كتابات

د الطيب حاج مكي يكتب اللقاء السري..المقدس لا يناقش

مصدر الخبر / صحيفة التحرير

 

أشعل اللقاء السري بين الرئيس البرهان ونتن ياهو جدل العلاقة بين السودان وإسرائيل مثلما أثار أوار جدلها على مستوى العربي. فالموضوع أشد حساسية وأكثر تعقيدا مما يتخيل أي إنسان. إذ نشأت أجيال سودانيه على فكرة رفض النقاش في العلاقة مع إسرائيل. وهذا الأمر يمتد عميقًا في الوجدان والثقافه السودانيه الموروثه لدرجة أن قضية فلسطين صارت من المقدسات والمقدس لا يقبل النقاش. تستوى في هذا التوجه أحزاب الوسط السوداني واليمين واليسار العروبي فهؤلاء يرفضون التطبيع أخلاقيًا الأحزاب وأحيانا موقفياً (إحنا تبنينا مؤتمر اللاءات الثلاث). مثلما يصعب استثناء السوداني العادي الغير المنتم فكل سوداني تقريبًا يكره اسرائيل، و(الاحتلال) من حيث هو per se ))، لأنه لبعض الأجيال يستدعي صور استعمار التركي، ويستدعي حملات الدفتردار وصلف غردون ومذابح كرري ومجازر الشكابة والأسر الفظيع للسودانين والسودانيات في سجون رشيد وعراء معسكرات الاسكندرية وصور الأسرى وهم يموتون بالسل أو بغيره. إنه ماضٍي مُرٌّ يثقل الصدر السوداني. وأفلحت الأنمة الشموليه وضع المسحة القدسيه لقصة العلاقة مع إسرائيل. ومن جهة لعبت السينما والدراما بمسلسلات ممولة من الأنظمة الشموليه في خلط الحقائق بالخيال. فمن الواقع أن أجهزة الأمن الإسرائيليه ظلت تعمل آلتها الفتاكه في سحل الأطفال في أزقة القدس وبيت لحم وحرق النساء بالنابالم ورمي الأسر بالحمم لأن أطفال رموا جنودها بالحجارة. ومن الخيال أدعاء هزيمة إسرائيل أو زرع الجواسيس في نظامها والدراما التي نعرف. لهذا أي محاولة للتطبيع مع إسرائيل ستصطدم بهذا الواقع الثقافي وستنكأ آلامه وستربط تلقائيًا بين (المطبع والخائن). يزيد الطين بله أن رئيس وزراء إسرائيل الحالي يقود توجها يمينياً، يسعى لارتكاب المزيد من الجرائم ولا يرى مستقبل إسرائيل إلا في الجرأة على ارتكاب كل محرم دوليًا وإنسانيًا. فضلا أن بنامين نتن ياهو بالذات لا يرغب في إغلاق مآسي الماضي والحاضر فهو يحاول بدأب شرعنة الاحتلال وتغييره إلى ضم واستيطان مربوط بعملية استئصال ممنهج تنتهي بتحقيق شعار (يهودية الدوله).

ورغم أننا لا نعرف حتى الآن تفاصيل وقائع الحديث الذي جرى في عنتيبي، إلا أن هذه الخلفيات ليس غائبة عن ذهن الفريق البرهان . بما فيها التوقيت وتعقيداته. ومن حيث تزامنه مع إعلان (صفعة) القرن المرفوضه عربيًا وفلسطينيًا، ولكن (البرهان) مكره لا بطل. فالعلاقت العربية الإسرائيليه أدخلت إسرائيل ضمن المعادله الوطنيه. فصارت إسرائيل المدخل لعلاقات اسراتيجية مع أمريكا ووسيله لتوازن القوى في شرق المتوسط وغرب آسيا كما أن العلاقة السودانية مع الولايات المتحده دخلت في تعقيدات وشروط تلامس المستحيل. ولهذا جميع هذه العوامل تدفع القيادة السودانية إلى رؤية الواقع بأربعة عيون وتلتمس خيار التطبيع لعله يكون قشة للعبور ويفتح كوه في العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية. صحيح أن أن أي تطبيع لابد أن يتم وفق قرارات الشرعية الدوليه وأن يعالج ما علق بالذاكرة الجمعيه وأن يصحح التوجهات الاستئصاليه الحاليه لرئيس وزراء اسرائيل. فالرئيس البرهان يدرك هذا أو يفترض إدراكه له فقط أي خفه أو تسرع ستكون مجرد سباحه في هذا المجهول وستنتهي إلى ما انتهت إليه محاولات سابقه في زمن السفاح جعفر نميري الذي أيد اتفاقية كامب ديفيد وقابل شارون واستجاب لشروطه وهرب اليهود الفلاشا لإسرائيل ثم انتهى إلى مصيره المعروف. وانتهت العلاقة إلى ما يجب أن تنتهي إليه. وليس من المفارقة أن تظل أجندة إسرائيل المستبطنه والمعلنه، مستمره حتى بعد فصل الجنوب ورفع أعلامها فوق سماء جوبا.

وعود على بدء لم يأت السودان بأي بدعه بل له هذا موقف شعبي سوداني عام مشرف. وهو موقف أخلاقي مع القضية الفلسطينيه ويقوده الوعي بالتاريخ وتقوده الأخلاق السودانيه. أما المزايدات فما حبابها وبالذات من السيد عريقات لأنه قيادي فلسطيني ويعرف السودان، فمزايداته ستدفع لردود أفعال شعبيه (تطلع له المكشن). ويكفي رد فلسطيني آخر هو يوسف العلاونه. ولعلي أختم بالتعاطف مع فلسطين وبتبكيتة سودانية في وجه تهجم السيد عريقات قال سودانيون (حلايب محتله والفشقه مستباحه و وعلاقاتنا مع المحتل سمن على عسل بينما مقاطعين إسرائيل لأنها تحتل أراض ناس هم أنفسهم مطبعين معها.)

د الطيب حاج مكي

يمكنك ايضا قراءة الخبر في المصدر من صحيفة التحرير

عن مصدر الخبر

صحيفة التحرير