الخرطوم- بهرام عبد المنعم
قالت صحيفة “نيويورك تايمز”، إن رئيس المجلس السيادي بالسودان، عبد الفتاح البرهان، أبلغ وزير الخارجية الأمريكي بأن العلاقة مع إسرائيل لن تتطور مالم يجز الكونغرس قانون الحصانة السيادية.
وأعلن مجلس السيادة السوداني، الاثنين الماضي، أن البرهان تلقى اتصالاً هاتفياً من وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، وناقشا سوياً ترتيبات رفع السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب والحرب في إثيوبيا .
ووقع الرئيس الأميركي؛ المنتهية ولايته دونالد ترمب في 26 أكتوبر الماضي؛ على قرار رفع السودان من القائمة السوداء وأخبر الكونغرس بذلك؛ على أن يكون القرار نافذاً بحلول 11 ديسمبر الجاري.
وجاء قرار ترمب الحاسم بعد موافقة الخرطوم على تطبيع العلاقات مع إسرائيل، برغم تأكيدات الخرطوم على أن المسارين منفصلين.
وضغطت واشنطن على الخرطوم لتعلن التطبيع مع تل أبيب، حيث قاد مايك بومبيو، اتصالات مكثفة بالبرهان، ورئيس الوزراء، عبد الله حمدوك، لتذليل الخطوات أمام هذا التقارب الذي أنتج الأسبوع الماضي زيارة وفد عسكري إسرائيلي للخرطوم، وذلك برغم تأكيدات حكومية بأن تخطيط هذه الزيارة تم بعيداً عن مجلس الوزراء الذي يديره المدنيون في السلطة.
وبعد إكمال السودان الإيفاء بتعويضات ضحايا التفجيرات التي طالت سفارتي الولايات المتحدة في نيروبي ودار السلام خلال العام 1998، يفترض أن يصدر الكونغرس قانوناً يتمتع السودان بمقتضاه بالحصانة من المقاضاة بدعوى الإرهاب.
وأوردت صحيفة “نيويورك تايمز” الثلاثاء الماضي، أن البرهان نقل إلى بومبيو أن “العلاقات مع إسرائيل لن تتطور قبل تمرير قانون الحصانة السيادية في الكونغرس”.
ووفقاً للصحيفة؛ فإن وزير الخارجية الأميركي وعد بتمريره خلال الأسابيع المقبلة.
وأشارت كذلك إلى أن البيت الأبيض يخطط لإقامة حفل توقيع رسمي للتفاهمات بين السودان وإسرائيل خلال ديسمبر الجاري.
وفي 23 سبتمبر الماضي، قال البرهان، إن مباحثاته مع المسؤولين الأمريكيين في الإمارات، التي استمرت 3 أيام، تناولت قضايا عدة، بينها السلام العربي مع إسرائيل.
وناقشت مباحثات أبو ظبي ناقشت القضايا ذات الاهتمام المشترك، بينها رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، والقيود الأخرى التي تفرضها الولايات المتحدة على السودانيين.
يأتي ذلك، رغم نفي وزير الإعلام؛ المتحدث باسم الحكومة الانتقالية، فيصل محمد صالح، مناقشة الوفد الذي كان يزور الإمارات قضية التطبيع مع إسرائيل.
وأعلنت قوى سياسية في السودان، رفضها القاطع للتطبيع، في خضم حديث عن تطبيع محتمل، بعد توقيع الإمارات والبحرين اتفاقيتي سلام في 15 سبتمبر الماضي، لتنضم إلى الأردن (1994)، ومصر (1979).
ويجد التطبيع مع إسرائيل معارضة من قوى عديدة على رأسها حزب الأمة القومي، والحزب الشيوعي، والناصري، والتيارات التي تناصر القومية العربية، كما ترفضه أحزاب محسوبة على التيار الإسلامي يتقدمها المؤتمر الوطني والشعبي، وجماعة أنصار السنة.
وأصدر مجمع الفقه الإسلامي فتوى رسمية بعدم جواز التطبيع مع اسرائيل في كل المجالات.
وتداولت وسائل التواصل الاجتماعي على نطاق واسع مؤخراً مقطع فيديو يظهر فيه عضو مجلس السيادة السوداني، محمد حمدان دقلو “حميدتي” خلال مناسبة اجتماعية وهو يخاطب الحضور قائلا: “كل شيوخكم قالوا نطبع مع إسرائيل”.
لكن قوى سياسية سودانية أخرى؛ أعلنت تأييدها الصريح للتطبيع مع إسرائيل ودعت رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان، إلى قبول العرض الأميركي بالتطبيع، مقابل رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب.
وعقد قادة حزب الأمة وحركة “تحرير السودان ـ الثورة الثانية” بقيادة أبو القاسم إمام، وجبهة الشرق مؤتمراً صحفياً مشتركاً في الخرطوم أعلنت فيه موقفها من التطبيع مع إسرائيل.
وقال رئيس الوزراء عبد الله حمدوك – في تصريحات الأسابيع الماضية – إن التقارب مع إسرائيل يحتاج الى حوار مجتمعي متعمق، كما أعلنت حكومته رسمياً أن قرار التطبيع مع تل أبيب يقع خارج تفويض الحكومة الانتقالية.
وأفاد حمدوك بأنه أخطر وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو بعدم الربط بين رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب وبين التطبيع مع إسرائيل.
ولعل وضع الإدارة الأمريكية التطبيع مع إسرائيل ورفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب في سلة واحدة، هو ما عجل بتوجه الحكومة الانتقالية لطي هذا الملف، رغم تعقيداته الشائكة، بحسب مراقبين.
ووسط صمت حكومة السودان، خرجت تسريبات عن طلبها دفع 7 مليارات دولار، حتى تمضي في طريق التطبيع إلى نهايته، ما اعتبره مراقبون، مناورة حتى لا تثير سخطاً شعبياً، وتدفع بموضوع الأموال لكسب مؤيدين للخطوة داخلياً.
وطبقاً لتقارير إعلامية؛ فإن الجانبين السوداني والأمريكي في اجتماعات مشتركة بأبوظبي، إلى اتفاق يتحصل بموجبه السودان على مبلغ 7 مليارات دولار.
وبموجب الاتفاق سيتسلم السودان 3 مليارات دولار نقداً، و4 مليارات كمساعدات عينية ولوجستية، فضلاً عن تسهيل حصول السودان على قروض ومنح من صندوق النقد والمانحين.
فالسودان يعاني من أزمة اقتصادية طاحنة، تتمثل في انعدام الوقود والقمح وقطع الكهرباء، والارتفاع الجنوني للأسعار، ووصول سعر الدولار إلى أكثر من 250 جنيهًا، مقابل 55 جنيهاً كسعر رسمي.
إضافة إلى ذلك، فعملية السلام بالسودان مكلفة للغاية، باعتبار أن البلاد بحاجة لدعم أكبر لتحمل عودة النازحين، وإعمار المناطق التي دمرها الصراع بجنوب كردفان والنيل الأزرق ودارفور، وتكلفة دمج قوات الحركات المسلحة في الجيش الحكومي.
كما برز حديث عن محاولات أمريكية لإقناع السودان بقبول توطين فلسطينيين على أراضيه.
بالنسبة إلى عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، بسام الصالحي، فإن “مصادر خاصة (لم يسمها) أطلعته على أن حوارات التطبيع مع السودان، التي تعكف عليها واشنطن وإسرائيل، تتضمن استعداد السودان لتوطين اللاجئين على أرضه، في إطار مخطط صفقة القرن.
ووصف الصالحي في تصريحات صحفية سابقة الخطوة بأنها “جزء من المؤامرة ضد القضية الفلسطينية، وأن الأمر لن يتوقف على تطبيع العلاقات فقط”.
ودعا المسؤول الفلسطيني، السودان إلى رفض الانجرار خلف المخططات الأمريكية الإسرائيلية، حفاظاً على مصالحه ومستقبله.
وعادة ما كان يطرح توطين اللاجئين الفلسطينيين في بلاد مجاورة خاصة مصر؛ غير أن الأخيرة نفت بشدة ذلك، مؤكدة عدم قبولها تماماً أو الحديث حوله، فيما يعد طرح اسم السودان لقبول التوطين، وفق تصريحات الصالحي الأول من نوعه.
ويظل السؤال المطروح بقوة، ماذا ستجني الخرطوم من التطبيع مع إسرائيل، في ظل الأزمات الطاحنة التي تعاني منها، وآمال الشعب المعلقة على الحكومة الانتقالية، إضافة إلى تحديات المرحلة؟ .
والفائدة الوحيدة التي يمكن أن تحصل عليها الخرطوم، من المفاوضات الجارية حالياً مع الجانب الأمريكي، وقبول السودان للتطبيع مع إسرائيل، هي الحصول على تمويل دولي في الفترة المقبلة.
لكن حتى هذه الفائدة يمكن أن تتم بدون المضي في التطبيع إلى نهايته، باعتبار أن إزالة اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب كفيل بإخراج البلد من عزلته الدولية، وحصوله على التمويل الدولي أيضا.
فالأموال التي طلبها السودان قد تساهم في حل أزمته جزئياً، في حال تم استخدامها بشكل صحيح في تنمية القطاع الزراعي والصناعي، وهو ما تواجهه تحديات بسبب سوء الإدارة والفساد.
وإلى حين انعقاد المفاوضات التكميلية بين السودان وأمريكا، بحسب بيان مجلس السيادة، المقررة الأسبوع المقبل في إحدى الدول الإفريقية، يظل هذا الملف قابلاً للتغيرات .
فالتطبيع ومطالب السودان المالية، وحذف اسمه من قائمة الدول الراعية للإرهاب، رهن بقدرة المفاوضين السودانيين على تحقيق نقاط على حساب رغبات واشنطن، التي يربطها الكثيرون بانتخابات الرئاسة الأمريكية المقبلة.
ورفعت إدارة الرئيس دونالد ترامب، في 6 أكتوبر 2017، عقوبات اقتصادية وحظراً تجارياً كان مفروضاً على السودان منذ 1997.
لكن واشنطن لم ترفع اسم السودان من قائمة “الدول الراعية للإرهاب” المدرج منذ عام 1993، إثر استضافة الأخيرة الزعيم السابق لتنظيم القاعدة أسامة بن لادن.
المصدر من هنا