السودان الان

العلاقات السودانية المصرية تشهد حالة من الحراك الملحوظ بمبادرات مصرية إيجابية تجاه السودان لمساعدته في تحديات المرحلة الانتقالية وسط تشكيك البعض في الدور المصري

مصدر الخبر / صحيفة اليوم التالي

القاهرة: صباح موسى
تشهد العلاقات السودانية المصرية حراكا ملحوظا بعد ركود استمر لفترة طويلة من عمر المرحلة الانتقالية، وجاءت بداية هذا الحراك مع الزيارة التي قام بها رئيس الوزراء المصري الدكتور مصطفى مدبولي على رأس وفد وزاري رفيع المستوى منتصف أغسطس الماضي، وكانت هذه الزيارة هي بداية الحراك المصري تجاه السودان لتفعيل العلاقات بينهما، وجاءت بعد كمون ظاهر في العلاقات بعد قرابة العام من المرحلة الانتقالية، أرجعه الخبراء لأسباب عدة أهمها انشغال السودان بتحدياته الداخلية الصعبة في ظل التغيير الكبير بعد الثورة، علاوة على ظروف جائحة كورونا التي أثرت كثيرا على مجمل العلاقات الخارجية، مع وجود بعض الخلافات حول شكل العلاقات داخل الحاضنة السياسية للحكومة السودانية، والتي تنقسم فيها رؤى قوى إعلان الحرية والتغيير ما بين مؤيد لضرورة علاقات جيدة مع مصر، وبين من يرى علاقات أخرى أهم في الجوار القريب، بعد هذه الزيارة المهمة لمدبولي لوحظ طرح مبادرات إيجابية من الجانب المصري تجاه السودان تؤكد حرص القاهرة على ضرورة بناء علاقات قوية ومتطورة مع الخرطوم والوقوف بجانبها لمجابهة تحديات المرحلة الانتقالية.

مخابز آلية
قامت مصر قبل يومين بإرسال أول المخابز الآلية إلى السودان من أصل 10 مخابز تنوي تزويد الخرطوم بها لدعم جهودها في حل أزمة الخبز، وأرسلت فريقا فنيا لتركيب وتشغيل الفرن، على أن تصل بقية المخابز تباعا في أوقات لاحقة، وتأتي المخابز الآلية المصرية فى إطار دعم القاهرة للسودان في مجال تقديم الخدمات للجمهور، الذي ظل يعاني كثيرا من ندرة رغيف العيش، خاصة وأنه يمثل الغذاء الرئيسي للمواطنين، وتأكيدا لأن مصر ستبقى بجانب السودان في الأوقات الحرجة، إلتزاما منها بدعم وترسيخ العلاقات بين البلدين في المرحلة المقبلة، وقامت مصر أيضا بإرسال أول جسر جوي إلى السودان لمساعدة متضرري السيول في البلاد في السابع من سبتمبر الماضي، وقبلها كان تدشين مشروع الربط الكهربائي بين البلدين أبريل الماضي، بنقل 60 ميجاوات من الجانب المصري إلى السودان، والإتفاق على تفعيل وصوله إلى الحجم المتفق عليه بواقع 300 ميجاوات.
أجندات معادية
المتابع لمسيرة العلاقات السودانية المصرية في العام الأول من عمر المرحلة الانتقالية يلاحظ نشاط أجندات معادية لهذه العلاقة، وزاد هذا النشاط مع ركودها على المستوى الرسمي بتبادل الاتهامات من هنا وهناك لتعزيز أجندة تعكير صفو هذه العلاقات، ومع بداية الحراك الرسمي بين البلدين، بدأت مجموعات أخرى تشكك في النوايا المصرية تجاه السودان، بالتركيز على الملفات الخلافية بين البلدين كملف (حلايب) لتشويه الصورة والعمل على جعل هذه العلاقات في نقطة الصفر دائما وأبدا.
قريبة وحريصة
ورغم كثرة التساؤلات عن الدور المصري في السودان بعد الثورة واختفائه في بداياتها الأولى، إلا أن الخبراء يؤكدون أن مصر كانت قريبة وحريصة على استقرار السودان، دون إظهار أن القاهرة تدخل في الشكل الداخلي السوداني، وكان وجودها مهما في أم ملفات تحديات المرحلة الإنتقالية وهو ملف السلام، وأن مصر لم يعنها ظهورها بشكل واضح في هذا الملف بقدر مايهمها إنجازه للحفاظ على أمن واستقرار السودان في المقام الأول ليسهل بعد ذلك مواجهة كل ملفات التحدي المختلفة.
بدايات السلام
ولإلقاء الضوء على الدور المصري في ملف السلام يذكر أن البدايات الأولى للمفاوضات والاستعداد لها بدأ من القاهرة، بانطلاقه قبل الإجتماع التشاوري بين الحكومة المصرية والجبهة الثورية في بدايات سبتمبر من عام 2019 قبل الانطلاق الرسمي للمفاوضاتفي أكتوبر الماضي بجوبا، وذلك بضاحية العين السخنة بمحافظة السويس وعلى مدى عشرة أيام شارك فيها نداء السودان بقيادة الصادق المهدي وقتها، شهدت نقاشات ثنائية وورشة عمل واجتماعا لنداء السودان بحضور وفد من جنوب السودان وعدد من المنظمات الإقليمية والدولية.
توحيد الآلية
اجتماع الجبهة الثورية ونداء السودان بالعين السخنة وقتها عمل على توحيد آلية للتنسيق بين كل الراغبين في القيام بدور لدعم السلام والإستقرار في السودان. حتى لا يحدث تضارب وحتى لا يكون هنالك ضرر من كثرة الوسطاء، وبذلت مصر وقتها مجهودا بالتنسيق مع جنوب السودان والسعودية والإمارات وغيرها من الدول الإقليمية والدولية لدعم منبر جوبا الذي اختلفت عليه الحركات في البداية، كما عقدت ورشة عمل واجتماع آخر للمرة الأولى لنداء السودان منذ إسقاط النظام السابق، وتم تحديد كيف يحكم السودان، وكيفية إدارة التفاوض بشكل نهائي، وحددت الحكومة المصرية والجبهة الثورية في العين السخنة أجندة التشاور وموضوعات النقاش في القضايا التفصيلية التي لم تحسم وقتها بشكل قاطع في جوبا، وساعدت مصر في مشاورات موسعة مع الجميع، لوعيها بتفاصيل السلام في السودان وأهميته، علاوة على علاقتها الجيدة بالأطراف المختلفة في العملية، كما ساعدت مصر في الوصول إلى أجندة قادت الجميع إلى اتفاق سلام، وكانت معظم الحركات الموقعة على السلام تدعم الخط المصري الذي يدعو لوحدة الصف الوطني وتحقيق السلام المستدام.

بناء الثقة
اجتماعات العين السخنة أتت بعد توقيع الاتفاق الإطاري بجوبا، وجاءت استكمالا لما حدث بجنوب السودان، وساعدت في تكثيف المشاورات وبناء الثقة بين الأطراف المختلفة لإنطلاق عملية السلام بشكل فعلي، وذلك للحفاظ على التراب الوطني السوداني، وظلت المجهودات المصرية وستظل في دعم الاستقرار بالسودان أساسا في إطار التفاعل المستمر مع كافة الأطراف السودانية أيا كانت مواقفها، كما تابعت مصر سير المفاوضات مع جنوب السودان أول بأول بإرسال وفود أمنية لجوبا على مدار التفاوض للنقاش والمساعدة في تسيير وتيسير العملية، كما كانت مصر أول دولة يقدم لها الدعوة لحضور مراسيم التوقيع النهائي للسلام بجوبا بعد غد (السبت)، وقام بتقديمها رئيس وفد التفاوض بنفسه للرئيس السيسي بالقاهرة، وهذا يعكس الدور الحيوي الذي قامت به مصر في المفاوضات والدور المتوقع منها في إنزال السلام إلى أرض الواقع.

مذكرات تفاهم
مصر أيضا ساعدت في توقيع اتفاقات تحالف ومذكرات تفاهم بين حركتي عبد العزيز الحلو ومني أركو مناوي مع الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل بزعامة مولانا محمد عثمان الميرغني، ويرى الخبراء أن هدف مصر من هذه الاتفاقات هو تجسير الهوة بين القوى السياسية السودانية التي عانت تشرذماً كبيراً خلال عهد البشير، وأن استمرار هذا التشرذم يمكن أن يلقي بتداعيات سلبية تعرقل نجاح المرحلة الإنتقالية.

ستبقى راسخة
ويبقى أن العلاقات السودانية المصرية ستبقى راسخة، ومهما كانت محاولات البعض لإفشالها ستجد المناخ الملائم لإنطلاقها على أساس المصالح المشتركة بين البلدين على أسس من الإحترام المتبادل، وعلى الذين يشككون في دور مصر تجاه السودان أن يعوا أن القاهرة ربما لا تملك الإمكانات المادية لإنقاذ السودان من التدهور الاقتصادي، إلا أنها تملك الإمكانات والخبرات التي قد تساعد وتسهل في جعل الخروج من هذه الأزمة ممكنا، وعلى القاهرة الرسمية أن تكثف من مساعيها تجاه السودان بشكل واضح وصريح، وأن تعي أن المساعدة في الشأن السياسي لا تقل أهمية عن الشأن الإقتصادي، فوجود مصر مهم جدا على الساحة السياسية السودانية في المرحلة المقبلة، وعلى الجميع أن يتأكد أن مصلحة السودان واستقراره تصب في المصلحة المصرية في المقام الأول، وإذا كانت لمصر أغراض في السودان فهي لصالح أمنه واستقراره.

يمكنك قراءة الخبر ايضا من المصدر من هنا

عن مصدر الخبر

صحيفة اليوم التالي