الخرطوم ” الزين عثمان
(معليش معليش ما عندنا عيش) هتاف في شوارع الخرطوم بالأمس دفع بالإدارة العامة للمرور الإعلان وعبر صفحتها الرئيسية بالفيسبوك عن إغلاق المحتجين لشارع الحرية وتطالب أصحاب السيارات باتخاذ الطرق البديلة وهتف المتظاهرون (الثورة مستمرة)، (سلمية سلمية)، وحمل المتظاهرون لافتات كتب عليها (تشييع حكومة حمدوك لمثواها الأخير) ونددت التظاهرة الاحتجاجية بالأوضاع الاقتصادية في البلاد ومستوى أداء الحكومة الانتقالية وطالب المشاركون فيها بإقالة وزير التجارة والصناعة مدني عباس مدني من منصبه.
بدا وكأن المطلب يقفز الى شارع الحرية من قاعة الصداقة حيث انبرى أحد خبراء الاقتصاد مهاجماً عباس ومحملا الأخير وزر ضعف الأداء الاقتصادي وتوفير السلع الرئيسية في البلاد وعلى رأسها الخبز.
1
حسناً.. تتفاقم الأزمة الاقتصادية في البلاد التي يعيش الناس فيها اوضاعاً مؤسفة في سبيل الحصول على السلع الرئيسية ويضطر الكثيرون لقضاء كل يومهم في صفوف المخابز من أجل الحصول على الرغيف مع تنامي الموقف الرافض لسياسات وزير التجارة حيث أن الجميع يرى في الرجل الأزمة التي يجب أن تحل لفك عقدة الضائقة المعيشية ولمغادرتهم صفوف المخابز بينما ينظر البعض لهذا الأمر بأنه بحث عن الحل الذي لا يقود لحل يتساءل أحدهم: هب أن مدني غادر منصبه في اللحظة أو أنه اعتصم بالبقاء في منزله فهل سيقود ذلك لحل المشكلة ولتوفير الخبز دون صفوف؟ وفي السؤال عن الأزمة مكانا وين؟ هل يكفي أن تؤشر نحو وزير التجارة ثم تمضي في انتظار الحل المتاح؟
2
عقب قرار تشكيل الحكومة الانتقالية وتجاوز المتفق عليه في ما يتعلق بعدم اختيار من كانوا جزءا من التفاوض لشغل المناصب الوزارية كان اختيار مدني عباس يجد رافضين له في اتجاهات متعددة هو وآخرين لكن الشاب الذي كان من المنتظر ان يشغل منصب وزير مجلس الوزراء وجد نفسه في معمعة التجارة والصناعة وهو القرار الذي وجد رفضاً منقطع النظير من قبل الشارع بشكل عام الذي رفض أن يشغل المنصب لكن في المقابل حين أعلن المشكلات التي تحيط بالوزارة أعلنت لجان المقاومة دعمها له والوقوف معه لتنفيذ تعهده بحل مشكلة صفوف الخبز في ثلاثة أسابيع وهو ما لم يحدث بل ازدادت حدة الأزمة وسط تنامي حالة عدم الرضاء في الشارع على سياسات مدني.
3
قبل حوالي أسبوعين كانت الأخبار تتحدث عن مواجهة بين مدني عباس وعدد من شباب منطقة بري في نقاش حول قضايا الوزارة وفي الحلول التي طرحها دون أن تأتي بنتيجة على أرض الواقع. وبالطبع كان النعت بالوزير الفاشل يطارده. النقاش احتدم وهدأ في الوقت نفسه، غادر الوزير (المقهى) لمواصلة عمله الوزاري بينما غادر الشباب وقد تعمق في داخلهم الإحساس بأن الرجل فاشل وعليه أن يغادر. في سبيل السعي لمعالجة الأزمات يظهر عباس مشاركاً في المؤتمر الاقتصادي وحاصلاً في الوقت نفسه على القدر الأكبر من الانتقاد قبل أن يعود لاستقبال هدية مصر من الأفران الآلية في سعيه للبحث عن علاج لمعضلة الخبز بينما تمدد السؤال في اتجاه آخر: وماذا عن الدقيق؟
4
تتزايد أزمة الخبز بتزايد العوامل التي تؤثر فيها، بعضها متعلق بالمخابز وشكلها التقليدي وبعضها يتعلق بمدى ملائمة العمل لأصحاب المخابز وتحقيق الأرباح في ظل زيادة التكلفة التشغيلية وبعضها الأهم هو المتعلق بتوفير الدقيق المدعوم من قبل الحكومة، توفيره وفي الوقت نفسه الوقوف على عمليات توزيعه ومكافحة عصابات التهريب التي تحول الكوتة لصالح تحقيق مكاسبها الذاتية بينما يتحدث آخرون عن وجود أياد تعبث في ملف الخبز والدقيق مثل تلك التي تعبث بملف الدولار والاتهام هنا بالطبع لمكونات النظام البائد التي لا تريد الاستقرار للفترة الانتقالية وتحاول ضرب العلاقة بينها والشارع. الأمر صحيح والصحيح أيضاً أن ثمة تراخيا وضعفا بائنا في الأداء الحكومي وملف الوزارات وعلى رأسهم مدني وطريقة أدائه في الملف.
5
لكن السؤال الأكثر أهمية الآن: هل يتحمل وزير التجارة وحده أزمة الخبز الخانقة الآن؟ وأين تنتهي مسؤولياته فيها؟ بحسب ما هو معلوم فإن مسؤولية الوزير تنتهي بتحديد الحصة المطلوبة بينما ترتبط الإجراءات الأخرى بمؤسسات أخرى وعلى رأسها وزارة المالية التي يجب عليها توفير الأموال الخاصة باستقدام القمح ودفع فواتير الحصول عليها؛ المسؤولية هنا تتجاوز مدني ووزارته الى مجموع المؤسسات والوزارات الأخرى في الحكومة كما أنه لا يبدو من غير الموضوعي أن يتم تحميل وزر الإخفاق لشخص في واقع حكومة ما بعد الثورة وكان هو من عليه أن يقوم بتوفير الخبز في المخابز وهو أمر ليس من صميم اختصاصات الوزير وإنما من صميم اختصاصات من يصنعون السياسات. الأزمة مكانها السياسات العامة المتبعة وليس الإجراءات اليومية التي يتخذها وزير بعينه بينما لا يزال السؤال قائماً: هل تعني مغادرة الوزير منصبه أن يغادر المكتوون ببحثهم عن الخبز الصفوف المتطاولة؟ وهل الأزمة في مدني أم في مؤسسات مدنية تعاني من مجموعة من الأختلالات؟
يمكنك قراءة الخبر ايضا من المصدر من هنا