القاهرة: صباح موسى
قام الرئيس عبد الفتاح السيسي بزيارة إلى جنوب السودان أمس (السبت)، والتي تعد الأولى من نوعها،وكان فى استقباله الرئيس سلفا كير بمطار جوبا الدولي، ، وعقد الرئيسان السيسي وسلفاكير ميارديت قمة مصرية – جنوب سودانية، تناولت مناقشة مختلف الملفات المتعلقة بالتعاون المشترك بين البلدين وسبل تعزيز العلاقات الثنائية، خاصةً على الصعيد الاقتصادي والتنموي، بما يسهم في تحقيق مصالح البلدين الشقيقين، كما تطرق الطرفان للمستجدات على الساحة الإقليمية والدولية وعلى رأسها آخر التطورات في مفاوضات سد النهضة ومنطقة القرن الأفريقي.
متعمقة ومثمرة
السيسى وصف المباحثات مع سلفا كير بأنهامتعمقة ومثمرة، مؤكداً أنها أبرزت توافر الإرادة السياسية المشتركة نحو تعزيز الشراكة الإستراتيجية المتكاملة بين البلدين في مختلف المجالات، بما يسمح بالاستغلال الأمثل لقدرات مصر لخدمة مصالح البلدين والشعبين الشقيقين. وقال السيسي، خلال المؤتمر الصحفي المشترك مع سلفاكير، إن مباحثاتهما تناولت تبادل وجهات النظر حول العديد من القضايا الإقليمية والدولية الراهنة ذات الاهتمام المشترك، لا سيما التطورات الجارية فى منطقة القرن الأفريقي وشرق أفريقيا ذات الأهمية الإستراتيجية، وكيفية العمل على احتواء تداعياتها المحتملة على المنطقة، حيث توافقا على تنسيق جهودهما المشتركة بما يحقق أمن واستقرار المنطقة، ويحافظ على مصالح شعوب الإقليم في إطار من الشفافية والمصلحة المشتركة، مضيفاً أن رؤية مصر تنطلق من أن نهر النيل يجب أن يكون مصدراً للتعاون والتنمية كشريان حياة لجميع شعوب دول حوض النيل، مؤكداً أن مصر ستظل السند الوفي لشعب جنوب السودان الحريص على مصلحته، وقال”إننا ملتزمون بتقديم كافة أوجه الدعم من خلال الآليات القائمة للتعاون بين البلدين” ، داعياً المجتمع الدولي للوفاء بتعهداته والتزاماته تجاه دولة جنوب السودان في مسيرتها نحو بناء مستقبل أفضل، و”وندعم مساعي رفع العقوبات الدولية عنها بما يسهم في دعم عملية الانتقال السياسي الجارية”، مؤكداً دعم مصر الكامل لجهود الرئيس سلفا كير ميارديت، ونائبه رياك مشار، وجميع الأطراف الجنوب سودانية من أجل تحقيق السلام في البلاد.
الجهود المصرية
من جانبه رحب سلفا كير بزيارة السيسي إلى جوبا، واصفاً إياها بالتاريخية، حيث تعد الأولى من نوعها لجنوب السودان منذ استقلاله، معرباً عن تقدير جنوب السودان لعلاقات التعاون الوثيقة مع مصر، والتي تأتي انعكاساً للإرث البشري والحضاري المتصل بين البلدين، مشيداً بالجهود المصرية المخلصة والساعية نحو المساهمة في تحقيق السلام والاستقرار في جنوب السودان، وتقديم كل سبل الدعم له وتوفير المساعدات الإنسانية، كما أكد سلفا كير وجود آفاق رحبة لتطوير التعاون بين البلدين الشقيقين في العديد من المجالات، لاسيما على الصعيد الاقتصادي، مشيداً في هذا الإطار بنشاط الشركات المصرية في جوبا ومساهمتها في جهود التنمية، ومعرباً عن تطلع بلاده إلى زيادة نشاط القطاع الخاص المصري في جنوب السودان، وحرص بلاده على توفير كافة التسهيلات والمناخ الداعم لذلك، مع التأكيد على التقدير لما تقدمه مصر من دعم فني وبرامج بناء القدرات والتدريب على مدار السنوات الماضية للكوادر من جنوب السودان في شتى المجالات المدنية والعسكرية، وما يعكسه ذلك من عمق العلاقات بين البلدين.
توقيت دقيق
تأتي زيارة السيسي الأولى إلى جوبا في توقيت دقيق تمر به منطقة القرن الأفريقي وحوض النيل، حيث تشهد أثيوبيا صراعاً عنيفاً وحرباً أهلية بين الحكومة المركزية الفيدرالية وإقليم التقراي منذ الرابع من الشهر الجاري والتي راح ضحيتها مئات القتلى والجرحى ونزوح مايقارب 40 ألف لاجئ من التيجراي إلى مدينة القضارف شرقي السودان فراراً من القتال الدامي، كما تشهد مفاوضات سد النهضة بين مصر والسودان وأثيوبيا تعثراً مستمراً، فشلت فيه الأطراف الثلاثة إلى الوصول إلى حل يرضي الجميع على مدى جلسات طويلة من التفاوض في مفاوضات مارثونية يتمسك فيها كل طرف بموقفه مما أدى إلى انسحاب السودان من الجولة الأخيرة لها، بسبب التعنت والمماطلة الأثيوبية. مايطرح سؤالاً مهماً حول توقيت زيارة السيسي لجوبا في هذا التوقيت، وهل يمكن للعلاقات الجيدة بين مصر وجنوب السودان أن يكون لها دور إيجابي في حلحلة الأوضاع في هذين الملفين المهمين في الجوار الإقليمي، وهل يمكن أن يواصل البلدان مشروع قناة جونقلي والتي بإمكانها أن تحل أزمة كبيرة لتوفير المياه يستفيد منها البلدان في مشروعات مستقبلية مستمرة؟
موقف إستراتيجي
كما تأتي زيارة السيسي لجوبا أيضاً لتأكيد مصر على موقفها الإستراتيجي الثابت والداعم لاستقرار وأمن الجنوب، وبرز دور مصر في الاهتمام بقضية جنوب السودان في 2016، من خلال قمة مجلس السلم والأمن الإفريقي، والتي ترأسها السيسي حيث ناقشت القمة تطورات الوضع في جنوب السودان، وسط تأكيداته على أهمية التوصل إلى آلية فعالة لمساعدة كافة الأطراف الجنوب سودانية على التمسك بخيار السلام ومساندتها على تنفيذ بنود اتفاق السلام وإرساء أسس الأمن والاستقرار، وإيجاد حلول عاجلة للأزمة الإنسانية في جنوب السودان، والنهوض بالوضع الاقتصادي، كما التقى السيسي سلفا كير على هامش أعمال الدورة التاسعة والستين للجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث ثمن دور مصر سواء في منطقة الشرق الأوسط أو في إفريقيا، كما أشاد بالدعم المصري لبلاده في مختلف المجالات. وفي مارس الماضي، رحب السيسي بالتوافق الذي تم بين سلفاكير و زعيم المعارضة، رياك مشار، لتشكيل حكومة الوحدة الوطنية تنفيذاً لمقررات اتفاق السلام، مؤكداً أهمية العمل من قبل كافة الأطراف المعنية للاستمرار في تنفيذ استحقاقات الاتفاق، مؤكداً عمق العلاقات التي تجمع بين البلدين، وحرص مصر على الاستمرار في تقديم مختلف صور الدعم إلى الأشقاء في جنوب السودان ودعم عملية السلام بها، كما شهدت مفاوضات السلام بين الحكومة والمعارضة الانتقالية والحركات المسلحة السودانية بجوبا تنسيقاً عالياً بين مصر وجنوب السودان، وكانت القاهرة على اتصال دائم بجوبا وأطراف عملية السلام السودانية، وقامت وفود أمنية مصرية عالية المستوى بزيارة جوبا أكثرة من مرة أثناء المفاوضات، مما ساعد كثيراً على تقريب وجهات النظر بينهم، ووقعت مصر على اتفاق السلام السوداني بين الحكومة والجبهة الثورية كضامن للاتفاق.
زيارة مهمة
الدكتور أيمن شبانة، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، يؤكد من جهته أن زيارة السيسي لجنوب السودان في هذا التوقيت مهمة. وقال شبانه لـ (اليوم التالي) إن الزيارة مهمة على المستوى الثنائي بين البلدين وعلى مستوى الصراع في جنوب السودان وأيضاً الوضع الداخلي في أثيوبيا والسودان، مضيفاً أن جنوب السودان دولة واعدة في حوض النيل ومهمة لمصر، وهي وسيط أيضاً في مفاوضات السلام بالسودان، وتمثل خطاً فاصلاً بين دول حوض النيل والقرن الأفريقي، وتابع”من المهم جداً مناقشة مفاوضات سد النهضة بعد انسحاب السودان والذي يعطي مظلة لرفع الضغط عن أثيوبيا، ويعطي فرصة لمزيد من التفاوض برعاية الاتحاد الأفريقي الذي لم يقدم شيئاً في التفاوض حتى الآن” ، موضحاً أن جنوب السودان لم توقع على اتفاقية عنتبي حتى الآن ، وقال إن جوبا تناور في هذا الموضوع لمزيد من المساعدات المصرية الكبيرة لجنوب السودان في مجالات الصحة والتعليم على وجه الخصوص، مضيفاً” أتوقع أن يتبع زيارة السيسي لجنوب السودان زيارات أخرى لبعض دول حوض النيل لمناقشة آخر التطورات في سد النهضة”. وزاد” كما أن مناقشة الصراع في أثيوبيا مهمة جداً في هذا التوقيت، على اعتبار أن استقرار الأوضاع في أثيوبيا يمثل رمانة الميزان لاستقرار منطقة القرن الأفريقي.
إهتمام إعلامي
وسائل الإعلام المصرية اهتمت بالزيارة وعرضت قناة إكسترا نيوز الإخبارية تقريراً يستعرض العلاقات القوية بين مصر وجنوب السودان، حيث يمثل جنوب السودان أهمية استثنائية لمصر، من حيث العمق الأمني والإستراتيجى، وباعتباره أرض التلاقي والتواصل العربي الأفريقي، وكذلك بما يملكه من فرص وإمكانات واعدة، وأوضح التقرير أن مصر سارعت منذ عام 2011، وفور الإعلان عن ميلاد دولة جنوب السودان، إلى الاعتراف بها رسمياً وأقامت علاقات دبلوماسية معها، وتمتلك مصر أكبر قوة ضمن قوات حفظ السلام فى جنوب السودان. فيما زار رئيس جنوب السودان، مصر 3 مرات في الأعوام: 2014 و2017 و2019، حيث تم التأكيد خلال اللقاءات مع السيسى، على تطوير العلاقات بين البلدين، وزيادة الاستثمارات المشتركة والدفع قدماً لتعزيز التعاون في جميع المجالات، والتنسيق القائم لصالح البلدين بالاستغلال الأمثل لكل الفرص المتاحة لتعزيز العلاقات بين البلدين، وذكر التقرير أنه تم توقيع مذكرات للتفاهم في مختلف المجالات الثقافية والعلمية، والاتفاق على إنشاء فرع لجامعة الإسكندرية فى جنوب السودان، وتقديم المنح الدراسية لأبناء جنوب السودان في الجامعات المصرية، وتوقيع برتوكول تعاون لإنشاء أكبر منطقة صناعية فى العاصمة جوبا، لتسهم فى زيادة حجم الصادرات المصرية وتتيح فرص عمل للشباب و تنفيذ حزمة من مشروعات تنموية في المناطق المعزولة لتوفير مياه الشرب الصالحة، بإقامة سد متعدد الأغراض، وأضاف التقرير أن مصر تسعى إلى زيادة دعم جنوب السودان من خلال المساعدات الدوائية وتدريب الطواقم الطبية فى جنوب السودان وغيرها، وتسعى إلى تطوير العلاقات من أجل التنمية ودعم السلام والاستقرار بين دولتى السودان.
المصدر من هنا