السودان الان السودان عاجل

جريدة لندنية : تثبيت السودان الجديد رهين مصادرة خزائن البشير الحديدية

مصدر الخبر / المشهد السوداني

الخرطوم أمام اختبار فك شفرة أساليب ملتوية رسخها قادة النظام السوداني السابق.

تراهن السلطة الانتقالية في السودان على تجفيف المنابع المالية لنظام عمر البشير، خاصة في ظل تواتر التقارير التي تشير إلى حجم الفساد الذي اقترفته الحركة الإسلامية طيلة عقود من الحكم. وفي هذا الصدد أكدت صحيفة “سودان تربيون”، الاثنين، أن قادة النظام السوداني السابق مكنوا منظمة الدعوة الإسلامية المنحلة من الدخول إلى مجالات كثيرة منها التعدين لتكديس الثروات. ولا تبدو مهمة الحكومة سهلة بالنظر إلى تشعب الملف الذي يحتاج إلى جهود مضنية للسيطرة عليه، لأن البشير انتهج أساليب ملتوية يصعب الوصول إلى فك شفرتها.

العرب اللندنية – تعد مصادر التمويل المتعددة أحد أهم الأدوات التي اعتمد عليها نظام الرئيس السابق عمر البشير، وساعدته خلال فترة حكمه في القبض على زمام أمور كثيرة في الداخل، وتمديد خيوط التواصل مع جماعات إسلامية عابرة للحدود، تمارس عمليات عنف وإرهاب، ودفعته إلى المشاركة في أنواع متباينة من التجارة المحرمة ونهب وغسيل وتهريب الأموال، ووضع نسبة من عائداتها السخية في دول تحكمها أنظمة تنسجم معه في التوجهات الأيديولوجية.

وتسعى السلطة الانتقالية الحالية حثيثا إلى تجفيف المنابع المالية لنظام البشير، ورافعته الرئيسية الحركة الإسلامية التي تواصل دورها بأساليب مختلفة في الشارع حتى الآن. وعندما أعلنت لجنة إزالة التمكين ومحاربة الفساد قبل أيام مصادرة أموال طائلة وعقارات وشركات وأراضٍ تابعة لكيانات وشخصيات منتمية إليها بدأت السلسلة تكرر حلقاتها وتقع في براثن العدالة، وأخذت الحركة تبدي انزعاجها، فهي تعرف أن وصول الحكومة إلى خزائنها الحديدية سوف يحمل الكثير من المفاجآت، ويكشف تفاصيل وخفايا الأموال المسروقة.

مطبات وعثرات
تشير العثرات التي تواجهها الخرطوم لتطويق فلول النظام السابق إلى أن الملف عميق ومتشعب ومتمدد، وتتجاوز مكوناته الحدود السياسية والأمنية التي يمكن التعرف على قسماتها وتتبع فروعها، فالجزء الغاطس الخاص بأموال وممتلكات الحركة الإسلامية، كذراع متعدد الوجوه لحزب المؤتمر الوطني الحاكم سابقا والمنحل حاليا، يحتاج إلى جهود مضنية للسيطرة عليه.

وتتعمد جميع الأحزاب والحركات ذات التوجهات الإسلاموية الخلط بين العام والخاص، والخيري والاستثماري، وتحرص على وضع العراقيل أمام كل من يريد تتبع بدايات ونهايات شرايين الأموال، حيث تدخل في عمليات اقتصادية غالبيتها قذرة، واليسير فيها يظل واضحا، وضمن أطر أو فلسفة يتم تبنيها لأجل توفير درجة عالية من حرية التصرف عند حدوث مكروه، وتوظيفها لضبط الأوضاع بما يجعل عملية استهدافها مكلفة للآخر.

نجحت قوى نافذة في نظام البشير في السطو على مليارات الدولارات من وراء الاستحواذ على عائدات النفط الرائجة قبل انفصال جنوب السودان، منذ حوالي عشرة أعوام، ومناجم الذهب، والشركات العاملة في مجال الاتصالات، وتحاول لجنة إزالة التمكين استرداد عائداتها كي تعيد للسودان ثرواته المهدورة، وتؤكد أن الحكومة عازمة على وقف التلاعب بالأوضاع الاقتصادية التي تزداد تدهورا، الأمر الذي تقوم به بدقة عناصر محسوبة على نظام البشير لتصعيد حدة السخونة في الشارع.

التفتت الحكومة إلى هذه الزاوية واتخذت خطوات جريئة لتعزيز دورها في عملية التصدي للأفاعي التي تريد تكبيل تحركاتها الرامية إلى وضع السودان على الطريق الصحيح.

وصادرت مجموعة من الأصول والأملاك قبل أيام، تقدر بنحو ملياري دولار، تتبع عبدالباسط حمزة، وهو أحد أبرز الشخصيات الإسلامية التي وثق فيها البشير، وعمل بجوار زعيم تنظيم القاعدة الراحل أسامة بن لادن خلال فترة وجوده في الخرطوم وبعدها، وأسندت إليه مهمة إدارة جزء معتبر من أموال الدولة السودانية، وتتخطى أرقامها ما يتردد في الداخل.

زادت بورصة التكهنات خلال الأيام الماضية حول الأموال التي جرى تهريبها بصورة منظمة للخارج، ولا تزال الحكومة تحاول الوصول إليها، بلا جدوى حقيقية. وقد نشرت صحيفة “نيو سترس تايمز” الصادرة في كوالالمبور، بعد سقوط البشير، تقريرا قالت فيه إن السودان في قائمة الدول المستثمرة في ماليزيا برأس مال قدره 13 مليار دولار.

وأكد عبدالله حمدوك، رئيس الحكومة، خلال زيارته لواشنطن في فبراير الماضي، أن للسودان أموالا كثيرة منهوبة وعازم على استردادها بمساعدة الدول الخارجية لتسهم تلك الأموال في تنمية البلاد، بما يعني أنها كبيرة وقادرة على تخفيف جانب من حدة الأزمات الاقتصادية الثقيلة، وهو ما يثبت أن عملية الملاحقة لن تتوقف عند سقف الداخل.

تحدثت وسائل إعلام محلية مؤخرا عن ثروات سطت عليها قيادات حزب المؤتمر والحركة الإسلامية، تقدر بنحو 65 مليار دولار، الجزء الكبير منها قابع في بنوك كل من ماليزيا وتركيا وقطر، الأمر الذي أثار شهية فئة من المواطنين تعاني من مرارات الفقر والجوع، وتحفيز الحكومة على الإيغال في ملف الأموال المنهوبة بخطوات ثابتة.

بصرف النظر عن حجم الأموال التي نهبها النظام السابق وأوعيته الاقتصادية المعروفة والمجهولة، فإن تجفيفها عملية حتمية وشاقة معا، لأن امتلاك ما يوصف بـ”الثورة المضادة” لخزائن عامرة تمكن أنصارها من الصمود، وتوفر لهم قدرة فائقة على التأثير في التطورات.

ومع وجود استحقاقات كثيرة وغير مكتملة تجتهد لجان الحكومة في وقف المنغصات السياسية، والتي يمكن أن يغير استمرارها مسارات الأداء العام من إيجابي إلى سلبي، ويجني فلول البشير ثمارا متباينة، في مقدمتها خلخلة الأرض من تحت أقدام المرحلة الانتقالية.

السلطة في السودان تستطيع الاستفادة من التجربة المصرية في التعامل مع جماعة الإخوان، وأفضت إلى تقويض أركانها المالية المباشرة، ومعظم مصادرها غير المباشرة

تحتاج الحكومة إلى خطة محكمة لاسترداد الأموال، تتكاتف فيها أجهزة الدولة، لمنع محاولات الترهيب والتلاعب، وسد الأبواب التي يمكن أن تتسرب منها الأموال، وعدم التهاون في ملاحقة أصحابها بالخارج، لأن تمترسهم وراء ثرواتهم له انعكاسات على الداخل، حيث تمكنهم من تمويل حملات إعلامية منظمة واستقطاب شخصيات مدنية معارضة.

تستفيد الحكومة السودانية من ارتفاع درجة التعاطف معها في مسألة اجتثاث أذرع وأرجل النظام السابق، وعدم التهاون مع قياداته في الحركة الإسلامية، كرأس حربة في قضية الأموال المنهوبة، حيث يؤدي استردادها إلى كشف الغطاء عن جانب من التحركات اللاحقة، فمع رهان الفلول على تذمر الشارع يؤدي ضخ الأموال المشبوهة في شرايينه إلى المزيد من التصعيد.

تستطيع السلطة في السودان الاستفادة من التجربة المصرية في التعامل مع جماعة الإخوان، وأفضت إلى تقويض أركانها المالية المباشرة، ومعظم مصادرها غير المباشرة. وتكاد تكون نماذج الجماعة واحدة في جميع دول العالم في إدارة الأمور الاقتصادية والسياسية والأمنية، فكل الفروع تتصرف وفقا لمنهج عام يضعه التنظيم الدولي للإخوان، ويعتمد على تعدد الحيل المالية، ليتمكن أتباعه من توظيفها في القفز على السلطة وتمويل عمليات إرهابية.

بروفة مصرية
ظل النظام المصري مشغولا بمواجهة الإخوان أمنيا وسياسيا وفكريا، ونجح إلى حد بعيد في تقويض أركان الجماعة في هذه المجالات، وبقيت المواجهة الاقتصادية مفتوحة، لأنها متشابكة ومتداخلة في مجالات كثيرة، وبذلت أجهزة الأمن جهدا شاقا في اللحاق بها، فهي تتخطى الأموال السائلة في البنوك والشركات والعقارات المملوكة لشخصيات إخوانية معروفة.

نجحت القاهرة عندما شددت السلطات الأمنية قبضتها على مراكز العمليات الاقتصادية التي تتم بأسماء غير إخوانية، واستغرق ذلك بعض الوقت، ما يفسر أحد الأسرار الخطيرة لمشاركة شركات تابعة للقوات المسلحة المصرية في استثمارات تبدو بعيدة عن نطاق اهتمامها، مثل المواد الغذائية ومحلات السوبر ماركت، والمقاولات والمصانع التي تنتج مستلزمات عملية البناء. كما وفرت قوائم لدول مختلفة تضم أسماء شخصيات تملك أرصدة طائلة فيها.

تحتاج الحكومة السودانية إلى سنوات للمضي على نهج البروفة المصرية، كما أن عمر السلطة الانتقالية قصير والتحديات متعاظمة، ناهيك عن المطبات التي يواجهها التعاون في ملف مكافحة الإرهاب والمتشددين بين الخرطوم وعواصم كثيرة، بينها القاهرة، ما يجعل تجفيف أموال نظام البشير يبدو بعيدا، وما لم تتمكن الحكومة من ملاحقة كل الذيول التي لعبت دورا في الملف الاقتصادي سيكون من الصعب تقويض الدور السياسي والأمني لهذه الذيول.

لا أحد يشكك في نوايا الحكومة السياسية للانتهاء سريعا من ملف الأموال المنهوبة، غير أن التعقيدات التي تحيط به تجعله عصيا على الإغلاق، في وقت يعتبر فيه المواطنون وضع اليد على خزائن الإخوان من المحددات التي تؤكد نجاح الثورة على البشير، وكل تباطؤ سوف يمنح فلوله فرصة للتغلغل في الشارع، ويسهم في إيجاد واقع يصعب معه التخلص من التمكين.

اقرا الخبر ايضا من المصدر من هنا عبر موقع المشهد السوداني

عن مصدر الخبر

المشهد السوداني