جبل عامر الزين عثمان
بابتسامة تلمع بما مقداره عشر كيلو ذهب استلمت وزيرة المالية المكلفة هبة محمد علي مربع التعدين الذي توازي مساحته حوالي 750 كيلو متر من شركة الجنيد ومعه مصنع كامل لمعالجة مخلفات التعدين (الكرتة) يوم الاثنين الفائت في احتفال مشهود هبطت إليه هبة من طائرة الرئاسة بمعية عبد الرحيم دقلو قائد ثاني قوات الدعم السريع أو المالك السابق للمصنع ومربع التعدين (الجلابي) بحسب ما وصفه أحد الشباب هناك حين هبوطه بالمنطقة في رحلتها إلى هناك ايضاً رافقها آدم حريكة مستشار رئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية ووكيل وزارة الطاقة في قطاع التعدين محمد يحيى ومدير عام الشركة السودانية للموارد المعدنية مبارك أردول وسليمان عبد الرحمن مدير عام الهيئة العامة للأبحاث الجيولوجية وقيادات من حكومة ولاية شمال دارفور التي غاب واليها محمد حسن عربي عن المحفل أدناه.
بعض كواليس ما حدث في جبل عامر
1
في الطريق إلى هناك تحتاج لأكثر من ثماني ساعات لقطع مسافة لا تتجاوز ال 200 كيلو متر بين حاضرة شمال دارفور الفاشر ومنطقة الجبل وذلك لوعورة الطرق في الوقت نفسه فإنك تحتاج لتوفير الحماية التي يقوم بها منسوبو الدعم السريع فالتوقيع على اتفاق السلام لم يكن كافيا لإنهاء كل بؤر العنف في الإقليم ولا تزال المجموعات المتفلتة تنشط بين الفينة والأخرى، أضف إلى ذلك فإن تزايد عدد القادمين إلى هناك كان يتطلب أيضاً زيادة درجات التأمين بالطبع لم تكن الوزيرة ووفدها في حاجة لقطع هذه المسافة فقد تكفلت الطائرة الرئاسية بالمهمة على أكمل وجه بعد أن سبقتها طائرة هيلكوبتر تسبب هبوطها في انهيار جزء من الخيمة المعدة للاحتفال قبل أن يقوم موظفو المراسم بالتعاون مع عساكر الدعم السريع في إصلاح ما أفسدته الكابتن وقتها كان ثمة سؤال يتبادر للذهن عمن هو عامر صاحب الاسم؟ تقول الروايات بأنه احد منسوبي قبيلة الرزيقات ممن هبطوا في المنطقة منذ وقت بعيد.
2
عقب هبوط طائراتها تجولت وزيرة المالية داخل مباني المصنع الذي آل للحكومة التي ترتب الآن لتكوين شركة حكومية من أجل إدارته مستقبلاً بينما يقوم بإدارته في الوقت الراهن الهيئة العامة للأبحاث الجيولوجية التي يقوم مهندسوها الآن بترتيبات التشغيل وأشرف بعضهم بشكل مباشر على تقديم الشرح للوفد الذي تجول في أرجاء المصنع الذي يتكون من عدة وحدات للإنتاج وبالطبع مباني إدارية ومساكن للعمال والموظفين بالإضافة لمولدات توليد الطاقة الكهربائية وبحسب المهندس الجيولوجي مازن فإن المصنع وآلياته تعمل الآن بطاقة 80% وأنه بالإمكان إكمال النقائص الموجودة فيه ويحتوي المصنع أيضاُ على محطة معالجة باستخدام السيانيد داخله يستفاد منها في عملية الإنتاج.
3
في جولتها التفقدية كان قائد ثان الدعم السريع عبد الرحيم دقلو يقوم بشرح كل التفاصيل داخل المصنع شرح من يعلم بكل صغيرة وكبيرة تحدث هنا كيف لا يحدث ذلك والرجل أصلاً كان المشرف العام عليه وهو ما ظهر عقب انتهاء الاحتفال وهو يقف وسط دائرة من مهندسي المصنع من منسوبي شركة الجنيد ويؤكد لهم بأن حقهم في الحفظ والصون وأنه لا خطوة في طريق الاستغناء عنهم بل أكثر من ذلك أعلن عن دفع الشركة حوافز إنتاج لهم. في وقت تابعت وزيرة المالية عملية الحرق التي تمت للذهب وتسلمت السبيكة من المهندسين مباشرة قبل أن تبتسم لفلاشات الكاميرات التي وثقت اللحظة قبل أن تغادر المباني الخاصة بالمصنع إلى حيث مربع الإنتاج هناك بين (الدهابة) الذين يقوم المصنع في الأساس على أعمالهم فهم من يزودونه بالكرتة قبل أن تعود والوفد لتناول وجبة الإفطار ولإكمال عمليات التسليم والتسلم بينها وشركة الجنيد أو بينها وقائد ثاني قوات الدعم السريع.
4
في جبل عامر الذي يبدو أشبه بالأسطورة بدأت الأوضاع هادئة مقرونة بصخب الحركة الدؤوبة لجنود ومنسوبي الدعم السريع انتظاراً لوصول قائدهم وهم يتبادلون ساعتها العبارة (القائد) وبالطبع تزامن ذلك مع إجراءات أمنية مشددة من قبلهم مصحوبة بتسريبات عن حركة يمكن أن تصدر عن مناصري موسى هلال الموقوف الآن على ذمة قضايا وبالطبع صاحب الامتياز التاريخي في منطقة التعدين قبل أن تحدث تغييرات في مشهد البلاد وبالطبع في ميزان القوة. على كل بدت الأوضاع تحت السيطرة ومرت الأوضاع هادئة دون حدوث ما يعكر صفو اللحظة وبالطبع لم يغير من لمعان الذهب المحمول فوق أيادي الوزيرة التي بدأت في روح معنوية عالية كيف لا وهي تحصل على ما يتجاوز التسعة كيلو من المعدن النفيس قالت إنها ستقوم بتوجيه العائد منها لشراء الأدوية في بلاد خزنتها خاوية علي عروشها أو كما قالت. بعيداً عن العواصف كانت الخيمة التي رفعت فيها لافتة باسم شركة الجنيد ترحب بالضيوف كان تاريخاً جديداً تتم كتابته وبالطبع كانت أصوات ترتفع عبر مكبرات الصوت تقول كلماتها.
5
عبد الرحمن البكري المدير العام لشركة الجنيد للأنشطة المتعددة أول الصاعدين لمنصة الحديث تجاوز أن يحصر حديثه في مجرد الترحيب بالضيوف إلى نقطة أخرى تعلقت بالحديث عن الشركة التي قال إنها كانت مجرد أوراق مروسة محمولة في عربتين الأولى التي كان يقودها هو بينما العربة الثانية كانت عربة عبد الرحيم دقلو مردفاً أن كل الحكاية بدأت هنا في جبل عامر وفي العمل في مجال التعدين إلى أن وصلت إلى ما وصلت إليه الآن واعتبر أن تسليمهم لمربع التعدين والمصنع بمثابة أن يمنح أحدهم الوطن ابنه البكر فقط لأنه يستحق. بعدها كان الحديث لمدير الشركة السودانية للموارد المعدنية مبارك أردول الذي طالب السودانيين بأن يوقفوا عملية إدخال العصي في عجلات بعض وأن يعملوا متحدين من أجل المستقبل نافياً أن تحصل شركة الجنيد على مزايا من الحكومة معتبراً ما حدث هو أن ينبري مواطن سوداني لتقديم خيره لصالح بلاده وهو أمر من شأنه المساهمة في إخراج البلاد من غرفة الإنعاش التي أدخلها إليها النظام السابق.
6
كان أردول يطالب بالإسراع في العمل الاستكشافي في المربعات من أجل الاستفادة من الفرصة التاريخية بالبلاد التي تغادر عزلتها قبل أن يهبط ليترك فرصة الحديث لوكيل وزارة الطاقة قطاع التعدين محمد يحيى الذي بدا مستعداً في التنازل عن فرصته في الكلام لصالح وزيرة المالية في نهاية المطاف لكن المتخصص في الجيولوجيا قال إن هذه البلاد خيرها وفير وبالإمكان الاستفادة منه، أرضها غنية بالمعادن والعمل في هذا المجال له محاسنه مثلما له مضاره الوقت نفسه، لكنه يكمل أن الخير الحقيقي هو ذلك الذي يكمن في الزراعة والتي يجب أن توظف كل الموارد من أجل تحقيق أكبر عائد ومكسب منها، متعهداً في الوقت نفسه بأن يجلس الجميع في الأرض وينال كل ذي حق حقه.
7
يخبر الفريق عبد الرحيم دقلو المجتمعين برسالة وصفها بالبسيطة والنشيطة في الوقت نفسه شركة الجنيد هنا من أجل تسليم الحكومة جبل عامر والمصنع وهاجم عبد الرحيم من أسماهم المغرضين ممن لم يروا في أكثر من أربعمائة شركة مسجلة غير شركة الجنيد وتحدى أي شخص إثبات أن ثمة تجاوز للشركة في أي من المجالات مستدلاً بأن الحكومة سبق وأن جمدت حساباتها قبل أن تعود لتفتحها وبالقانون وكشف أن اتصالا تم بينهم وبين رئيس الوزراء عبد الله حمدوك الذي قال إن هذا الجبل فيهو خير كتير ونرجوا منكم تسليمه للحكومة فردينا عليه (مرحب) التنازل تم قبل سبع أشهر وكانت في إجراءات ومتابعات حتى الوصول إلى هذه اللحظة. وقال عبد الرحيم بأنهم قاموا بتسليم الحكومة شركة تنتج ذهبا بيان بالعمل وعليهم المحافظة عليها خاتماً حديثه بأن لا دهب أغلى من الشعب السوداني.
8
بعد استلامها الأوراق الخاصة بالمصنع والمربع من شركة الجنيد ومعها الفلاش الذي يحوي كل الدراسات الخاصة بالمربع، اعتبرت وزيرة المالية ما حدث إنجازا في مسار بناء دولة المؤسسات وخطوة في سبيل تعزيز الإيرادات بما يساهم في علاج الأزمات الاقتصادية المتراكمة وقالت وزيرة المالية إن حكومتها تضع آمالاً عريضة فيما يتعلق بمساهمات دارفور في إعادة ترتيب الهيكل الاقتصادي في سودان ما بعد الثورة في فترة الانتقال وفي فترة ما بعد الانتقال، وأكملت سنعمل معكم يدا بيد من أجل النهوض بالعملية الإنتاجية في البلاد قبل أن تؤكد أن الذهب الذي تم استلامه سيتم توظيفه من أجل شراء الدواء والمساهمة في علاج أزمة تمسك بتلابيب السلطة والشعب في الخرطوم، الخرطوم التي كانت تئن ساعتها بفعل أزمة رفع الدعم عن الوقود، القرار الذي اتخذته سلطات المالية في غياب وزيرتها.
9
غادرت هبة ووفدها جبل عامر في طريق عودتها إلى الخرطوم بعد أن استلمت أوراق أيلولة الشركة والمربع لصالح الحكومة ومعها عشرة كيلو تنقص قليلاً من المعدن النفيس بينما كان يتبعها في ذات الطائرة الرئاسية السؤال هل ستنجح الشركة قيد التشكيل في الاستمرار في عمليات إنتاج الذهب أم أن نصيب الحكومة سيكون فقط هو الذي حملته الوزيرة معها في الطائرة؟ وبالطبع معه سؤال آخر هل يواصل الذهب لمعانه في جبل عامر أم أن المشكلات ستعمل علي إيقاف عمليات التعدين والتنقيب؟
يمكنك قراءة الخبر ايضا من المصدر من هنا