بهيئة العمليات بجهاز المخابرات العامة، وبالرغم من الخسائر الفادحة التي خلفتها تلك الأحداث إلا أن الإيجابيات في نظر الكثيرين تتفوق على السلبيات بيد أن المشهد بدأ يترتب من جديد، فالجفوة بين العسكر والمدنيين ذابت بعد وقوع الأحداث، والحاجة إلى ضرورة التوحد من أجل الحفاظ على مكاسب الثورة أصبحت ماثلة، كل ذلك وتداعيات أخرى نتناولها من خلال هذه السطور.

 

تقرير:جاد الرب عبيد

 

القوات .. عودة الثقة

الشاهد أن سهاماً كثيفة انتاشت القوات المسلحة والدعم السريع بعد مجزرة فض الاعتصام سيئة الذكر، وفقد الشارع الثقة في القوات وأصبح يردد في وجهها شعارات وهتافات طالما أنها كانت معادية لها، في وقت يبدو الثوار في أمس الحاجة للمؤسسة العسكرية للحفاظ على ثورتهم وضمان استمراريتها في ظل الإرهاصات التي تدور هنا وهناك بشأن حدوث انقلاب متوقع في ظل عدم الرضا على حكومة حمدوك، وتحرك عناصر النظام البائد في مساحات واسعة، وهذا ما أشار إليه نائب رئيس السيادي قائد قوات الدعم السريع الفريق أول محمد حمدان دقلو، في حديثه أمس الأول بأن هناك مخططاً لانقلاب قادم من خلال الأحداث التي صاحبت تمرد أفراد العمليات ومسيرات الزحف الأخضر التي حذر من المشاركة فيها..
وبالنظر لأحداث أمس الأول نجد أن الجيش بقيادة رئيس هيئة الأركان بالسودان الفريق أول ركن محمد عثمان الحسين، والدعم السريع بقيادة الفريق عبد الرحيم حمدان دقلو لعبا دوراً كبيراً في حسم الأحداث المروعة، ما جعل نظرت الثوار والكنداكات تجاه الجيش والدعم السريع تتحول تماماً، من التخوين إلى التأكيد أن الفترة الانتقالية بحاجة إلى تواجد العسكر في السُلطة.
ومن التغريدات التي وجدت رواجاً قول أحدهم في (فيس بوك): (ما قاله حميدتي كلام محترم ومسؤول، يستحق الشكر والتقدير ويتناسب مع خط الثورة تجاه تحقيق مطالبها وأهدافها، وينسجم تماماً مع تفكيك دولة النظام البائد، ويتسق مع مطالبنا الفورية المتمثّلة في ضرب الكيزان وجهازهم الأمني بقوة).
فيما ثمن خبراء ومحللون سياسيون التحرك السريع للمؤسسة العسكرية والمكون العسكري داخل مجلس السيادة لحسم تمرد هيئة العمليات بجهاز المخابرات العامة وإقرارهم بأن التمرد يعد تقصيرا عسكريا وتعهدهم بحماية الثورة والفترة الانتقالية وتأكيدهم أن المؤسسة العسكرية على قلب رجل واحد فيما يتعلق بعدم السماح بانقلاب عسكري ضد الثورة مؤكدين أن ذلك يضع الثورة السودانية والفترة الانتقالية في أيدٍ أمينة.
هذا وقد ذهبت تصريحات قيادات الفترة الانتقالية إلى ضرورة التوافق للخروج بالفترة إلى بر الأمان، بداية ببيان مجلس الوزراء الذي أكد تضامن الحكومة لمعالجة الأزمة، ثم تصريحات نائب رئيس السيادي الفريق دقلو من جوبا حيث أشار فيه إلى تماسك مكونات المرحلة الانتقالية وأنهم جميعا مع المدنية وتحقيق مطلوبات الثورة ومواجهة ما يحاك ضد البلاد واستقرارها من قوى الردة والثورة المضادة، فيما قال رئيس مجلس السيادة الانتقالي الفريق البرهان : (القوات المسلحة السودانية والقوى السياسية وكل هياكل حكم الفترة الانتقالية وقوى إعلان الحرية والتغيير وقفت اليوم صفا واحدا ضد هذه المؤامرة)، وأشار أيضاً رئيس مجلس الوزراء حمدوك لضرورة تماسك مكونات المرحلة بقوله: (أريد أن أؤكد لشعبنا ولكل شعوب العالم الأخرى أن هذا النموذج السوداني الذي يقوم على الشراكة الصلبة بين المكون العسكري والمدني يتقدم بثبات نحو بناء وتقديم تجربة راسخة وقوية نستطيع أن نرفد بها الإقليم وبقية العالم لهذا النموذج).

المدنيون والعسكر .. خندق واحد

لم تكن العلاقة بين المدنيين (الحرية والتغيير) والعسكر (المجلس العسكري سابقاً)، جيدة، على الرغم من أنها ظاهرياً لا يبدو هناك توترا في العلاقة بين المكونين، لكن أحداث أمس الأول، قطعت بما لا يدع للشك أن المدنيين والعسكر يعملون في خندق واحد، وهذا ما ظهر للعامة من خلال صورة وجدت رواجاً واسعاً في الأسافير، لاجتماع مشترك حول الأحداث بين المجلس السيادي ومجلس الوزراء والحرية والتغيير حتى صباح أمس، ويظهر في الصورة رئيس المجلس السيادي الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان ورئيس مجلس الوزراء د. عبدالله حمدوك، ووزير شؤون مجلس الوزراء السفير عمر مانيس، ومن الحرية والتغيير الريح سنهوري وطه عثمان وخالد سلك، وآخرون.
وهنا يقول القيادي بالحرية والتغيير محمد حسن عربي، إن الصورة الجماعية لقيادات تلك المكونات طبيعية وغائبة منذ بدء التفاوض، ويضيف اعتقد أننا بحاجة فعلية إلى تطبيع العلاقة من مجرد شراكة فرضتها موازين قوى إلى شراكة قائمة على أهداف مشتركة وتوزيع للأدوار بين المدنيين والعسكريين كل واحد حسب تخصصه، ولم يكتف عربي بذلك قائلاً: (نحن في قوى الحرية والتغيير علينا أن نأخذ الشراكة مع الجيش والدعم السريع بجدية وموضوعية، نحن في شراكة معهم في الحارة والباردة، صحيح هذه عبارة صعبة ولكنها الواقع ليس هناك سببا واحدا لابقاء ذلك سرا في الغرف المغلقة لدرجة أننا حتى الآن نتحاشى مثل هذه الصورة).
من جانبه قال المحلل السياسي الرشيد محمد إبراهيم إن الانسجام والتنسيق عالي المستوى الذي وضح جلياً في معالجة الأزمة الأخيرة بين المؤسسة العسكرية ومجلس الوزراء وظهور حمدوك جنباً إلى جنب مع البرهان ورئيس أركان القوات المسلحة لإعلان سيطرة الجيش على كل مقرات هيئة العمليات يرسل رسائل في غاية الأهمية للداخل السوداني والخارج الإقليمي والدولي بأن العسكريين والمدنيين في الحكومة وقوى إعلان الحرية والتغيير على قلب رجل واحد لحماية الثورة وتنفيذ أهدافها ومطالبها وحماية الفترة الانتقالية وصولاً لانتخابات حرة نزيهة والتي سيختار فيها الشعب السوداني من يحكمه، فيما يرى مراقبون أن الأحداث قادت إلى تمتين العلاقة مابين مكونات المرحلة الانتقالية، وتجسير الفجوة النفسية فيما بين المكون العسكري والمكون المدني وأظهرت ضرورة التوحد في ما بين مكونات المرحلة الانتقالية لعبور آمن ومتماسك ومستقر .

قوش .. اتهامات شركاء الأمس

بالرغم من دوره المعلوم في الانقلاب على نظام البشير، إلا أن ذلك لم يشفع لمدير الأمن السابق صلاح عبدالله قوش، أن يأخذ حيزاً من الثناء عند الشارع السوداني على خلفية قمعه للاحتجاجات في بدايات الثورة، علاوة على فترته غير المرضية عنها في الجهاز، في وقت تبرز تسريبات من حين إلى آخر بأن الرجل عائد وبقوة إلى المشهد من جديد، لكن تصريحات الفريق حميدتي بأن قوش يقف خلف تمرد هيئة العمليات، يبرهن بأن لا عودة لصلاح إلى المشهد قريباً، وإن الحديث عن علاقته الطيبة مع قيادات المكون العسكري لم يعد مجدياً، بيد أن الرجل في دائرة الاتهام بالضلوع في الانقلاب عليهم، غير أن صلاح يواجه بلاغات عدة بيد أن النيابة العامة طالبته بتسليم نفسه إلى القضاء بعد دعاوى قدمت ضده بتهم الثراء غير المشروع، معتبرة أنه إما هارب أو متوار عن الأنظار، من جهته، أعلن النائب العام تاج السر الحبر بدء إجراءات عبر الشرطة الدولية (الإنتربول) لإعادة قوش الموجود خارج البلاد لمحاكمته، مشيراً إلى أنه يواجه أربع دعاوى جنائية يتم التحقيق فيها.
وبالنظر لوضع قوش في دائرة الاتهام، فإن الأمر ليس ببعيد عن الرجل سيما وأنه من صنع هيئة العمليات ومازال لديه أعوان يعملون في المخابرات كما أشار الفريق حميدتي إلى ذلك صراحةً، وفي البال اعتراض القوة الأمنية التي كانت تأمن منزله، لوكيل النيابة الذي حضر بمعية قوة شرطية للقبض على صلاح، لكن اعتراض أعوانه جعل أمر القبض عليه مستحيلاً حتى هرب بعدها إلى القاهرة.
ويرى مراقبون أن اتهام شريك الأمس (حميدتي) لـ(قوش) بالتخطيط لانقلاب عبر تمرد أفراد العمليات، يعني أن اللجنة الأمنية السابقة للبشير لا ترغب في خدمات صلاح في المرحلة المقبلة، وإن كان التوقعات تذهب إلى دور كبير سيلعبه الرجل مستقبلاً، فيما ذهب آخرون إلى أن تواجد قوش في مصر ربما يسهم في توتر العلاقة بين البلدين، لجهة أنه يدير أجندته منها.

المخابرات .. استقالة وهيكلة مرتقبة

الشاهد أنه وبالرغم من التغييرات الواسعة التي طالت جهاز المخابرات العامة جهاز الأمن سابقاً، وتحويله إلى جهاز يعمل على جمع المعلومات فقط، إلا أن المطالبات بإجراء المزيد من الهيكلة حاضرة، وصلت حد المطالبة بحل الجهاز، ويستند المطالبون في ذلك إلى أن الجهاز في الأصل من صنع النظام البائد، وأنه جهاز (الوطني) وليس (الوطن).
والشاهد أنه وعقب تمرد هيئة العمليات، تنتظر المخابرات عملية جراحية عميقة ربما تطال جميع قياداته الحالية، في وقت تقدم مدير الجهاز الفريق أول أمن أبوبكر دمبلاب باستقالته، وذلك بعد اتهام الفريق حميدتي له بالتقصير في توفيق أوضاع أفراد هيئة العمليات واستلام السلاح منهم منذ وقت مبكر، وفي الصدد يقول محمد حسن عربي أن جهاز المخابرات لا يمكن اتقاء شره بمجرد تغيير اسمه وإحالة عشرات الضباط للمعاش وتفكيك هيئة العمليات، وأضاف أن الجهاز يتكئ على ميزانيات ضخمة وبنية تحتية في مجالات العمل الأمني والاتصالات ومخزون من المعلومات الإستراتيجية والمعارف والخبرات، وأفاد بأن عقيدة الجهاز فاسدة بيد أنها أيديولوجية واعتبره دولة موازية، وقال عربي إن ترك الجيش والشرطة والأمن بمعزل عن المحيط المدني في عملية تفكيك نظام الإنقاذ خطأ إستراتيجي، وأكد أن النظام البائد لا يمتلك مخالب للعودة إلا من داخل الثكنات وشدد على المكون العسكري في مجلس السيادة أدرك أنه يقف فوق حقل ألغام ستطيح به هو أولاً.

يمكنك ايضا قراءة الخبر في المصدر من جريدة آخر لحظة

عن مصدر الخبر

صحيفة آخر لحظة