معتوق – سارة المنا
تمثل الخضرة مصدراً للجمال والراحة النفسية، وليس بغريب أن يقال أن الماء والخضرة والوجه الحسن يذهبن الحزن، ولكن أن تتحول الخضرة إلى ضرر بالغ يحيق بمنطقة كاملة، فهذا ما ينطوي على خطورة كبيرة ينبغي أن تجد الاهتمام ومعالجتها.
في أقصى غرب ولاية الجزيرة تعاني مناطق بأكملها من رداءة وسوء الخدمات الأساسية وغياب الطرق المعبدة والصحة والتعليم، إلى جانب ضعف التيار الكهربائي ومياه الشرب النقية، وبإمكان كل من يقصد تلك المناطق أن يرى ذلك بعينيه، والمعاناة بالنسبة للطرق لا تختلف سواء قصدت تلك المناطق عبر طريق المناقل أو ذهبت إليها عن طريق الدويم الخرطوم، فالأمر سيان ولا فرق ولا شيء سوى المعاناة، وفي فصل الخريف تزداد الأوضاع مأساوية بفعل الأمطار وصعوبة السير في تلك الطرق الترابية المحاذية للترع، وهنا تجدر الإشارة إلى طريق معتوق المتفرع من نقطة الأعوج الواقعة في طريق الخرطوم الدويم، فبعد مبارحة الأعوج والاتجاه شرقاً تبدأ رحلة المعاناة والتعب مع الطريق الحيوي الذي يربط أجزاء ومناطق كثيرة في ولاية الجزيرة بالعاصمة الخرطوم ومدينة الدويم، وكلها قرى عاشت إهمالاً وتجاهلاً متعاقباً من قبل حكومات ولاية الجزيرة المتعاقبة، ولم تجد حظها من التنمية والخدمات الضرورية، وينتظر مواطنو تلك القرى اكتمال الطريق القومي الذي بدأت في تنفيذه حكومة الولاية والمنتظر أن يربط المناقل بمنطقة أبوحبيرة بولاية النيل الأبيض، وهو طريق سيسهم في تقليل المعاناة الكبيرة التي يعيشها سكان تلك القرى في الخريف وغيره.
وفي السياق ذاته، تعاني منطقة معتوق وما جاورها من انتشار أشجار المسكيت وتعيش خطراً داهماً، باعتبار أن المسكيت يمثل ملاذاً آمناً للصوص، ووكراً لممارسة الرذيلة، لكونها أحاطت بالمنطقة إحاطة السوار بالمعصم حتى أصبحت أشبه بالغابة كثيفة الأغصان، وجأر أهالي المنطقة بالشكوى وأرسلوا رسائل استغاثة للجهات المسؤولة، مطالبين بالقضاء على الأشجار الضارة بعد أن فعلوا الممكن وبعضاً من المستحيل للقضاء عليها، غير أن الحيلة أعيتهم وأسقط في يدهم، فكانت رسالتهم واضحة جلية.
في معتوق مستشفى ريفي غير مؤهل وليس به أدنى خدمات الرعاية الصحية، إلى جانب وجود مركز صحي واحد تم إنشاؤه قبل عقود بواسطة إحدى المنظمات الخيرية، وهو الآن تحول إلى عيادة خاصة لطبيب عمومي، ويغطي المستشفى حوالى أربع وعشرين قرية، كلها تتلقى العلاج في مركز معتوق من خلال طبيب موجود في المركز في الفترة المسائية، ويعاني المركز من انعدام المعدات والمعينات الطبية والخدمة الممتازة. وكانت سمية أكد وزيرة الدولة السابقة بوزارة الصحة الاتحادية قد وعدت في زيارتها العام الماضي لمعتوق، بتوفير المعدات والكوادر الصحية ومستلزمات مستشفى معتوق الريفي، ولكن وعودها ذهبت أدراج الرياح ولم تنفذ.
ويقول المواطن علي الطيب إن معتوق تعد من أكثر المناطق التي عانت من الإهمال من جانب الإداريين، سواء في المحلية أو الولاة الذين تعاقبوا على حكم الولاية، ولا نعلم هل التقصير ناتج من بُعدها الجغرافي مثلاً كونها آخر منطقة في غرب الجزيرة، أم أن هنالك مشكلة أخرى؛ فالمشكلات لا حصر لها، فمعضلتنا الأساسية هنا في الجانب الصحي، فالمستشفى صغير الحجم ويفتقر للكوادر الطبية المؤهلة، كما تنقصه غرف عمليات الولادة ولا يستطيع أن يجري أي عملية جراحية، فهو عبارة عن مركز صحي لا أكثر، بل تجد مراكز صحية في مدن أخرى تقدم خدمة أكثر منه.
يقول الطيب: “كثرت الشكاوى والمطالب من جانب المواطنين ولكن لا حياة لمن تنادي، فمن قبل أتتنا وزيزة الدولة بوزارة الصحة في زيارة تفقدية لمستشفى معتوق، ووقفت ورأت أوضاع المستشفى، وتعهدت بأن تسد كل النقص، ولكن وعودها مرت كسحابة الصيف، فالعشم في الوالي محمد طاهر أيلا لحلحلة مشكلات تنمية معتوق، كما أن هنالك مشكلات أخرى وهي قيام أشجار المسكيت في معتوق بشكل خرافي، فغابات الأشجار نبتت بصورة تصعب معها عملية اجتثاثها فأصبحت تؤرق الأسر، ويصعب معها السير ليلاً في المنطقة، وقفلت كل المداخل الرئيسة والأزقة داخل الأحياء، ونرجو من السيد الوالي إزالة هذه الأشجار الخبيثة لأنها في معدل ازدياد بسبب تساقط ثمارها الكثيرة، كما أن لها شوكة حادة تثقب الحذاء، كما هنالك بعض المشكلات في المنطقة منها انقطاع التيار الكهربائي بصورة مستمرة مع ضعف ورداءة قوته، وكذلك مياه الشرب، فهي مشكلة كبيرة جداً وتحتاج لحلول ومعالجات نأمل أن تجد الحل، فالشرب من مياه الحفائر والترع هو سبب استيطان بعض الأمراض كالبلهارسيا والتايفوئيد والملاريا”.
ومن جهته، يقول المواطن عاطف النمير: “إضافة لمشكلات الخدمات والطريق، فمعتوق وسكانها يعانون من انتشار الأوبئة والأمراض نتيجة لتلوث مياه الشرب التي توفرها الحفائر القريبة من المنطقة، بعد أن توقفت محطة المياه التي كانت تشرب منها معتوق لأسباب فنية، وفشل معتمد محلية القرشي السابق في معالجة أمر المياه بالمنطقة”، وأضاف النمير أن هناك انتشارا واسعا للملاريا والإسهالات وغيرها من الأمراض في معتوق، مطالبا حكومة المحلية والولاية بالنظر إلى حال المواطنين والوفاء بالوعود التي قطعوها في السابق لمعالجة أمر الخدمات والمياه والطريق الرئيس والطرق الرابطة بين معتوق والقرى المجاورة والتي بسبب وعورتها جعلت الوصل بين السكان قليلاً في ظل ارتفاع أسعار المواصلات التي لا يتمكن المواطن البسيط من توفيرها، إلى جانب احتياجاته الأخرى من توفير كساء ودواء وغذاء وغيرها من الضروريات.
يمكنك ايضا قراءة الخبر في المصدر من جريدة اليوم التالي