تلتزم السلطة الانتقالية في السودان صمتا يخفي خلفه الكثير بشأن الاتفاق الذي جرى إبرامه مع موسكو لإنشاء مركز لوجيستي للقوات البحرية الروسية، على ساحل البحر الأحمر في الأراضي السودانية.
وكشفت الحكومة الروسية في وقت سابق عن بنود الاتفاق الذي جرى التوصل إليه في العام 2019، والذي يفتح المجال أمام روسيا لوضع موطئ قدم لها في البحر الأحمر الذي يحظى بأهمية استراتيجية كبيرة.
الإعلان الروسي، جاء بعد فترة وجيزة من شروع الإدارة الأميركية في رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، ما فتح الباب للكثير من التكهنات بالنسبة لمسارات السياسة الخارجية السودانية.
أمين إسماعيل مجذوب: الخرطوم تحتاج وقتا لاستعادة توازنها حيال إعلان موسكو المفاجئ
أمين إسماعيل مجذوب: الخرطوم تحتاج وقتا لاستعادة توازنها حيال إعلان موسكو المفاجئ
وتقول دوائر سياسية عربية إن أقطاب السلطة في السودان بينهم خلافات كبيرة بشأن العلاقات الخارجية؛ مجلس السيادة، ومجلس الوزراء، وقوى إعلان الحرية والتغيير (الائتلاف الحاكم).
وتلفت الأوساط إلى أن هذه الخلافات تعود بالأساس للخلفيات الفكرية والسياسية القادمة منها تلك الأطراف والتي تبدو متباينة حتى التنافر الأمر الذي يجعل من الصعوبة بمكان الحديث عن انسجام ورؤية موحدة للدبلوماسية الخارجية.
وقال مدير مكتب المتحدث الرسمي للجيش السوداني المقدم هشام عثمان حسين، عن إنشاء المركز اللوجيستي الروسي باقتضاب “ليس بعد”، فيما يرفض مسؤولون في الحكومة التي يقودها مدنيون الإدلاء بأي تصريح بشأنه.
وأصدر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الاثنين مرسوما، أعلن فيه مصادقته على مسودة الاتفاق التي أخرجتها حكومته من الأدراج بعد مرور أشهر.
وتنص المسودة على إنشاء مركز إمداد مادي فني لقوات الأسطول الحربي البحري الروسي في أراضي السودان، بحسب موقع “روسيا اليوم” المحلي. وأوضح المرسوم، أن “إنشاء المركز (الروسي) يستجيب لأهداف دعم السلام والاستقرار في المنطقة، ويحمل طابعا دفاعيا وليس موجها ضد أي دولة”.
ومن المتوقع أن يستوعب المركز 300 جندي وموظف، ويمكن أن يحتضن بشكل متزامن حتى 4 سفن عسكرية، بينها حاملة أجهزة طاقة نووية، مع الالتزام بمبادئ الأمن النووي والبيئي.
وترجع فكرة المركز اللوجيستي الروسي، إلى عام 2017، إذ وقع السودان وروسيا خلال زيارة الرئيس المعزول عمر حسن البشير إلى موسكو، عدة اتفاقيات للتعاون العسكري، تتعلق بالتدريب، وتبادل الخبرات، ودخول السفن الحربية لموانئ البلدين.
وخلال زيارة البشير، تم بحث إنشاء قاعدة عسكرية بالبحر الأحمر، ولكن روسيا لم تتحمس كثيرا لهذا العرض، في حينها، قبل أن تعود مؤخرا إلى الإعلان عن نيتها تنفيذه.
ويقول الخبير الاستراتيجي والمحلل السياسي اللواء ركن (متقاعد) أمين إسماعيل مجذوب، “من الواضح أن تفعيل الاتفاقية من قبل الروس تم في هذا الوقت لسببين”. السبب الأول، هو “التغيير الذي حدث بسبب ثورة ديسمبر 2018، أي بعد حوالي 7 أشهر من توقيع الاتفاقية، ولم يتسن وجود حكومة للتعامل معها لفترة طويلة”.
ويؤيد هذا، تزايد اللقاءات الرسمية بين الجانبين، ففي أكتوبر 2019، أعلن بوتين، لدى لقائه رئيس مجلس السيادة عبدالفتاح البرهان، على هامش القمة الروسيةـالأفريقية بمدينة سوتشي، دعم السودان من أجل تطبيع الوضع السياسي الداخلي.
وفي سبتمبر 2019، التقى رئيس الوزراء عبدالله حمدوك، وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف، في مقر الأمم المتحدة، على هامش الدورة 74 للجمعية العامة في نيويورك.
واتفق الجانبان حينها، على مواصلة التعاون بينهما، والتنسيق في جميع القضايا ذات الاهتمام المشترك، بحسب وكالة السودان للأنباء.
والسبب الثاني، وفق مجذوب، هو “رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، والتطبيع مع إسرائيل باعتبار أن المستقبل سيشهد وجودا إسرائيليا وأميركيا في السودان”.
وأعلنت وزارة الخارجية السودانية، في 23 أكتوبر الماضي، أن الحكومة الانتقالية وافقت على تطبيع العلاقات مع إسرائيل. وفي اليوم نفسه، أعلن البيت الأبيض، أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب، أبلغ الكونغرس، نيته رفع السودان من القائمة السوداء، التي أدرج عليها منذ عام 1993، لاستضافته آنذاك الزعيم الراحل لتنظيم القاعدة أسامة بن لادن.
ولقطع الطريق أمام الولايات المتحدة وإسرائيل، يوضح المجذوب أن “روسيا استبقت الطرفين بالقدوم إلى السودان ووضع قدم على البحر الأحمر، بإقامة المركز اللوجيستي الذي سيتحول إلى قاعدة بحرية شبيهة بقاعدة طرطوس، أو اللاذقية، بسوريا”.
وعن أسباب تأخر إعلان الحكومة الانتقالية بالسودان عن الاتفاقية، يقول المجذوب “يرجع الأمر لسببين؛ الأول: عدم وجود ناطق رسمي عسكري يتحدث باسم القوات المسلحة حتى الآن، لاعتبارات بعد إعفاء المتحدث العسكري السابق، رغم وجود ترشيحات”. أما السبب الثاني، فهو “المفاجأة التي أحدثها قرار الحكومة الروسية، بالموافقة على الاتفاقية ورفعها إلى الرئيس بوتين للموافقة عليها، وهي مفاجأة تحتاج وقتا حتى تستعيد الخرطوم توازنها وترد على الأمر سواء بالموافقة أو أي رد آخر”.
وبحسب مراقبين، فإن هذه القضية ستفجر ذات الخلاف الذي نشأ مؤخرا بشأن قضية التطبيع مع إسرائيل، إذ أن قوى سياسية مدعومة من مجلس الوزراء، ستكون رافضة للمضي في اتفاقيات النظام السابق (نظام عمر البشير 1989-2019).
وحتى إن كانت رغبة بعض العسكريين الموجودين بالسلطة المضي في الاتفاق الروسي، فإن ذلك ليس كافيا لتمرير قضية كهذه، مع تأكيدات الخرطوم رغبتها بتعاون أكبر مع الولايات المتحدة والمجتمع الدولي والعمل على علاقات خارجية متوازنة.
يضاف إلى ذلك، أن خطوة كهذه في هذا التوقيت قد تدفع واشنطن إلى التلكؤ في إزالة اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، باعتبار أن هذه الخطوة تعزز من العلاقات مع روسيا على حساب المصالح الأميركية في المنطقة.