القاهرة : صباح موسى
دشن الدكتور غازي صلاح الدين زعيم حركة الإصلاح الآن أمس الأول (السبت) كتابه الجديد بعنوان (الإصلاح السياسي تجربة سودانية)، وذلك عبر برنامج زوم بمشاركة الدكتور حسن مكي وسناء حمد والدكتور علي عبد الرحيم علي والدكتور محمد الدعاك والدكتورة هويدا عتباني، وتقديم الطاهر حسن التوم، وجاء الكتاب في 548 صفحة مقسما إلى 13 فصلا، وحمل بين طياته مسيرة الحركة الإسلامية وصعودها، واستجلاء الشخصية السودانية وثقافتها السياسية وانفعالاتها وكيفية استجابتها والحوار الوطني، في عدد من المقالات المتنوعة على مدى ثلاثين عاما هي عمر حكم الحركة الإسلامية للبلاد، مافرض تساؤلات مهمة حول نزول مثل هذا الكتاب في هذا التوقيت، وإمكانية اعتباره مرجعا ومراجعة للتجربة الإسلامية في الحكم، بتقييم التجربة لأحد أهم أبرز رموزها متمثلة في الدكتور غازي بما لها وما عليها كأحد صانعي التجربة والذي أثر في صناعة القرار فيها، مع إمكانية استشرافها لمستقبل جديد على طريق الإصلاح السياسي في السودان، ومدى تقبل الداخل السوداني لهذه المراجعة وهذه الأطروحة والاستفادة منها في الهداية لتجربة جديدة قد تكون ملهمة على طريق الإصلاح السياسي للبلاد.
رؤية الكتاب
وسجل الدكتور غازي رؤيته حيال الحركة الإسلامية في الكتاب على مدى ثلاثين عاماً، حيث تنوعت الكتابات في محتوى الكتاب الذي أخذ جانبا من مواجهة الغرب وبدايتها في عامي 1990 و 1991م وتوافقها مع أحداث الغزو العراقي الكويتي وانهيار الإتحاد السوفيتي، والذي أكد فيها الكاتب أن الموقف الحقيقي للقيادة السياسية لم يكن متشدداً ولم يكن متزمتاً كما يشيع بل ارتكز على التصالح والحوار، لافتا إلى أن من أهم القضايا هي التعاطي مع الغرب، موضحا أن السودان اتهم بأنه غير واع في التسعينات في غزو العراق والكويت، وأن انحياز السودان في هذه القضية كلفه الكثير، وقال إن الغرب هو الذي أدلج الصراع معه، وهو الذي أصر على الملاحقة ولم يرد على الحوار، مرجعا هذه الأدلجة إلى التيار المحافظ في الغرب والذي كانت رغبته في التعالي وعدم إجراء حوار، مشيراً إلى ما تميزت به التيارات الإسلامية في الربيع العربي، كما تطرق إلى صعود وهبوط الحركات الإسلامية مابعد الربيع العربي، وقال غازي عن الكتاب إنه مجموعة كبيرة من المادة السياسية الفكرية، والتي كنت جزءا من الأحداث فيها، وكنت مؤثرا فيها وقريبا من صناعة الحدث، مستعرضا كيفية الاستفادة من هذه المادة بتسليط الضوء على الإيجابات والسلبيات لصعود الإسلاميين، وكذلك الإحياء بتشخيص دقيق بعد الانشقاق في 2004 بتعريف المشكلة، وهل هنالك أمل لروح جديدة وإحياء جديد بالحديث الجدي عن الإحياء آنذاك، وهل كان ملهما، مضيفا أنه يمكن ليس فقط أن ننتظر هذه التحولات خاصة أن الساحة الآن تعاني من أغرب تجربة سياسية مرت على السودان، خاصة وأن هذه التحربة لا تسير على هدى واحد، وليست لها مقاصد يتفق عليها.
كتاب مهم
وفي معرض تعليقها على الكتاب قالت سناء حمد إن الكتاب مهم لكاتب مهم في تجربة ثرة بالأحداث في كثير من التحولات محلية وإقليمية ودولية، مضيفة أن أهم مافيه أنه لم يكن موغلا في المحلية، بل ربط بين التحولات الخارجية وتأثيرها على السودان بانطلاقها من المفهوم الفكري للكاتب وإيمانه بقضيته في الإصلاح والتجديد والإحياء والتطوير واستشراف المستقبل، وتابعت أنه كتاب فكري سياسي مهم، وأنه عبر عن شخصية المثقف المفكر، ووثق لحقبة الإنقاذ بطريقة مهمة من منصة مشارك في الحدث ثم المعارضة له، وكذلك التأسيس الفكري لتجربة الإنقاذ من وجهة نظر المفكر والمثقف والسياسي، وزادت بأنه تحدث أيضا عن مستقبل السياسة في السودان وضرورة تكوين أحزاب سياسية جديدة وإعادة إصلاح النظام السياسي في البلاد ككل ونقده لتجربة الدولة السودانية، وأنه لم تكن الصورة واضحة لدى السودان، فالدولة محتاجة لأفكار جديدة ولأحزاب جديدة وأطروحات جديدة، كانت مستشرفا للمستقبل وتنبأ لعدد من الأحداث الآن لكاتب قضية الإصلاح مهمة له، وتابعت أن الكتاب تناول كذلك أداء الحركة الإسلامية للدولة، ورأى أن الخلافات حررت الخلاف، وساهمت في تطورها، وجعلتها ككيان وكأفراد متقدمة في أطروحاتها وقابلة في التطور وقابلة للمراجعة الداخلية، مؤكدة أنه مليء بروح التفاؤل للمستقبل والسودانيين بكافة توجهاتهم، بأن لديهم إمكانية لإعادة نظام سياسي واعد لدولة قائمة على الحريات وتعتمد على مواردها وتؤثر على الإقليم، كما أكدت أنه كتاب مهم للغاية، وأن أهميته ترجع لأنه يأتي بقلم صانع للأحداث ومشارك أصيل في صناعتها.
تنوع الموضوعات
وقدم الدكتور علي عبدالرحيم علي مداخلة تحدث خلالها عن خصائص الكاتب، وأنه صاحب فكرة وقدرته علي التعبير بأسلوب جاذب وهو صانع الأحداث، وخصائص الكتاب وتنوعه في المواضيع، في مقالات صلاحياتها مستمرة، وأن هذا دليل على أن الأمور في السودان لم تتقدم، وأهميته أنه لكاتب من صناع الأحداث، وهي ناحية إيجابية بعيدة عن موضوع المحللين، مشيرا إلى التنوع الكبير في الموضوعات التي تناولها الكتاب عن الصحافة والسياسة والثقافة والشعر ليجعل جمهوره واسعا جدا، وقال إن غازي كان عنده انتباه لدور الحركات الإسلامية في المستقبل وخارج المشروع المعتاد وإسهامها في الحضارة الإنسانية، وهل لها مستقبل محليا وإقليميا ودوليا، مضيفا ينبغي أن يلتفت الإسلاميين لذلك بعدم الاستخفاف والدور الذي يمكن أن يقدموه في النهضة والحضارة الإنسانية، مؤكد أن الإسلاميين في السودان تهيأت لهم فرصة لم تمنح لغيرهم بثروة إنسانية ضخمة صرفت في مشروع خطأ وهو مشروع الدولة، وأنها مع ذلك خسرت، لافتا إلى أنها خسارة ربما لا تكون نهائية، متسائلا هل سمحت الفرصة للإسهام من جديد رغم أن الاستقطاب الموجود الآن والذي يجعل ذلك صعبا.
التنظيم والمؤسسية
ورأى الدكتور حسن مكي أن الكتاب يقدم رؤية للعمل السياسي في السودان، متسائلا في الوقت نفسه فكيف يراد للسودان أن يحكم، وقال إن مشكلة الحركات الإسلامية أنها اعتمدت على التنظيم لا المؤسسة، وأن كلها تعمل بالطاعة العمياء، بينما تفتقد للمؤسسية على عكس الغرب، مضيفا نريد الإجابة حول كيف يحكم السودان، وأن تجدد الحركات الإسلامية للحكم بالمؤسسية وألا تكون عبئا ورصيدا للآخر، مؤكدا أن الكتاب مساهمة لاستفزاز الآخرين للحديث أكثر، وقال يحمد لغازي أنه كان يمد بصره للحديث خارج الحركة الإسلامية. كما قدم الدكتور محمد الدعاك مداخلة تحدث خلالها عن أن الكتاب جمع حصالة فكرية مهمة جداً أنها تضع بين دفتي كتاب للأجيال، وأشار أن هذا الكتاب الذي أخرجه الدكتور غازي صلاح الدين وهو نفسه يمثل تجربه معرفة استثنائية بكل المقاييس.
صدفة حسنة
وفي رده على التعليقات أكد غازيرأن أهمية الكتاب بخروجه من شخص ساهم في التجربة، وأن هذا يعطيه ثقلا نوعيا، وقال إن توقيت نزول الكتاب مجرد صدفة، ولكنها صدفة حسنة، مضيفا لابد أن نصنع هذا القصد من التوقيت، ولابد أن تبعث روحا جديدة حتى يخرج الكتاب من فكرة القصة يحض ويحث ويشجع من خلال جماعة وليس فرد، مضيفا لابد من البحث عن شكل جديد، من الاجتهاد فلدينا القدرة على الاجتهاد والخبرة والتاريخ ولدينا تعديلات، وتابع ليس لدينا مشكلة حلول فالإصلاح السياسي له أسس يمكن الانطلاق منها فهو مدلول ومتاح وهناك دول استطاعت الإصلاح السياسي، وهنالك نماذج في الإصلاح فلا نتحدث عن مبهم، مؤكدا أن القضية تبقى في الإرادة السياسية، وقال إن وصفة الإصلاح معروفة ومجربة، ولكن للأسف نحن نتقهقر في الإرادة السياسية، مضيفا أن الإرادة السياسية في عهد الإنقاذ كانت قطعا أقدر وأنجح مما هو معروض الآن، إذا اعتبرنا أن هناك شيئا معروضا الآن، فلا يوجد شيء، ولا توجد أطروحة، لافتا إلى أنه رغم الاختلافات الداخلية للإنقاذ لكنها ككتلة كانت متوجهة نحو أهداف متفق عليها، وقال أما الآن نتعامل مع وجود سياسي لا يوجد رابطة بينهم، وكل واحد يغني على ليلاه بطريقته، وبالتالي المجتمع السياسي السوداني لا يستفيد من ذلك شيئا، مؤكدا أنه لا يوجد مشروع حقيقي للنهضة بالبلاد الآن، قال إن هذا يلقى علينا بثقل إضافي، وإن الذي يقف بين مشروع جديد هو الإرادة السياسية لابد من تحريرها وتحرير الدافع ، وقال إن المثقفين فشلوا في كل التجارب، ونحن في ظل نظام جاء لدعوة عريضة للإصلاح والاستبدال، لكنه يفشل في كل لحظة يخطوا فيها للأمام، متسائلا هل يمكن أن نعول على نظام كهذا لعرض أطروحة جديدة مؤكدا قطعا لا، وقال فماهي الخطة، لذلك لاينبغي أن تكون لشخص واحد لابد أن تكون لجماعة، الشخص يمكن أن يكون مؤثرا وملهما وموحيا للأخرين بمسلكه ومنهجه، ولكنها تحتاج إلى جماعة، لننطلق في شارع وطريق جديد، مؤكدا أن الحركات السياسية سواء إسلامية أوغيرها تعاني من ضمور كبير في العزيمة، وأنه لا يوجد شيء يلهمها للأمام، وأن التجربة الآن استثنائية في هذه الفترة من التراجع، وقال وبالتالي لابد من مشروع، وأعتقد أن التيار الإسلامي يجب أن يكون توحيديا وطنيا وليس منغلقا في ذاته وقوقعته، وهذه مسألة من المهم جدا أن نقدم فيها أطروحة جديدة، مضيفا نريد أحزابا سياسية تقدم لنا كيف يحكم السودان بإجابة نموذجية مختصرة يمكن أن نقدم من خلالها أطروحة جديدة، ينبغي أن ينفعل بها الساسة في الحكم، وأشك أن يسمعوا له لتقديم بدائل للذي نراه الآن من ممارسة عرجاء وتقديم بدائل لدولة القانون الذي ننشده والذي هو غير موجود، وزاد أن الذي خرجوا للشوارع كان هذا هو مقصدهم ولكن عكسه هو الذي يحدث من اعتقال الناس بدون سبب وسوء معاملتهم في السجون مما يؤدي لقتلهم، وكذلك الإقصاء السياسي والاجتماعي الذي ظهر الآن كما لم يظهر في تاريخ السودان مطلقا، لابد أن يكون لدينا صوت واحد عسى أن يتجمع مثقفون لديهم الشجاعة والقدرة على أن يقولوا ذلك، وقال نرى ونعاصر أكبر فترة راج فيها النفاق السياسي على مستوى الداخل والخارج، فالدول التي كان لها نقد تسكت سكوتا مخزيا الآن، مختتما حديثه بأن الكتاب مقدم للسودانيين جميعا وليس للإسلاميين وحدهم حتى نستطيع أن نغير الواقع.
السلام مطلوب
وفي معرض رده على عدد من الأسئلة قال غازي لاشك أن السلام هو أفضل شيء يقودنا للأرض الواسعة، في التاريخ يلاحظ أن اتفاقيات السلام تصنع حربا جديدة، إذا أثارت الاستقطاب والحديث عن التهميش الذي أصبح ثقافة معوقة، مؤكدا أن السلام العادل الذي يتفق عليه الناس جميعا مطلوب، مشيرا أن اتفاقية جوبا تتعرض لنقد كبير من مجموعات سياسية مهمة، وأن هناك مجموعات لم تقل شيئا فيها، وقال لكن هذا نفسه له دلالات معناها أن لديها تحفظات، مضيفا لست منحازا لأي صيغة معينة في السلام، لكن أعتقد أن الاتفاقية التي وقعت في جوبا ليس هنالك إجماع حولها، وينبغي أن نبحث عن إجماع، وتابع أن المشكلة أن العقلية الحاكمة الآن هي عقلية إقصائية وانتقائية فيما يتعلق بأطروحات السلام المقدمة، وقال مما أتابعه وأراه من منطلق تجربتي من قبل في السلام في الجنوب ودارفور، لا أعتقد أن ذلك هو المطلوب الذي سيحقق لنا سلاما ورفاهية، مضيفا أن المحطة التي وقفنا فيها قبل فترة نتوقع أن يصدر الكونجرس قرارا بحصانة الحكومة السودانية من أي تعويضات أخرى، مؤكدا أن هذه الوصفة تجعل العنصر الداخلي يتسيد الموقف الآن لم تعد القضية علاقات داخلية للمجتمع الأمريكي والمحكوم بديمقراطية معينة، وأن النواب لهم ثقل خاص، وقال إن قضية حرمان ضحايا 11 سبتمبر من أي تعويض ستكون دافعا قويا للاعتراض على التوقيع النهائي على رفع العقوبات عن السودان، معربا عن أمله في أن ترفع العقوبات عن السودان في أسرع فرصة، وقال لكن احتمال أن تدخل إلى دائرة التسويفات والمماحكات والتأويلات وهكذا وارد جدا لأننا نعيش مثل هذه القضية منذ سنوات طويلة، ولم ننقطع من هذا الأسلوب الذي يغير قوائم المرمى كلما غير اللاعبون مواقعهم، مضيفا الراجح عندي أن هذه القضية ستسمر لفترة ما قبل أن تنجلي بصورة نهائية.
المصدر من هنا