الخرطوم- نازك شمام
ذهول واندهاش أثاره خبر محاولة اغتيال رئيس الوزراء السوداني، عبدالله حمدوك، صباح أمس وهو يتوجه من مكان إقامته إلى مكتبه بمجلس الوزراء، مصدر الاندهاش هو إن سياسة الاغتيال لم تكن واحدة من الأساليب السودانية على مر السنوات وبينما كان الكل منشغل بهوية مدبر الانقلاب، انشغل آخرون بمستقبل الأزمات الاقتصادية بالبلاد ومدى تأثرها بحادثة الاغتيال وفي عقولهم تمر ذكريات الاغتيالات السياسية في مختلف الدول والتي كان أشهرها اغتيال الرئيس الأمريكي كيندي منتصف ستينيات القرن الماضي، مروراً باغتيال الرئيس المصري محمد أنور السادات.
الاقتصاد السوداني المحاط بالأزمات الاقتصادية يبدو أنه لا يأبه بحادثة الاغتيال، فالأزمات المتجددة في الخبز والوقود والكهرباء والمواصلات ما زالت موجودة أصلاً، إلا أن حادثة الاغتيال ربما تشغل الرأي العام عن المجريات الاقتصادية وتشتيت أذهانهم نحو الحادثة التي تمثل اختراقاً للأمن القومي بالبلاد وتحول مجريات الأحداث الى منحى آخر غير متوقع، إلا أن هنالك وجهاً آخر من الاقتصاد يتأثر بأحداث السياسة ونشاطها فأسواق العملات تثير حفيظتها كل مامن شأنه يمس بالأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
على الرغم من محاولات الحكومة من إيجاد حلول ناجعه للمشاكل الاقتصادية إلا أن حادث الاغتيال عطّل هذه الجهود ومن أهمها الاجتماع الأول للآلية الاقتصادية برئاسة نائب رئيس المجلس السيادي الفريق أول محمد حمدان دقلو والذي من كان من المنتظر انعقاده يوم أمس إلا أن حادثة الاغتيال عطلت قيام هذا الاجتماع بسبب انخراط المؤسسات السياسية والتنفيذية في تداعيات الحادثة، بالإضافة إلى عدة عوامل ايجابية لاحت في الأفق لا سيما في ظل زيارة وفد الخزانة الأمريكية للسودان، حيث أكد رئيس الوزراء د.عبدالله حمدوك أن الولايات المتحدة الأمريكية تعتبر شريكا استراتيجيا في العمل مع السودان لتجاوز تحديات المرحلة، جاء ذلك لدى لقائه أمس الأول بمكتبه بمجلس الوزراء وفد وزارة الخزانة الأمريكية لمكافحة تمويل الإرهاب برئاسة مساعد الوزير، مارشال بيلنغسلي، وذلك بحضور وزير شؤون مجلس الوزراء السفير عمر بشير مانيس، ووزير الدولة بالخارجية د.عمر قمر الدين. وجدد رئيس الوزراء حرص حكومة الفترة الانتقالية على تحقيق السلام الشامل والعادل وتحسين الوضع الاقتصادي، وعبر سيادته عن فخره بالنموذج السوداني الذي يقوم على الشراكة بين المدنيين والعسكريين للخروج بالسودان إلى بر الأمان ووضع لبنات أساسية لبناء نظام ديمقراطي قوي في البلاد.
وعبر وفد وزارة الخزانة الأمريكية لمكافحة تمويل الإرهاب عن سعادتهم بزيارة للسودان، وأوضحوا أن القيود المالية والاقتصادية تم رفعها عن السودان، وأكدوا أن رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب مسألة وقت، وأشاروا إلى وجود لجان في أمريكا تعمل في هذا الشأن.
الحدث الثاني الذي كان سيكون له تأثير على الأوضاع الاقتصادية لولا حادث الاغتيال تمثل في لقاء محافــظ بنك السودان المركزى الأستاذ البروفیسور بدرالدین عبدالرحیم إبراهيم – بمكتبه بوفــد وزارة الخــزانة الأمــریكیة برئاســة مســاعد وزیر الخــزانة بمبــادرة منهم للوقــوف على فــرص مساعدة السودان خــلال هذه الفــترة الحرجة، حیث تنــاول اللقــاء تنـویرا عن اوضــاع السیاسات النقــدیة وسیاسات البنك المركزي، واھمیة تعــزیز استقلالیة البنك المركزي، وناقش اللقــاء فــرص التعاون حیث أشــار البنك لأهمية تسـریع فتح قنــوات المراســلات المصــرفیة الخــارجیة لاستــلام التحــویلات والاستثمارات وتعــزیز التجــارة الخــارجیة خــاصة استعادة ســوق الصــادر الأوروبي، أكبر الشــركاء التجاریین قبل الحظــر.
وفي هذا الصــدد اقــترح مســاعد وزیر الخــزانة الامریكیة على المحافــظ وبصحبة ممــثلین من المصــارف زیارة بعض المصــارف الامریكیة والتحــدث إليهم مباشــرة، كما اوضح ان اي تعامــل مع المصــارف الامریكیة یتطلب التــزاما بقــدر عــالٍ من معایــیر الحوكمة، وأوصى بضرورة تنقیة النظــام عــبر الموبایل التي قــد تفتقــر إلى الــرقابة الكافیة. كذلك تمت الإشــارة إلى المــالي من أي شبهات لغسل الأمــوال وضــرورة تحصــین تحــویلات الارصــدة فــرص الاستفادة من التقانات الامریكیة في تنمیة الاقتصــاد السوداني وطلب إیجــاد مساحة استثماریة تكون جــاذبة للشراكات والمشروعات الامریكیة خاصةً في مجــالات النفــط والذهب.
الجــدیر بالذكــر ان المركزي یولي أهمية كبیرة حیث فــرغ للتــو من اعــداد مســودة دلیل وموجهات ارشادیة لرفع كفاءة المصــارف والمؤسسات المالیة غیر المصرفیة في مجــال مكافحة غســل الاموال وتمویل الارهاب تمهيداً لخــوض الجــولة الثانیة من اجــراءات التقییــم المتبادل بواسطة النظــراء.
أما تأثير الحادثة في أسواق العملات، فقد سادها نوعاً من الاضراب والفوضى وتضارباً في الأسعار بعد حادثة الاغتيال واكتفى تجار العملة بشراء العملات من المتداولين بأسواق الأمس وسجل سعر بيع الدولار في الأسواق 100 جنيه في انخفاض مريع للدولار مقابل 115 جنيهاً خلال الايام الماضية مع توقف لعرض الدولار والاكتفاء بالشراء.
في المقابل أدان الاتحاد العام لأصحاب العمل السوداني بقطاعاته المتخصصة والولائية العمل الارهابي الذي استهدف رئيس مجلس الوزراء الدكتور عبد الله حمدوك، وقال رئيس مجلس التسيير للاتحاد المهندس هاشم صلاح مطر إن الهجوم ومحاولة الاغتيال التي تعرض لها موكب السيد رئيس الوزراء لا تشبه سلوك وقيم وثقافة الشعب السوداني، وأن الحادثة لا تشبه الثورة العظيمة التي قام بها الشعب السوداني .
وأشار مطر إلى أن المحاولة الشنيعة تعتبر استهدافا لثورة أبناء الشعب السوداني التي تحققت بنضال وتضحيات ودماء شبابه، مشدداً على أن ماحدث لن يؤثر فى مسار التغيير بالبلاد من اجل السلام المستدام بيقظة الشعب السوداني وحمايته لثورته، وقال ” سنكون جميعا حريصين علي نجاح الثورة وتقدم البلاد نحو مستقبل أفضل بقدر حجم التضحيات والفداء التي قدمها الشعب السوداني لنجاح الثورة”، داعياً الى اهمية تقديم كل من يثبت تورطه فى المحاولة الى العدالة والعقاب الرادع، مجدداً تأكيد واستعداد قطاعات الأعمال ببذل المزيد من الجهود من أجل العبور بالبلاد الى الاستقرار والتنمية الاقتصادية والاجتماعية.
يمكنك ايضا قراءة الخبر في المصدر من جريدة اليوم التالي