رجح مراقبون أن تشهد المفاوضات المرتقبة بين وفدي الحكومة السودانية والجبهة الثورية مناقشات حادة حول استبدال حكام الولايات العسكريين بمدنيين، قبل أن تزداد المواجهة سخونة بين السلطة الانتقالية وفلول نظام الرئيس المعزول عمر البشير، بعد تظاهرات محدودة هذا الأسبوع تمكنت قوات الأمن من السيطرة عليها.
العرب اللندنية – تتجه القوى السياسية السودانية إلى إحداث تغيير هيكلي عميق في قواعد السلطة بعد أن ظلت الحكومة مترددة في تغيير الولاة العسكريين على أمل الانتهاء من مفاوضات السلام خلال الأشهر الستة الأولى من المرحلة الانتقالية.
وتتوقع مصادر سياسية أن يشهد اجتماع الحكومة مع الجبهة الثورية والمقرر الأحد، عبر الفيديو كونفرانس، نقاشات محتدمة حول هذا الملف بعد تظاهرات جدت الخميس أمام مقر القيادة العامة للقوات المسلحة في الخرطوم.
وحتى الآن تجاوزت مفاوضات السلام المدة الزمنية المفترضة في ظل انتشار وباء كورونا ولا تزال الأمور تراوح مكانها بين الحكومة والجبهة الثورية، كممثلة لحركات مسلحة وسياسية نشطة في الأطراف، بصورة منحت فرصة لفلول البشير للاحتماء ببعض حكام الولايات في تحركاتهم المثيرة، الأمر الذي بدأت تلتفت إليه السلطة الانتقالية قبل حدوث انفلات أمني.
وأكدت اللجنة العليا لمتابعة ما يسمى بـ”مصفوفة شركاء الحكم” المدني والعسكري، الخميس الماضي، أنه سيتم تعيين حكام الولايات المدنيين بشكل مؤقت في التاسع من مايو المقبل، وأبلغت الجبهة الثورية بهذه الخطوة إلى حين توقيع اتفاق السلام النهائي.
وبدأت الحكومة إعداد قوائم للحكام المدنيين المكلفين لإنهاء دور الولاة العسكريين مع توقيع اتفاق سلام شامل، لكن إطالة أمد المفاوضات عن الموعد المحدد حال دون التغيير وفقا لما حددته الوثيقة الدستورية لمعالم الحكم خلال الفترة الانتقالية.
وألمحت قوى الحرية والتغيير، وهي تمثل الظهير السياسي والشعبي لحكومة عبدالله حمدوك، مرارا على ضرورة التعجيل بهذه الخطوة كي تقطع الطريق على تضخم أنصار النظام السابق من الذين وجدوا في بعض الحكام العسكريين ملاذا لتغطية تحركاتهم المشبوهة.
وتمسكت الجبهة الثورية بعدم الإقدام على هذه الخطوة قبل التوقيع على اتفاق سلام شامل خوفا من تعيين حكام مدنيين موالين لتحالف قوى الحرية والتغيير، وخشية أن يكون هؤلاء جرى تعيينهم وفقا لمحاصصة سياسية تمنح التحالف مزايا على حساب قيادات الهامش والأطراف التي من المفترض أن تكون ممثلة بقوة في الحكم الولاياتي.
وأثرت ورقة حكام الولايات على العلاقة بين الجبهة الثورية والحرية والتغيير وأرخت بظلالها على المفاوضات التي جرت بينهما في جوبا الفترة الماضية، وامتلك كل طرف مبررات منطقية في التأخير أو التعجيل.
الحكومة الانتقالية تسعى إلى إقناع الجبهة الثورية بتعيين حكام مدنيين للولايات مؤقتا بحلول التاسع من مايو المقبل
وتتمسك الجبهة بالربط بين تحقيق السلام والتغيير، ليس تقربا من الحكام العسكريين، ولكن لتتمكن من ترسيم المعالم السياسية بين المركز والأطراف، وتوضيح الصورة كاملة بين الجانبين، ونصيب القوى المنضوية تحت لواء الجبهة الثورية.
كما أن الجبهة تريد تحديد وضع القوى غير الممثلة فيها، مثل الحركة الشعبية- شمال، جناح مالك عقار النشط في كردفان، وحركة تحرير السودان، جناح عبدالواحد نور، النشط في دارفور.
وألحت قوى الحرية والتغيير على عزل الولاة العسكريين مبكرا، لأن مفاوضات السلام قد تستغرق وقتا طويلا مع تراكم القضايا الخلافية، وحاجة كل مسار لجهود مضنية لتفكيك عقده السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ما يوفر فرصة للمعارضة للاستفادة من تمترسها خلف بعض الحكام الذين جرى تعيينهم في الأيام الأخيرة التي سبقت سقوط البشير.
وقالت مصادر سودانية لـ”العرب”، إن الشق العسكري في مجلس السيادة لم يكن مؤيدا لفكرة التغيير قبل التوصل إلى سلام شامل، ويريد التريث في فتح هذا الملف، لأنه قد يكر معه الملف المسكوت عنه والخاص بحالة أنصار البشير في الجيش.
ويسعى هذا الشق إلى الضغط لزيادة وتيرة عملية عزل فلول البشير، ما يضع المؤسسة العسكرية في مواجهات تنكأ بعض الجراح داخلها، والتي تريد علاجها بطريقة سلسة لتتجنب خروج خلافاتها إلى العلن.
وأضافت المصادر أن تصاعد حدة المخاوف من تواطؤ بعض الحكام العسكريين في الولايات مع أنصار البشير عقب ظهور دعوات بتوسيع نطاق التظاهرات بذريعة الاحتجاج على الأوضاع الاقتصادية الصعبة، دفع قيادات الجيش لتأييد التعجيل بالتغيير، وقطع الطريق على حدوث احتجاجات تشمل العاصمة والولايات واستثمار الإجراءات التي اتخذتها الحكومة لمحاصرة كورونا، وبالتالي من الضروري أن يكون الحكام من الشخصيات الموثوق بهم.
وأصدر حمدوك، الخميس، قرارا بإعفاء الفريق ركن أحمد عبدون حماد محمد، من منصب والي الخرطوم، بعد اعتراضه على قرار وزير الشؤون الدينية والأوقاف، نصرالدين مفرح، بتعطيل صلاة الجمعة والصلوات في الكنائس طوال فترة حظر التجوال الذي يبدأ السبت، وكلف بدلا منه، وزير ديوان الحكم الاتحادي بتسيير مهام ولاية الخرطوم مؤقتا.
وقرأت دوائر سودانية هذا التطور على أنه أول مسمار في نعش حكام الولايات العسكريين، واختبار جاد لرد الفعل على الخطوة التي ترددت الحكومة كثيرا في الإقدام عليها، ومرورها بهدوء يؤكد أن موعد طي هذه الصفحة أصبح وشيكا جدا.
وتعامل حمدوك مع والي الخرطوم بصرامة يحسب سياسيا للحكومة، من جهة أنها ليست تابعة للجيش ولن تكون منفذة لأوامره، وقرار تغيير الولاة من صميم السلطة التنفيذية التي ترى حاجة ملحة في حدوثها قبل فوات الأوان، فمع تنامي تحركات أنصار النظام السابق وتسارع خطوات لجنة إزالة التمكين من الواجب تقويض الأجنحة التي قد تتواطأ معهم. ويرتهن نجاح التغيير بجملة من الحسابات لتخفف الحكومة من حدة المشكلات المتوقعة من وراء هذا التغيير، في مقدمتها التفاهم مع الشق العسكري بمجلس السيادة حتى لا تصبح الخطوة كأنها إحراز هدف مدني في مرمى الجيش وتتخذ ذريعة لتفجير صراع مكتوم بينهما.
ويتطلب الأمر أن يكون الاختيار على أساس الكفاءة وليس توزيع الغنائم، لتمحو قوى الحرية والتغيير اتهامات تلاحقها منذ تشكيل الحكومة، وفرضها أسماء في وزارات بعينها، والتنسيق التام مع القوى الفاعلة في الأقاليم، سواء كانت منضوية في الجبهة الثورية أو خارجها.
ويساهم تأكيد الانسجام بين الحكومة والجبهة الثورية في المفاوضات الجارية بينهما في تذليل العقبات، وعزل الكثير من المؤثرات الجانبية التي يمكن أن تستغل التباعد في هذا الملف، وتحويله إلى قنبلة ربما تنسف ما جرى التوصل إليه من تفاهمات خلال المرحلة السابقة.
ويخفف التعيين المؤقت للحكام المدنيين من حدة انزعاج الجبهة الثورية من الخطوة، غير أنه لا يلغي هواجس قياداتها من احتمال إطالة أمد المرحلة الانتقالية، ففي ظل التعثر في تحقيق تقدم في غالبية القضايا لن يكون هذا الخيار مستبعدا، وهذا يؤدي إلى إعادة النظر في بنود الوثيقة الدستورية التي رسمت معالم المرحلة الانتقالية وملحقاتها السياسية.
اقرا الخبر ايضا من المصدر من هنا عبر موقع المشهد السوداني