السودان الان

تابعت الأوساط الخارجية عملية محاولة اغتيال حمدوك باهتمام كبير وسارعت مصر بإدانة الحادث وقرأ خبراء مصريون المحاولة في عدد من السيناريوهات المختلفة مابين الداخل والخارج محذرين من إدخال البلاد في نفق الإرهاب المظلم وتحويل السودان إلى مسرح من الفوضى وعدم الاستقرار وسط انقسامات الرؤى حول هوية مرتكبي ومخططي المحاولة “المحاولة الفاشلة”

مصدر الخبر / صحيفة اليوم التالي

القاهرة: صباح موسى
تابعت الأوساط الخارجية المحاولة الفاشلة لاغتيال الدكتور عبد الله حمدوك أمس (الإثنين) باهتمام بالغ، وركزت وسائل الإعلام الدولية على الحدث بشكل كبير، وذلك لأهمية السودان في محيطه الإقليمي والدولي، على المستوى المصري سارعت مصر الرسمية بإدانة الحدث على لسان المستشار أحمد حافظ المتحدث الرسمي للخارجية المصرية، والذي أكد إدانته محاولة الاغتيال الفاشلة التي استهدفت موكب الدكتور عبد الله حمدوك، معرباً عن ارتياح مصر لفشل المحاولة التي وصفها بـ(الآثمة) ونجاة سيادته، وأكد المتحدث باسم الخارجية المصرية على أهمية تضافر الجهود الإقليمية والدولية لمكافحة الإرهاب بكافة صوره وأشكاله والقضاء عليه. كما أدان مرصد الأزهر لمكافحة التطرف محاولة الاغتيال الفاشلة التي تعرَّض لها حمدوك، وتمنى المرصد أن يكون ذلك الحادث الإرهابي الذي جاء في مرحلة دقيقة يمرُ بها السوداني، نذيرًا على الخطر الذي يتهدد وحدة الشعب، لافتًا إلى أن الحوار هو الطريق الأمثل لبناء الأوطان، والمسار الصحيح نحو تقدمها، وأكد مرصد الأزهر أنه إذ يدين محاولة الاغتيال الفاشلة، فإنه يحمد الله -عزَّ وجلَّ- على نجاة رئيس الوزراء السوداني، داعيًا العلي القدير أن ينعم على الشعب السوداني الشقيق بنعمة الأمن وأن يوفقهم لما فيه خير البلاد.
سيناريوهات المحاولة
وقرأ المحللون المصريون المحاولة الفاشلة في عدد من السيناريوهات وأشاروا بأصابع الاتهام في صدارتها أن تكون محاولة خارجية تخطيطاً وتنفيذاً، مستندين في ذلك على عدم وجود ثقافة الاغتيالات في السودان على مدى قرون عديدة، ولم يستبعدوا في الوقت نفسه سيناريوهات من الداخل السوداني، إما من التيار الإسلامي والنظام السابق وإما من داخل الحرية والتغيير نفسها حتى يتمكنوا من إعادة ثقة ومساندة الشارع مرة أخرى، وذلك بعد الاخفاقات المتتالية للحكومة الانتقالية في إدارة الأوضاع، بجانب فشلها الواضح في تسيير عملية الإقتصاد وتوفير السلع الأساسية من الوقود والخبز وغيرها للمواطن والتي تعد الأزمة الحقيقية التي تواجه الشارع السوداني حتى اللحظة، في ظل هذه الأوضاع يأتي هذا التحول الخطير في البلاد والذي ينذر بمنعطف خطير تمر به عملية التحول في السودان لتفرض بدورها عددا من الأسئلة أهمها لماذا اغتيال شخصية رئيس الوزراء في هذا التوقيت بالذات، وهل ستكون هذه المحاولة بداية لمحاولات أخرى في سيناريو يدخل السودان في النفق المظلم من العمليات الإرهابية أم هي مجرد محاولة كان الغرض منها إرسال رسالة بعينها؟
داخلية بامتياز
الدكتورة أماني الطويل مديرة البرنامج الأفريقي بمركز الأهرام للدراسات السياسية وجهت أصابع الاتهام إلى الداخل السوداني. وقالت الطويل لـ(اليوم التالي) إنها محاولة داخلية بامتياز وناتجة عن حجم تهديد مصالح النظام القديم، مستبعدة أن تكون خلف العملية تخطيط خارجي، مؤكدة أن الخارج أدواته أفضل في مثل هذه العمليات ونتائجه في الغالب تكون مضمونة على عكس الطريقة البسيطة التي تمت بها المحاولة، مضيفة أغلب الظن أن من قاموا بها عناصر منتمية للنظام السابق، وأن بعض التحليلات التي تحاول إلصاقها بالخارج تستهدف تعلية المكون العسكري على المدني في المرحلة المقبلة في السودان، وزادت أن المتابع لما تتوصل إليه لجان التفكيك يرى أن النظام القديم متورط بشكل كبير، وبالتالي هناك أطرافاً تضررت وأطرافاً أخرى سوف تتضرر مصالحها، وفي المقام الأول علينا أن نسأل من المستفيد من هذه العملية، لافتة إلى أن حمدوك يمثل مخزن خبرة كبير وأن ذلك سيساعده على تحقيق الاستقرار بالبلاد، وقالت إن الرجل لديه شعبية جارفة، ويحوز قنوات اتصال معقولة بالمجتمع الدولي، وقالت إن العقوبات الأميريكية على السودان قاب قوسين أو أدنى من الرفع وهذا سيساعد كثيراً في حل الكثير من الأزمات في السودان، مضيفة صحيح أن الحكومة عاجزة في إدارة ملف الاقتصاد حتى الآن لكن ذلك بسبب أنها لا تملك أدوات الحل، وأن رفع العقوبات سيمكن الحكومة من هذه الأدوات وسيعطي لها قبلة الحياة، لافتة إلى أن السودان قد يكون مقبلاً على مرحلة من عدم الاستقرار بتنفيذ جرائم من هذا النوع، ودعت الحرية والتغيير والحكومة إلى اكتشاف طرائق جديدة لحماية الثورة وحماية الاستقرار، وإدارة تفاهمات في هذا الصدد مع القوات المسلحة، وقالت على القوات المسلحة أن تقوم بدورها تجاه الوطن وعدم قفزها على السلطة.
إثارة الفوضى
أما خالد محمد علي، نائب رئيس تحرير صحيفة الأسبوع المصرية والخبير بالشأن السوداني فقد اختلف مع الطويل ورأى أن المحاولة لا تخرج من أربع سيناريوهات. وقال خالد لـ (اليوم التالي) أتصور أن السيناريو الأول أن جهة خارجية أرادت أن تستغل الظرف الذي يمر به السودان لإحداث حالة من الفوضى، مدللاً على ذلك بأن ثقافة الاغتيالات غير معتادة في الداخل السوداني، مضيفاً أن الغرض في هذا الاحتمال هو إثارة الفوضى بالبلاد، لافتاً إلى أن الإسلاميين استقبلوا من قبل ضربات قوية بهدوء دون أي ردة فعل، وقال إن ذلك قد يكون لم يلقى هوى لدى قوى خارجية، ولذلك كان لابد من إثارة الفوضى والتي تسمح بالتدخل الدولي في السودان، مستنداً في ذلك بأن هناك مجموعات كثيرة دخلت السودان بعد الثورة ويمكن من خلالها تنفيذ مثل هذه العمليات، وقال إن الاحتمال الثاني أن يكون خلف المحاولة مجموعات من داخل الحرية والتغيير نفسها، لأنها رأت أن الحكومة أوشكت على السقوط فاصطنعت هذه العملية، مشيراً إلى مثل هذه السيناريوهات يفعلها أصحابها وأن هذا حدث من قبل في ثورات كثيرة، وقال أن ما يرجح هذه السيناريو تجمعات كبيرة من الناس وكأنه كان هناك من يرتب لهذه التجمعات من قبل، مؤكداً أنه لو صح هذا السيناريو سيدخل البلاد في حرب أهلية كبيرة، وتابع أن السيناريو الثالث قد يعود إلى بعض الجهات من داخل القوات النظامية تحاول إحداث حالة من الفوضى لفرد قبضتها على الحكم تحت مبرر أنها الوحيدة القادرة على حماية البلاد، وقال إن هناك سيناريو رابع وهو أن تكون هناك مجموعات متطرفة أتت من خارج البلاد من ليبيا على سبيل المثال، مستبعدا أن يكون للتيار الإسلامي الداخلي وراء هذه العملية، وقال إن حمدوك يسقط عملياً أمامهم، وبالتالي من الصعب القراءة في هذا الاتجاه، معتبراً في النهاية إلى أن محاولة عملية اغتيال حمدوك إنقاذ للرجل وليس اغتيالاً.
سخط عام
من جانبه أكد أبي عز الدين القيادي في المؤتمر الوطني أن الأوضاع في هذه المرحلة تشير بوضوح إلى السخط العام ضد حكومة قوى الحرية والتغيير وتجمع المهنيين ممثلة في حمدوك. وقال عز الدين لـ (اليوم التالي) إن حمدوك انخفضت أسهمه بشدة، لدرجة تهديد لجان المقاومة في بعض الأحياء مثل بري الصامدة بالخروج للشارع ضد الحكومة في مهلة تنتهي أمس (الاثنين)، مضيفا زاد من سخط البعض وصدمتهم أن حمدوك حضر مع البرهان وحميدتي تخريج دفعة من قوات الدعم السريع، وهو ما أثار كذلك سخط الأمريكان، وعبر عن ذلك أحد أبرز رعاة طاقم حمدوك وهو كاميرون هدسون في تغريدة رسمية صادمة نشرها في صفحته، توضح أن الأمريكان ربما بدأوا رفع أياديهم عن حمدوك مثلما فعلوا مع المناضل الراحل جون قرنق بعد طول احتضان، وتابع قد تنامت الشكوك وسط المواطنين لأدوار خارجية بعد أن سقطت السفارة الأمريكية في الخرطوم سقطة مريبة بنشر تعزية لأسر الضحايا، في حين أنه لا يوجد أي ضحايا، وكأنهم على علم بمخطط متكامل مسبقاً، مؤكداً أن الدور الخارجي لا يمكن استبعاده من المشهد السوداني في الحاضر والمستقبل القريب، وقال لكن من الواضح أن هذه المحاولة تبدو ضمن أحد خيارين منطقيين، إما فرقعة إعلامية من جهة داخلية لاستعادة تعاطف الشارع في ظل الأزمات الاقتصادية الخانقة وفضائح الفساد في العهد الجديد، وإما أن هناك جهات خارجية صارت تتضرر من مواصلة حمدوك في الحكم باتجاهه الجديد لتقوية تحالفه مع العسكر بجميع أجنحتهم الحالية، مضيفاً وأخشى أن تكون هذه مسرحية لصرف الأنظار عن سيناريو آخر أخطر لمغامرات داخل بعض التنظيمات داخل القوات النظامية التي ينبغي أن تكون متماسكة وراسخة مع جهاز المخابرات في المرحلة المقبلة، مؤكداً أن التحدي الأبرز الآن والأهم للمواطنين بالموازاة مع كشف المجرمين وتقديمهم للعدالة، هو عدم نسيان صفوف الخبز والوقود والمواصلات والكهرباء وقضية الفاخر وبقية فضائح الفساد السياسي والاقتصادي في الساحة.
الخلاصة
الخلاصة أنه من بين كل هذه السيناريوهات يبقى أنه على السلطات المسؤولة سرعة التوصل إلى الجناة والمخططين وإنهاء هذه القصة بصورة قاطعة وحاسمة حتى لا تنزلق البلاد في سيناريو مختلف من الفوضى التي تنسف الاستقرار ومستقبل التحول به، وعلى السلطات أن تعي أن نتائج هذا التحقيق لابد وأن تخرج بسرعة للناس وأن لا تجد نفسها بجوار نتائج الحوادث التي حدثت من قبل وعلى رأسها حادث فض الاعتصام.

يمكنك ايضا قراءة الخبر في المصدر من جريدة اليوم التالي

عن مصدر الخبر

صحيفة اليوم التالي