السودان الان

هتافات جماهير ساحة الحرية هل هي ضد شخص الرئيس السابق للمؤتمر السوداني أم أنها احتجاجات ضد التحالف العاجز عن تحقيق أهداف وغايات الثورة؟ ولأي مدى بإمكاننا التأكيد على أن ثمة انقلابا جديدا على الحاضنة القديمة؟ (الشيخ وحميدتي)

مصدر الخبر / صحيفة اليوم التالي

الخرطوم ” الزين عثمان

بالنسبة لإبراهيم الشيخ الرئيس السابق لحزب المؤتمر السوداني وعضو المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير فإن الخلاف بينه ورئيس حركة جيش تحرير السودان أركو مناوي سحابة صيف وزالت الشيخ وفي تصريحات صحفية كان قد كشف طبيعة النزاع الذي اشتعل بينهما في عاصمة جنوب السودان جوبا ورده إلى أن الأخير كان حانقاً على مواقف قوى التغيير في خوض التفاوض مع المجلس العسكري وقال”عندما كنت في الجولة الثالثة للتفاوض بوفد الحكومة، كانت لدى مناوي مرارة من قوى الحرية والتغيير بدأت منذ أنّ تمّ اعتماد الاتّفاق السياسي بالخرطوم ونحن كنا نتفاوض معه ونتفق مع المجلس العسكري في نفس الوقت، ثم ذهبنا إلى القاهرة لحلّ المشكلة ولم نوّفق”. ما جرى يومها أوجد جفوة بين مناوي وقوى الحرية والتغيير لكن الشيخ يختم حديثه بأنهم أزالوا هذه الجفوة وتعانقا.

1

في جوبا كان إبراهيم الشيخ يحاسب على مشروبات قوى إعلان الحرية ومواقفها وعقب عودة قيادات حركات الكفاح المسلح إلى الخرطوم وتحديداً في ساحة الحرية وجد الرجل الذي وقف منافحاً عن حق الشعب السوداني في الحياة الكريمة ومقاوماً لحكومة العهد البائد نفسه يوم الفرح بالسلام يدفع الفاتورة مرة أخرى وهذه المرة حين قاطعته الجماهير بهتافات الرفض لكلمته ورددت (جوعتونا ما دايرين) كان رفض خطاب إبراهيم الشيخ ينطلق أساسا من كون الأخير تم تقديمه في كونه لسان الحرية والتغيير التي بدأت حالة من عدم الرضا الشعبي تتبلور حول سياساتها وتعاطيها مع مشهد ثورة الشعب الباحث عن انتصاره في تنزيل قيم الحرية السلام والعدالة.

2

في خطابه الجماهيري خرج النائب الأول لرئيس مجلس السيادة الفريق محمد حمدان حميدتي لتخفيف الضغوط على إبراهيم الشيخ حين طالب الهاتفين بعدم تحميله فوق طاقته وألا يظلموه بالنسبة لقائد قوات الدعم السريع التي وللمفارقة فإن دخول إبراهيم الشيخ للمعتقلات في العهد البائد كان بسبب تصريحات ناقدة لها في ندوة سياسية وتمسكه لاحقا برفض الاعتذار فإن الشيخ يمثل تياراً معتدلاً في قوى إعلان الحرية والتغيير وله مساهمته الفاعلة في عملية دعم السلام من كانوا يحتجون ضد الشيخ سرعان ما صمتوا في أعقاب خطاب حميدتي بل أن بعضهم ردد (كلامك صاح) وكأنهم يؤكدون على مفارقة أخرى أن من يحتجون ضد الشيخ يتراجعون عن ذلك تقديراً لحميدتي مقروناً ذلك بتنامي حالة التنازع بين العسكر والمدنيين في سودان ما بعد سقوط البشير أو في عهد الحكم المدني.

3

يقول عضو مجلس السيادة الناطق الرسمي باسم الوفد الحكومي للمفاوضات بجوبا محمد الحسن التعايشي تعليقاً على أحداث ساحة الحرية أن التعبير عن الاختلاف أو الاتفاق مع السيد إبراهيم الشيخ أمر جعلته ثورة ديسمبر ممكناً، الثورة التي لا يزايد أحد على مساهمات ونضالات إبراهيم من أجلها، فهو ينتمي إلى تنظيم لديه مواقف واضحة تجاه قضايا الحرب والسلام بل تجاه المظالم التاريخية بكلياتها، مسنودة بإطار نظري وفكري شاهق وكبير. أعتقد أن الأستاذ إبراهيم الشيخ من الشخصيات التي تستطيع أن تكتشف مكامن الخلل وتستدرك ضرورات الإعداد للمستقبل فهو شجاع في مواقفه وأمين تجاه قضايا شعبه، خلال مسيرة صناعة السلام هذه تناقشت معه لفترات طويلة جداً وفي كل المرات وجدته مبدئيا تجاه قضايا التغيير. بينما مضى فريق آخر بأن مجرد مدافعة الفريق حميدتي عن الشيخ في المحفل تعبير عن أن الرجل اتخذ وجهة ما يطلق عليه الهبوط الناعم وأنه يمثل التيار الداعم للعسكر في سودان ما بعد الثورة مما يقود لإفراغها من مضامينها وتعطيل الخطوات في اتجاه تحقيق الأهداف المتوافق عليها.

4

بالطبع البعض يفسر ما حدث في الساحة انطلاقاً من معادلة المواجهات التي تذخر بها الساحة السياسية في توقيتها الراهن وهي ترتبط أيضاً بما يجري من صراعات بين مكونات قوى إعلان الحرية والتغيير ومواقفها المتباينة حول كيفية التعاطي مع العسكريين ومع الشراكة التي أنتجتها الوثيقة الدستورية في أوقات سابقة وهو الأمر الذي أدى لتجميد أحزاب لنشاطها داخل التحالف بينما أعلن الحزب الشيوعي مغادرته منصة دعم الحكومة الانتقالية والاتجاه نحو الجماهير وعدم بيعها الوهم بحسب آخر تحديث للحزب العتيق الذي يرى أن سيطرة العسكر والمليشيات سيعطل تحقيق أهداف وغايات الثورة وهو الأمر الذي فسر من خلاله مناصرو الشيخ مبررات الهجوم الضاري والعنيف عليه عقب أحداث الساحة معتبرين أن من يقوم بذلك هم أعداء السلام.

5

لكن ذهب الجميع في اتجاه مناقشة قضية الهتاف ضد الشيخ في سياق النظر للعملية السياسية في السودان بأنها محض عملية يتم تعريفها في نظرية تبادل الشماتة من جانب وفي الجانب الآخر مناقشتها في سياق العلاقة بين العسكر وبين القوى المدنية دون أن يتعمق البعض في أسئلتها الأكثر الحاحاً وأهمها السؤال المتعلق بلماذا فقدت قوى الحرية والتغيير السند الجماهيري الذي دفع بمنسوبيها للسلطة وأنتج أيضاً الوثيقة الدستورية التي مكنتها من الحصول على أغلبية المقاعد وهي نفسها القوى التي كانت إشارة الهتاف بمدنياو تتجه بشكل مباشر إلى مكوناتها ببساطة حدث ذلك لأن قوى التغيير سرعان ما تراجعت عن تعهداتها مع الشارع وسعت من أجل تحويل مشروع ثورة التغيير إلى مجرد مشروع لتحقيق أهداف وغايات حزبية وربما محاصصات تحقق مكاسب لقوى حزبية بعينها على حساب قوى أخرى بل وعلى حساب الثورة نفسها لذلك فإن الهتاف ضد الشيخ لم يكن الأول ولن يكون الأخير في حال استمرت هذه القوى في انتهاج ذات السلوك.

6

وفي سياق استدعاء نظرية المؤامرة فإن البعض يرى في مشهد هتافات الساحة أنه سيناريو مرسوم سلفاً ويهدف بشكل رئيسي لإعادة النظر في كون قوى الحرية والتغيير هي الحاضنة السياسية للحكومة الانتقالية وهو ما لا يمكن أن يتأتى في ظل التحولات الجديدة في المشهد بعد دخول شركاء العملية السلمية من حركات الكفاح المسلح وهو ما تتطلب حدوث ذلك بغية إيصال رسالة مفادها أن الحرية والتغيير لم تعد هي تلك القوة ذات التأثير البالغ وأنه آن أوان أن ترد قيادات حركات الكفاح المسلح صاع التوقيع على الإعلان السياسي والوثيقة الدستورية صاعين وأن الهواء قلب وتغييرت قواعد اللعبة فالأمر يتجاوز إبراهيم الشخص إلى التحالف نفسه.

المصدر من هنا

عن مصدر الخبر

صحيفة اليوم التالي