قبيل خواتيم العام الماضي 2020 وتحديداً في العشرين من شهر سبتمبر، وقّعت كل من الإمارات والبحرين، اتفاقين للتطبيع مع إسرائيل، في مراسم ترأسها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بحديقة البيت الأبيض. وجاء نص وثيقة أو إعلان: “اتفاق إبراهام” بين إسرائيل والإمارات والبحرين هو الترحيب بحفاوة بالتقدم المحرز بإقامة علاقات دبلوماسية بين إسرائيل وجيرانها بالمنطقة بموجب مبادئ اتفاق “إبراهام”. وسعي الأطراف لإنهاء التطرف والصراع لتوفير مستقبل أفضل للجميع . بجانب التأكيد على سعيهم لتحقيق رؤية للسلام والأمن والازدهار في الشرق الأوسط والعالم. وانضم السودان لكل من الإمارات والبحرين بتوقيعه اتفاقين للتطبيع مع إسرائيل، في ذات التوقيع عقد مع وزارة الخزانة الأمريكية اتفاقية جسرية تمكنه من سداد متاخراته مع البنك الدولي بما يتيح له الحصول على مليار دولار سنويا في شكل مساعدات اقتصادية وذلك في أول زيارة رسمية لوزير خزانة أمريكي للسودان.
*ترتيبات مسبقة*
نالت الزيارة أهمية قصوى داخلياً وخارجياً بوصول وزير الخزانة الأمريكية ستيفن منوشن إلى الخرطوم وسط حفاوة كبيرة من مستقبليه، فيما ألمحت جهات ودوائر كثيرة أن الزيارة تعد الخاتمة لمشوار الرجل مع عهد الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته دونالد ترامب. الزيارة أعدت لها الأطراف المشتركة في الخرطوم وواشنطن ترتيبات مسبقة قبل نهاية العام المنصرم خاصة فيما يتعلق بترتيب الأجندة والملفات التي سيتم بحثها خلال الزيارة. ووقع استيفن منوشن ووزيرة المالية د. هبة محمود اتفاقيتي القرض التجسيري المقدم من الولايات المتحدة الأمريكية والتطبيع مع إسرائيل المعروفة باتفاقيات “إبراهام”. وتنص الاتفاقية الأولى بسداد الولايات المتحدة متأخرات السودان للبنك الدولي عبر قرض مالي مما يمكن من الوصول لتمويل يصل إلى مليار دولار ونصف المليار سنوياً، وضمن زيارة وزير الخزانة الأمريكي استيفن منوشين وقع مع وزير العدل إعلان اتفاقيات إبراهام المفضية إلى التطبيع مع إسرائيل وتنص على التعايش بين الأديان والشعوب في الشرق الأوسط بين المسلمين وإسرائيل.
*دعم الانتقال الديمقراطي*
وكان رئيس الوزراء د. عبد الله حمدوك، قد التقى وزير الخزانة الأمريكي ستيفن منوشن الذي وصل البلاد في زيارة تستغرق يوماً واحداً ضمن جولة تشمل العديد من دول الشرق الأوسط وذلك بحضور وزراء مجلس الوزراء السفير عمر مانيس والمالية والتخطيط الاقتصادي دكتورة هبة محمد علي والري والموارد المائية ياسر عباس والخارجية دكتور عمر قمر الدين والعدل دكتور نصر الدين عبد الباري، ومن الجانب الأمريكي مستشار وزارة الخزانة الأمريكية ومستشار الأمن القومي ومدير إدارة الخليج وشمال أفريقيا والقنصل المقيم. وقال السفير عمر مانيس فى تصريح، إن الزيارة تعتبر أول زيارة لوزير خزانة أمريكي للسودان، مضيفاً أنها بحثت العلاقات بين البلدين. وأوضح أن رئيس الوزراء عبد الله حمدوك شكر جهود الإدارة الأمريكية التي أفضت إلى رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب وإعادة الحصانة السيادية للسودان ودعم عملية الانتقال الديمقراطي وخلق استقرار اقتصادي في السودان. وأبان أن اللقاء تناول ملفات العلاقات الثنائية المتحركة في مختلف مجالات الاقتصاد والتجارة والاستثمار وغيرها، قائلاً إن الزيارة مؤشر قوي لانطلاق البلدين لعلاقات متطورة في المستقبل القريب.
*استراتيجية العلاقات*
وأكد الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان عبد الرحمن رئيس مجلس السيادة، حرص السودان على تطوير علاقات استراتيجية مع الولايات المتحدة الأمريكية في كافة المجالات وخاصة في المجالات الاقتصادية خلال لقائه بوزير الخزانة الأمريكي ستيفن منوشين والوفد المرافق له، معلناً ترحيبه بزيارة الوفد للسودان والتي تعتبر الأولى من نوعها.
وأطلع البرهان وفد الخزانة الأمريكية على موقف البلاد من التوترات الحدودية مع الجارة أثيوبيا، وأضاف أن ما قامت به القوات المسلحة السودانية يعد إعادة انتشار داخل الحدود، مؤكداً حرص السودان على معالجة الخلافات بالتفاوض والحوار. من جانبه أكد وفد الخزانة الأمريكية برئاسة الوزير ستيفن مونشين، حرص بلادهم على تطوير العلاقات الثنائية وتعزيز التعاون المشترك خاصة في المجالات الاقتصادية.
*تجاوز تحديات*
وعبر الوفد عن تقديره لحسن قيادة رئيس مجلس السيادة للبلاد وللفترة الانتقالية مناصفة مع مجلس الوزراء لتجاوز التحديات التي تواجه السودان. وأشاد وفد الخزانة الأمريكية بالجهود التي بُذلت وتُوّجت بالتوقيع على اتفاق جوبا لسلام السودان، ووعد بالمساعدة في تنفيذ بنود اتفاقية السلام، وأكد الوفد حرصه على إلحاق الحركات غير الموقعة على الاتفاق، بعملية السلام وأكد الوفد خلال اللقاء حرص الولايات المتحدة الأمريكية على توصل السودان ومصر وأثيوبيا إلى اتفاق فيما يلي ملء سد النهضة وتشغيله.
*نقطة تحول*
من جانبه، قال الخبير الاقتصادي د. محمد الناير لـ(أول النهار) ، إن الزيارة تعتبر نقطة تحول كبيرة بالنسبة للاقتصاد السوداني خاصة بعد حظر اقتصادي دام أكثر من سبعة وعشرين عامًا، تم بعدها رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب خاصة وأن وزارة الخزانة الأمريكية هي التي تفرض قرارات الحظر ورفع الحظر ومخاطبة المؤسسات الدولية ويتبع لها مكتب مراقبة الأصول الأجنبية، لذلك تشكل زيارة وزير الخزانة الأمريكية أهمية كبيرة، وأيضًا الزيارة التي تتم لرئيسة بنك الاستيراد والتصدير الأمريكي تؤدي إلى تحول كبير جداً في العلاقات الاقتصادية الأمريكية السودانية بصورة عامة، هذه الزيارة تم التوقيع فيها على القرض التجسيري والقصد منه إيداع مبلغ مليار دولار في حساب السودان لدى البنك الدولي، قد لا يستطيع السودان أن يسحب هذا المبلغ، ولكن بغرض تنشيط حساب السودان الذي ظل ساكناً منذ مدة طويلة لعدم قدرة السودان للتعامل مع المؤسسات الدولية وصندوق النقد والبنك الدوليين حتى يتمكن السودان من جدولة مديونيته والاستفادة من القروض التي يمكن للسودان الاستفادة منها في الفترة القادمة، لافتًا إلى فتح الطريق أمام المصارف السودانية وانسياب التحويلات المصرفية خاصة فيما يتعلق باستلام حصيلة الصادر التي كان يعاني منها، والأمر الذي أثر سلباً على الصادرات بجانب تعقيدات كبيرة أخرى، وقال: الآن يمكن الاستيراد مباشرة من دول المنشأ من أمريكا أو أوروبا وتحويل الأموال مباشرة لكافة السلع الضرورية بجانب إتاحة الفرص وسهولة تحويل الأموال للخارج سواء للطلاب أو العلاج، مشدداً على أهمية تجهيز القطاع المصرفي والاستعداد لهذه المرحلة، وقال إن الزيارة تفتح الباب أمام البلاد لأعفاء الديون الخارجية البالغة أكثر من ٦٠ مليار دولار، علمًا بأن أصل الدين فقط ١٧ ملياراً، و٤٣ مليار دولار هي فوائد وجزاءات خدمة الديون التي تشكل عبئاً كبيراً جدًا على الاقتصاد السوداني، مبيناً أن الزيارة ستفتح الباب أمام الاستثمارات الأوربية والعربية، مشيراً إلى المصالحة العربية بين المملكة العربية السعودية ودولة قطر، وقال إنها تصب في مصلحة السودان الاقتصادية بصورة خاصة، والإقليمية بصفة عامة، وتدفق الاستثمارات العربية والخليجية والتبادل التجاري، وأعرب عن أمله أن توظف حكومة الفترة الانتقالية هذا المناخ الإيجابي لمصلحة السودان، وانتقد سياسات الحكومة تجاه موازنة ٢٠٢١م التي لا تصب في مصلحة المواطن، ولا تشعره بأن هناك تحسناً قادماً مشددًا على أهمية تغيير السياسات واتخاذ سياسات تخفف العبء على المواطن بدلًا من إرهاقه وزيادة الأعباء عليه.
*أهمية اقتصادية*
وتأتي أهمية زيارة وزير الخزانة الأمريكية للسودان بحسب مراقبين للشأن الاقتصادي أن وزارة الخزانة الأمريكية هي الجهة الرئيسة لتنفيذ وتطبيق العقوبات، كما ان الزيارة فاتحة خير كبيرة للبلاد. وبحسب التوقعات انها فرصة أمام الحكومة وعليها اغتنامها بأن تحول الزيارة لبرنامج عمل، لأن كل الإجراءات التي تمت في الفترة الماضية كانت قرارات، والزيارة هي البداية الفعلية.
*خطوة تاريخية*
وبحسب بيان صادر عن مكتب رئيس الوزراء عقب لقاء حمدوك الوزير الأميركي أن السودان وقّع إعلان «اتفاقات إبراهام»، وتنص على ترسيخ معاني التسامح والحوار والتعايش بين مختلف الشعوب والأديان بمنطقة الشرق الأوسط والعالم، التي هي أفضل الطرق للوصول إلى سلام مستدام بالمنطقة والعالم من خلال التعاون المشترك والحوار بين الدول، ووصفت الحكومة السودانية توقيع الاتفاقات مع الخزانة الأميركية، التي أعقبت إزالة السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، بأنها خطوة تاريخية ومهمة، تساعدها في الحصول على التمويل من المؤسسات المالية الدولية، وإعفاء ديون السودان الخارجية التي تجاوزت 60 مليار دولار.
*احترام متبادل*
وقال وزير العدل نصر الدين عبد الباري، عقب توقيعه اتفاقات إبراهام، إن الاتفاقات التي تم توقيعها هي الاتفاقات الإبراهيمية، وهي عبارة عن مبادرة مقدمة من الولايات المتحدة الأميركية ودول أخرى، في المنطقة من أجل تعزيز السلام والتسامح والاحترام بين شعوب المنطقة.
وأوضح أن الطرفين السوداني والأميركي عبّرا عن نية مشتركة لتعزيز الاحترام المتبادل بين أصحاب الديانات الإبراهيمية، وأنها خطوة مهمة تؤكد أن السودان يؤمن بأن السلام يعزز التقارب والمصالح بين الناس، وأن بناء العلاقات بين الشعوب وأصحاب الديانات الإبراهيمية والثقافات الموجودة في المنطقة ضمان أساسي لبناء علاقات دبلوماسية بين كل شعوب المنطقة، ولضمان مستقبل أفضل للأجيال القادمة.
*ترحيب وتقارب*
وأكد عبد الباري ترحيب حكومته بما أطلق عليه «التقارب الكبير بين إسرائيل وجيرانها في المنطقة»، وتعهد بالعمل في المستقبل القريب على تعزيز العلاقات الدبلوماسية بين إسرائيل والسودان، من أجل مصلحة السودان ومصلحة الدول الأخرى في المنطقة. وأضاف في إشارة إلى اقتراح علاقات دبلوماسية سودانية إسرائيلية: «هذا ما سوف نعمل من أجله».
من جهته، قال وزير الخزانة الأميركي، في كلمة قصيرة أعقبت توقيع الاتفاقات الإبراهيمية، إن توقيع الاتفاقية حدث تاريخي كبير، يتيح لشعب السودان وشعب إسرائيل فرصاً كبيرة في مجالات التعاون الاقتصادي والثقافي.
وأكد وفد الخزانة الأميركي، برئاسة الوزير منوتشن، حرص بلاده على تطوير العلاقات الثنائية وتعزيز التعاون المشترك، خاصة في المجالات الاقتصادية، وشدد في لقاءاته مع المسؤولين السودانيين على ضرورة توصل السودان ومصر وإثيوبيا إلى اتفاق بشأن ملء سد النهضة وتشغيله.