السودان الان

تحرك روسي باتجاه السودان في أعقاب إعلان واشنطن رفع الخرطوم من قائمة الدول الراعية للإرهاب مما فتح أبواب التكهنات حول قيام قاعدة روسية بالبحر الأحمر بينما تكتفي الخرطوم الرسمية بالصمت “الدب الروسي”

مصدر الخبر / صحيفة اليوم التالي

الخرطوم- بهرام عبد المنعم
ظهور لافت للتدخل الروسي في الساحة السودانية والإقليمية بالموافقة على إنشاء مركز لوجستي للقوات البحرية على البحر الأحمر وفي الأراضي السودانية.
وجاء التحرك الروسي نحو السودان بعد فترة وجيزة من إعلان الإدارة الأمريكية شروعها في رفع اسم السودان من قائمة الإرهاب.
وهذا التحرك فتح الباب واسعا للتكهن حول إمكانية قيام المركز اللوجستي الروسي على البحر الأحمر، وعلى الأراضي السودانية.
ورغما عن الإعلان الروسي، إلا أن حكومة السودان التزمت الصمت حتى الآن، ولم يصدر أي تعليق عن المركز الروسي اللوجستي، هو صمت يشي بالكثير، لا سيما أن أطراف السلطة في السودان بينهم خلافات كبيرة بشأن العلاقات الخارجية “مجلس السيادة ومجلس الوزراء وقوى الحرية والتغيير (الائتلاف الحاكم).
وحول سؤال لمدير مكتب المتحدث الرسمي للجيش السوداني، المقدم هشام عثمان حسين، حول ما إذا كان لديهم تعليق حول المركز الروسي اللوجستي، أجاب باقتضاب “ليس بعد”.
وحاولت “اليوم التالي” الاتصال أكثر من مرة للحصول على تصريح رسمي من مسؤولي الحكومة الانتقالية المدنية إلا أنهم التزموا الصمت.
**تفجير الخلافات
وبحسب مراقبين أن هذه القضية ستفجر ذات الخلاف الذي نشأ مؤخرا بشأن قضية التطبيع مع إسرائيل، حيث أن قوى سياسة مدعومة بمجلس الوزراء ستكون رافضة للمضي في اتفاقيات النظام السابق ( نظام عمر البشير 1989-2019).
وحتى إن كانت رغبة بعض العسكريين الموجودين في السلطة المضي في الاتفاق الروسي بحسب محللين، إلا أن ذلك ليس كافيا لتمرير قضية كهذا مع تأكيدات الخرطوم برغبتها في تعاون أكبر مع أمريكا والمجتمع الدولي أو اتخاذها مصلحة السودان وعلاقات خارجية متوازنة.
يضاف إلى ذلك أن خطوة كهذه في التوقيت قد تدفع بالإدارة الأمريكية إلى التلكؤ في إزالة اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب باعتبار أن هذه الخطوة تعزز من العلاقات مع روسيا على حساب المصالح الأمريكية في المنطقة.
ووقع السودان وروسيا عدة اتفاقيات للتعاون العسكري، خلال زيارة الرئيس المعزول عمر البشير، لموسكو في 2017، تتعلق بالتدريب، وتبادل الخبرات، ودخول السفن الحربية لموانئ البلدين.
وخلال زيارة البشير إلى موسكو، تم بحث إنشاء قاعدة عسكرية بالبحر الأحمر، ولكن روسيا لم تتحمس كثيرا لهذا العرض.
وأصدر الرئيس الروسي فلادمير بوتين مرسوما نشر في موقع المعلومات القانونية الروسي، أعلن فيه مصادقته على مقترح الحكومة الخاص بتوقيع اتفاق مع الخرطوم حول إنشاء مركز إمداد مادي فني لقوات الأسطول الحربي البحري الروسي في أراضي السودان، بحسب موقع “روسيا اليوم” المحلي.
وأوضح المرسوم أن “إنشاء المركز يستجيب لأهداف دعم السلام والاستقرار في المنطقة، ويحمل طابعا دفاعيا وليس موجها ضد أي دول أخرى”.
وفي وقت سابق، وافق على مشروع القرار المذكور رئيس الوزراء الروسي، ميخائيل ميشوستين، بالتنسيق مع وزارتي الدفاع والخارجية.
ومن المتوقع أن يستوعب المركز 300 جندي وموظف ولا يمكن أن يحتضن بشكل متزامن أكثر من 4 سفن عسكرية بينها حاملة أجهزة طاقة نووية مع الالتزام بمبادئ الأمن النووي والبيئي.
**توقيت روسي للتنافس
وحول التوقيت الروسي للإعلان عن المركز اللوجستي في الوقت الراهن، يقول الخبير الاستراتيجي والمحلل السياسي، اللواء ركن (متقاعد) أمين إسماعيل مجذوب، إنه “من الواضح أن تفعيل الاتفاقية من قبل الروس تم في هذا الوقت لسببين: الأول هو التغيير الذي حدث بسبب ثورة ديسمبر 2018، أي بعد حوالي 7 أشهر من توقيع الاتفاقية، ولم يتثنى وجود حكومة للتعامل معها لفترة طويلة”.
وأوضح مجذوب في حديثه لــ”اليوم التالي”، أن السبب الثاني: “هو رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، والتطبيع مع إسرائيل باعتبار أن المستقبل سيشهد وجود إسرائيلي وأمريكي في السودان، واستبقت روسيا الطرفين بالقدوم إلى السواحل السودانية والتواجد أمام البحر الأحمر وقطع الطريق أمام أمريكا وإسرائيل بإقامة المركزي اللوجستي الذي سيتحول إلى قاعدة بحرية شبيهة بقاعدة طرطوس في سوريا، والقاعدة الموجودة في اللاذقية.”
وأضاف، “في تقديري عدم الإعلان من الحكومة السودانية إلى الآن يرجع إلى سببين الأول: عدم وجود ناطق رسمي عسكري يتحدث باسم القوات المسلحة حتى الآن، لاعتبارات بعد إعفاء المتحدث العسكري السابق، رغم وجود تشريحات”.
وتابع، “السبب الثاني: هو المفاجأة التي أحدثتها قرار الحكومة الروسية بالموافقة على الاتفاقية ورفعها إلى الرئيس بوتين للموافقة عليها، وقد وافق عليها بالفعل اليوم. هذه المفاجأة تحتاج إلى وقت حتى تستعيد الخرطوم توازنها وترد على هذا الأمر سواء كان بالموافقة أو أي رد آخر، ولكن من الواضح أن هناك تنسيق بين الخرطوم وموسكو في هذا الأمر بصورة صحيحة”.
وأشار إلى أن “المركز الروسي تم بناء على اتفاقية وقعت بين السودان وروسيا في العام 2017”.
وأضاف، “هذا المركز في هذا الوقت من القيادة الروسية يدخل في إطار التنافس الدولي في بحيرة البحر الأحمر باعتباره أكبر ممر لنقل البترول من منطقة الخليج إلى مناطق العالم المختلفة والدول الصناعية في جنوب شرق آسيا”.
وأشار أن “الملاحظ أن التوثيق للاتفاقية بدأ من الحكومة الروسية حيث بدأ برفع مذكرة من رئيس الوزراء إلى الرئيس بوتين الذي صادق على إنشاء المركز”.
وأوضح أن “الاتفاقية كانت بطلب من الرئيس السابق عمر البشير بإقامة قاعدة بحرية في ساحل البحر الأحمر في بورتسودان تحديدا، ووقعت معها حوالي 7 اتفاقيات أخرى خاصة بالتصنيع الزراعي والأمن الغذائي، هذه الاتفاقية تمخضت عن إقامة ما يعرف بالمركز اللوجستي لخدمة السودان”.
ويمضي الخبير العسكري مجذوب في حديثه بشأن التداخلات الدولية والإقليمية قائلا، “التحرك الروسي يأتي باعتبار أن هناك وجودا أمريكيا وصينيا وفرنسيا في جيبوتي، وترغب روسيا للبقاء في هذه المنطقة نظرا للتطورات الأمنية الموجودة في اليمن، ووجود تحالف عاصفة الحزم في اليمن، والوجود الإيراني في اليمن، معلوم أن إيران لها علاقات مع روسيا”.
وأضاف، “هناك أيضا ما يعرف بحرب الموانئ، كالحرب الخاصة بتقديم خدمات الموانئ للسفن تتصارع عدد من القوى الإقليمية على الساحل السوداني في محاولة لاستئجار الموانئ السودانية، مثلما تم استئجار موانئ عصب ومصوع وعدة موانئ في الصومال وجيبوتي”.
وزاد، “القيادة السودانية لم تصدر بيانا إلى الآن أو تصريحا يؤكد على هذه الأنباء أو ينفيها، ولكن المؤكد أن الاتفاقية تم توقيعها وستكون سارية المفعول ما تم التصديق عليها من الأجهزة التشريعية في روسيا وفي السودان”.
وأكد أن “السودان يستفيد حقيقة في الحصول على صفقة من الأسلحة الدفاعية وأنواع أخرى من الطائرات مثلما جاء في تصريحات رئيس الحكومة الروسية بمنح الحكومة أسلحة دفاع جوي متطورة لتأمين المركز اللوجستي وتأمين الساحل السوداني”.
ويشير إلى أن “الموقع المقترح هو على ساحل البحر الأحمر، شمال مدينة بورتسودان ويمتد حتى منطقة حلايب وشلاتين، ولكن لم يتم تحديد نقطة بعينها”.
**قطع الطريق وتوسع النفوذ
يرى الكاتب والمحلل السياسي، محمد عبد العزيز، أن “إنشاء المركز اللوجستي على سواحل البحر الأحمر بالسودان، تعتبر مناورة روسية، خاصة وأن السودان أصبح على تقارب مع الولايات المتحدة، ودول الغرب بصورة عامة، خاصة وأن البحر البحر الأحمر يعتبر ممرا استراتيجيا”.
وأوضح عبد العزيز، في حديثه لــ”اليوم التالي”، أن أي “تقارب بين روسيا والسودان في المرحلة الحالية، يشكل مصدر قلق بالنسبة لحلفاء السودان في الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي”.
وأضاف، “المركز اللوجستي الروسي على ساحل البحر الأحمر بالسودان يحتاج إلى أموال طائلة، وأن روسيا تهتم حاليا بسواحل البحر الأبيض المتوسط، لتأمين مصالحها في سوريا، وإمدادات الغاز إلى الدول الأخرى”.
**توسيع نفوذ
يقول الكاتب والمحلل السياسي، عبد الله رزق، “هناك توجه روسي لتوسيع نفوذ موسكو في إفريقيا، ويبدأ، بالمعاهدات، وصفقات السلاح، وبالتعاون العسكري وإنشاء قواعد عسكرية”.
وأضاف رزق في حديثه لــ”اليوم التالي”، “ربما كانت إفريقيا الوسطى التي سبقت السودان في هذا المجال آخر حلقة في سلسلة طويلة من البلدان الإفريقية، التي وطدت صلاتها بموسكو. وقد كانت استضافة السودان لمفاوضات سلام بين فرقاء الصراع المحتدم في إفريقيا الوسطى، بمبادرة روسية، أول إشارة للتقارب الجاري بين الخرطوم وموسكو. وقد أثارت مبادرة السلام الروسية غضب فرنسا، التي رأت في التمدد الروسي الذي شمل مستعمرتها السابقة، تحديا لها”.
وتابع، “خلال ثورة ديسمبر، شوهدت سيارات تتبع لشركة أمنية (شركة فاغنر) تراقب التظاهرات، كان ذلك مؤشرا لتعاون أمني بين الطرفين، على مستوى التدريب، على الأقل. لكن زيارة عمر البشير لموسكو، ولقائه بالرئيس الروسي بوتين، كشفت عمق توجهات السودان تجاه موسكو. فقد نقل عن البشير أنه طلب من بوتين حمايته من أمريكا ومخططاتها. من هذه الزيارة نتج الاتفاق على إنشاء قاعدة عسكرية روسية في السودان، كما رشح في أجهزة الإعلام حينئذ.
وزاد، “ربما تكون تلك هي المرة الأولى التي يستضيف أو يسمح السودان باستضافة قاعدة عسكرية، منذ مؤتمر باندونغ الذي شارك فيه السودان، قبيل استقلاله، وهو المؤتمر الذي كرس سياسة عدم الانحياز والحياد بين المعسكرين، الغربي الرأسمالي، والشرقي الشيوعي، ومناهضة قيام القواعد العسكرية والأحلاف، التي يتبناها المعسكران. وقد اعتبر هذا من الموقف من قبل بلدان العالم الثالث من مكملات الاستقلال الوطني. لذلك فإن القبول باستضافة، قواعد عسكرية، أيا كانت جنسيتها، هو خروج على أحد ثوابت السياسة السودانية. ومن شأن مثل هذه الارتباطات، التي قد تنتهك السيادة الوطنية، أن تورط السودان في نزاعات خارجية ليس له مصلحة فيها”.
ومضى قائلا، “ويلاحظ أن هذه السياسات الماسة بالاستقلال والسيادة الوطنية يتم اتخاذها، بليل، وبدون وضوح بشأن تفاصيلها، بعيدا عن مشاورة الشعب، وفي غياب مجالس نيابية تمثله، وتعبر عن إرادته”.
وفي أكتوبر 2019، أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، لدى لقائه رئيس مجلس السيادة الانتقالي عبد الفتاح البرهان، على هامش القمة الروسية ـ الإفريقية في مدينة سوتشي، دعم السودان من أجل تطبيع الوضع السياسي الداخلي.
وفي سبتمبر 2019، التقى رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، في مقر الأمم المتحدة، على هامش الدورة 74 للجمعية العامة في نيويورك.
واتفق الجانبان على مواصلة التعاون بينهما، والتنسيق في جميع القضايا ذات الاهتمام المشترك، بحسب وكالة السودان للأنباء.
وفي مايو 2019، تم تفعيل اتفاقية دخول السفن الحربية لموانئ البلدين، رغم عزل البشير، الذي بدأ انفتاحه على روسيا خلال السنوات الأخيرة من حكمه (1989-2019).
وفي 11 نوفمبر الجاري، تسلم السودان، سفينة تدريب حربية مهداة من روسيا، في إطار التعاون العسكري بين الخرطوم وموسكو.
وذكرت وكالة أنباء السودان الرسمية، أن قيادة القوات البحرية السودانية تسلمت بقاعدة بورتسودان البحرية “فلامنجو” سفينة التدريب الحربية المهداة من جمهورية روسيا الإتحادية.
وأوضحت أن “الخطوة تأتي إطار التعاون العسكري المتطور بين الخرطوم وموسكو”.

المصدر من هنا

عن مصدر الخبر

صحيفة اليوم التالي